يُدعى التاريخ في الوقت الاخير لخدمة اولئك الذين يؤيدون هجوما اسرائيليا على المنشآت الذرية في ايران، ويعشقون عندنا ذِكر استخذاء تشامبرلن الذي أفضى الى اوشفيتس، لكن تاريخ الحروب لا يبدأ ولا ينتهي بشامبرلن واوشفيتس. في 1870 بادر الملك الفرنسي نابليون الثالث الى حرب على بروسيا ليحطم قوة البروسيين المتزايدة. وانتهت الحرب الى نصر بروسي خاصة. واقتطع اقليما الألزاس واللورين من فرنسا وضُما الى المانيا. وخُلع نابليون الذي بادر الى الحرب واضطرت فرنسا الى ان تدفع الى المانيا تعويضات باهظة. أُذلّت فرنسا لكنها لم تتحطم ولم تولد الهزيمة سوى شهوة الانتقام. فبنى الفرنسيون جيشهم من جديد وأسموه "جيش الانتقام"، وفي الحرب العالمية الاولى هزمت فرنسا وحليفاتها المانيا. فأعادت فرنسا كرامتها الضائعة واقليمي الألزاس واللورين. وأُذلّت المانيا بمعاهدة فرساي، لكن الهزيمة ولدت في المانيا شهوة الانتقام التي أنشبت بعد 21 سنة الحرب العالمية الثانية. وجندت ثلاث قوى هائلة هي بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا السوفييتية كل قواتها، وبعد ان دفعت فقط ملايين الخسائر نجحت في تخريب أكثر مدن المانيا والقضاء على جيشها. وبعد ان استسلمت فقط وضعوا نهاية لشهوة حروب الانتقام في اوروبا طوال الـ 67 سنة الاخيرة. اذا كان يمكن ان نتعلم شيئا ما من التاريخ فربما يمكن ان نقول ان الحرب التي تنتهي بلا حسم مطلق وخراب لأحد الطرفين تولد شهوة انتقام تُحدث الحرب التالية. وبعد ان ينجح طرف في تحطيم عدوه في حرب يسقط فيها ملايين الضحايا تهدأ غريزة القتال والانتقام لدى الطرفين، ولا يريد أي طرف بعد ان يفرض ارادته بالقوة على غيره. هذا هو هدف كل حرب بحسب نظرية كلاوزفيتش وهو من آباء النظرية القتالية الحديثة والذي قال ان السياسي الذي يتصرف بمنطق لا يبدأ الحرب من غير ان يُبين لنفسه ما الذي ينوي احرازه. تعلو في المدة الاخيرة في اسرائيل الاصوات التي تدعو الى حرب على ايران، وينبغي لنا ألا نخدع أنفسنا، فهذه الحرب تعني قصف المنشآت الذرية الايرانية، وحتى لو انتهت العملية بنجاح وبأقل قدر من الضحايا منا فستكون بداية حرب شديدة فقط، وحتى لو أُصيب عدد من المنشآت الذرية فلن تفضي الحرب الى القضاء على جيش ايران والقضاء على القوة الصناعية لهذه الدولة الضخمة التي تبلغ مساحتها مساحة بريطانيا وفرنسا واسبانيا والمانيا وعدد سكانها 74 مليون نسمة. لا تستطيع اسرائيل بسلاح تقليدي ان تُحدث لايران أقل قدر من الدمار والخراب الذي أحدثته روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة لالمانيا في الحرب العالمية الثانية في سنوات قتال ست شديدة الى ان هزمتها. ستستطيع اسرائيل حتى في أنجح الحروب ان تُذل ايران فقط وان تثير فيها شهوة الانتقام، وستنتهي هذه فقط حينما يتحطم الطرفان ويخربان، والى ان يفقد الطرفان الشهوة الى فرض ارادتهما على آخر بواسطة حرب. هل يريد سياسي اسرائيلي ان يُدخل اسرائيل بالهجوم على منشآت ذرية في سلسلة حروب انتقام كهذه؟. يحسن ان يتعلم كل أهوج ايراني يعلن نيته محو اسرائيل ما حدث لنابليون الثالث، لكن ينبغي لكل نابليون اسرائيلي ايضا ينوي محاربة ايران ان يتعلم دروس هزيمة ذلك الملك الفرنسي.