أصبح مصطلح "المنعة القومية" منذ زمن موضوع بحث في الجامعات وعند متخذي القرارات في العالم كله. وتحول سؤال ما الذي يُقوي المنعة القومية من قضية اكاديمية الى موضوع عملي. ويبحث علماء النفس ولا سيما اولئك العاملون بعلم النفس السياسي، في الصفات الانسانية التي تُمكّن من مواجهة أوضاع الضغط وانعاش الذات من ضربات وخسائر. ويبحث المختصون بعلم السياسة عن الاجوبة في المجالات الجيوسياسية، والقيادة السياسية ونوع السلطة ونظرة المواطنين الى التهديدات القومية الملحة. في دولة اسرائيل في المقابل تم الكشف عن اختراع جديد هو غاية المنعة القومية الاسرائيلية الجديدة، ألا وهي الدفاع عن النفس. فلم يعد الحديث عن منعة اجتماعية نفسية ولا عن سلوك جغرافي سياسي من نوع ما، ولم يعد نوع السلطة ايضا ذا صلة. ان الدفاع عن الذات هو الاختراع الجديد المنيع في مواجهة كل هجوم. في مواجهة تهديدات الارهاب الفلسطيني أُنشيء جدار يفصلنا عنهم. فالمسافرون في الشارع رقم 6 لا يرون الخطر ولا يعرفون بوجوده وتجري الحياة كعادتها. والمسافرون في الشارع 443 في الاجزاء المجاورة لقلندية وعطروت يدخلون في طريق محاط عن جانبيه بأسوار اسمنتية وهكذا يعفون من معرفة انه توجد في الجانب الثاني من الجدار قرية معادية. وشارع الأنفاق عند ظاهر بيت جالا مُخفى بأقواس اسمنتية وحُلت مشكلاتها الامنية. في هذه الايام خطت المنعة القومية الاسرائيلية خطوة الى الأمام، فمحاربو الدفاع الجوي يستعملون القبة الحديدية بشجاعة. وآخر كلمة في هذا المجال هي التحصين المحكم. ولمن لم يفهم بعد موقع القبة المعدنية من المنعة القومية يأتي هذا التفسير الامني المدروس وهو ان اسرائيل تستطيع بمساعدة القبة الحديدية تحمل جولات اخرى من هجمات من غزة. ان عظمة المنعة القومية في العصر الحديث تثير التأثر. فلم تعد هناك اسرائيل العديمة المنعة التي لا يخطر بالبال وجود صواريخ تقع على سكانها. فبفضل التحصين ارتفعت اسرائيل درجة وأصبحنا نستطيع ان نستشرف بفخر الجولة التالية. في وقت ما في الماضي، حينما كنا هشين وبلا منعة، اعتقدنا انه لا يخطر بالبال ان يجعل أحد من أعدائنا سكان كريات شمونة في مدى صواريخه بل خرجنا للحرب لمنع هذا. ونحن اليوم منيعون وبدل ان نطالب – مثل سائر دول العالم العديمة المنعة – بألا يوجد اطلاق نار على سكاننا، اخترعنا الاختراع العالمي الذي يُمكّن أعداءنا من اجراء جولة اخرى. والسؤال هل اسرائيل مستعدة للخروج من الحالة الدفاعية لتدافع عن سيادتها. وهل المواطنون مستعدون للقيام في الجانب الآخر من جدار الاسمنت للدفاع عن دولتهم؟ ان الجواب بنعم فقط هو الذي تكمن فيه المنعة القومية الحقيقية. وكل جواب آخر سيُدخلنا الى الملاجيء بانتظار الجولة التالية التي ستُمكّننا مع كثير من الحظ من البقاء انتظارا للجولة التي تليها.