مر يوم الارض في اسرائيل والمناطق بهدوء، أي انه كانت مظاهرات ومواجهات عنيفة هنا وهناك، لكن الملايين التي وُعد بها لم تأت. وقد ساد الجميع جو التعب وتدافع المسؤولية. وهذا التعب والحرج يلاحظان عند الطرفين. يبدو ان الحماسة الكبيرة التي ميزت الصراع الاسرائيلي الفلسطيني خمدت عندنا وعندهم ايضا. حدث هذا أولا في الطرف الاسرائيلي. فقد اقتنع ناس "معسكر السلام" بمشورة من زعيمهم آنذاك اهود باراك بأنه لا يوجد شريك في الجانب الآخر، فتوجهوا اذا ليُدبروا شؤون بيوتهم لأنه لماذا يحاربون في الشوارع اذا كان الاحتمال صفرا أصلا واذا لم يكن الطرف الثاني معنيا بالسلام أصلا؟. وبطريقة طبيعية أفضى اختفاء المعسكر الاول من الساحة الى ضعف الحماسة في المعسكر الآخر ايضا. صحيح ان "اليساريين" ما يزالون أوغادا ومتكبرين ومتبلدي الاحساس وأن شعورهم الوطني مشكوك فيه، لكن لم يعد واضحا أنهم يتحملون مسؤولية الشيء الأفظع في أنهم "يحبون العرب". يبدو أنهم ليسوا كذلك. وخفتت على التدريج الاتهامات بهدم الدولة والخيانة. واختفى اليسار من الخريطة العامة واليمين ايضا. فلم يعد اولئك يؤمنون بالسلام ولم يعد هؤلاء يؤمنون بأرض اسرائيل الكاملة. وفقد الطرفان اللذان جربا خيبات الأمل الاهتمام بالسياسة. فأصبح الجميع في المركز لا حلوا ولا مرا؛ بل حامضا. ولا يتحمس أكثر المصوتين الاسرائيليين لمرشحيهم تحمسا خاصا. فهم ونحن نريد في الأساس ان نسقطهم عن رؤوسنا. دعونا نشاهد "ديفايس". ولا يتعلق التعب الفلسطيني بالتعب الاسرائيلي فأسبابه مختلفة. فالتحولات في العالم العربي جعلت الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ما كان يفترض ان يكونه منذ البداية – صراعا هامشيا جدا وواحدا من نتائج الصراع بين الكتل الكبرى يمكن بواسطة التأليف بين العصي والجزر، حله بعلاج محلي. والأحداث في المراكز الحقيقية من العالم العربي – مصر والعراق وسوريا – وفي المغرب (تونس وليبيا) صرفت الاهتمام عن "صراعنا". فلم يعد المكان الذي تُصاغ فيه هويات كونية وتجيب فيه عن سؤال "أمعنا أنت أم علينا؟" مثل الصراعات الدامية في سيريلانكا أو تيمور الشرقية مثلا؛ ومثل الحروب الدامية الفظيعة في افريقيا، يبدو ان الصراع في طريقه الى ان يصبح مشكلة محلية. وسيُمكّن حله الأطراف الصقرية من ان تحيا حياة طبيعية بعضها الى جنب بعض؛ وسيجعل فشل الحل حياتهم جحيما. ومهما يكن الامر فانها مشكلتهم. ما يزال هذا الادراك لم يبلغ الى فريق من مؤيدي الفلسطينيين في الغرب، فما يزال هؤلاء متمسكين بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني باعتباره ظاهرة تنشيء الهوية مثل حرب فيتنام في حينها. هل تؤيد الامريكيين أم الفيتناميين؟ كان جواب هذا السؤال يُعرفك لا على أنك صاحب موقف جغرافي سياسي فقط بل كان يُعرفك باعتبارك انسانا: فاما أنك انساني أو غير انساني وإما ليبرالي أو محافظ وإما مؤيد للاستعمار أو معارض له. لكن اذا لم تبلغ الغرب حتى الآن الأنباء عن إفلاس الصراع الاسرائيلي الفلسطيني باعتباره ساحة الصراع بين أبناء النور وأبناء الظلام، فقد أصبحوا في الشرق الاوسط الجديد يستعدون من جديد. والسؤال الحرج هو عن مستقبل مصر والعراق وسوريا – وهو مستقبل ليست له صلة واضحة بـ "صراعنا" (وإن كان سيكون له بالطبع آثار عليه). وننتظر في الاثناء ان نرى "ماذا سيلد اليوم". بيد ان هذا التوقع خطأ. فلا ثقة بأن يستمر انخفاض توتر "صراعنا"، ففي الطرفين قوى معنية باعادتنا من المحلي الى العالمي – سواء أكان الحديث عن حرب لا داعي اليها خطيرة مع ايران أم كان الحديث عن محاولة صرف القوى الاسلامية الى جهاد يحدث هنا خاصة على هذه الارض. وسيكون الجلوس مع تكتيف الأيدي اضاعة حاسمة للفرصة. ان تعب الطرفين العقائدي هو ساعة مناسبة للبراغماتيين. ويجب حل هذا الصراع بصورة ناجعة وبتصميم، فهذه هي الساعة المناسبة.