مثل الفتى الذي قتل أبويه ويطالب بمخصص يتم، هكذا اسرائيل في تقريرها الموسمي للدول المانحة للسلطة الفلسطينية: تبحث في اخفاقات الاقتصاد الفلسطيني وكأن الاحتلال الاستيطاني ليس سببها الأساس. واضعو التقرير يقدرون بان تعلق السلطة بالمساعدة الاجنبية لن تقل في السنوات القادمة. وهكذا فانهم يظهرون استخفافا بذكاء ممثلي الدول المانحة الذين التقوا الاسبوع الماضي في بروكسل. فمن مثل اولئك الممثلين يعرفون بان المساعدات الكثيفة والثابتة للفلسطينيين تدل قبل كل شيء على العناية الخاصة التي تمنحها اسرة الشعوب لاسرائيل. دافعو الضرائب في العالم هم الذين ينقذون اسرائيل من واجباتها كقوة احتلال، ويعوضون الاضرار الذي تلحقها. ويتبين أنه أسهل على اسرة الشعوب تمويل الاحتلال من أن تفرض على اسرائيل وضع حد له. فتيان المالية والامن عندنا، الذين على معطياتهم يقوم التقرير، يقولون: اعدوا هذه السنة ايضا دفاتر شيكاتكم وذلك لان سياستنا لن تتغير. باعتاد متعال يتنكر واضعو التقرير لسيطرتنا المطلقة على المقدرات الضرورية لتقدم وتوسع النشاط الاقتصادي: الارض، المياه، الزمن، سجل السكان الفلسطيني، العملة، المجال الاقليمي، المجال الجوي وطيف موجات البث، التواصل الاقليمي، النشاط البنكي والبث التلفزيوني، حرية الحركة، معابر الحدود، هوية الزوار من الخارج، زمن بقائهم، الطرق، الامن الشخصي، الامن الجماعي. بدقة بخيلة يحصي التقرير كل الوسائل التي اتخذتها اسرائيل، لشدة سخائها، كي "تدعم النمو الاقتصادي في الضفة الغربية". وخلف كل وسيلة مذكورة في التقرير لا تذكر الساعات التي اضاعها موظفون فلسطينيون، أمريكيون واوروبيون لاقناع نظرائهم الاسرائيليين بتنفيذها. مثلا، عدد السياح الذين دخلوا بيت لحم في السنة الماضية كان 1.174.280 (مقابل – وانتبهوا للدقة – 1.092.811 في العام 2010). تمديد ساعات عمل الحواجز، الموافقة على تواجد شرطي فلسطيني في مناطق ب، بناء منصة لقاءات لرجال الاعمال الاسرائيليين والفلسطينيين في احد الحواجز، أربع حفريات لآبار ماء في منطقة المحمية الطبيعية في الخزان الجوفي الشرقي، 17 (وليس 16!) لقاء تمهيدي (في شؤون البنية التحية للمياه) مع ممثلي وزارة الخارجية الامريكية و "اليو.اس.ايد"، لقاء واحد مع الممثل الهولندي للبحث في التعاون الاسرائيلي – الفلسطيني، 434.382 سيارة لفلسطينيين من مواطني اسرائيل، مرت عبر جنين، فحص الطلب الفلسطيني للاعفاء من الجمار لسيارات لمستثمري اجانب ومعوقين، السماح لـ 2.777 شخص لتغيير عناوينهم في الهويات من "غزة" الى "الضفة الغربية" (من اصل 3.857 طلب). بطعم ميلتون فريدماني يتفوه التقرير بشيء ما عن حجم القطاع العام الفلسطيني. اذا كان ثمة شيء ما يضمن استقرارا اجتماعيا فلسطينيا وبالتالي هدوءا وازدهارا لاسرائيل – فهو الرواتب الثابتة (أقل مما يستحق العاملين) في القطاع العام. منذ بداية أيام اوسلو كانت الوسيلة المركزية لتثبيت الدعم والتعلق بقيادة السلطة. تكيف القيادة الفلسطينية مع السياسة الاسرائيلية في خلق جيوب فلسطينية اعتمد، ضمن امور اخرى، على ذاك الاستقرار الداخلي، وأجهزة الامن الفلسطينية المضخمة، جزءا لا يتجزأ من القطاع العام؟ فهم مقاولون فرعيون للمخابرات والجيش الاسرائيلي كلفوا بالمشاركة في الترشيح، في القمع وفي الاحتواء للمقاومة الفلسطينية لمظاهرها المختلفة. شاروليك، الزعيم الاكبر، يكسب من أداء العاملين الذين يوفرهم له المقاول الفرعي وفي نفس الوقت يشتكي من كثرتهم.