المقدمة زيارة رئيس الوزراء الى واشنطن للقاء الرئيس اوباما مثل خطاب الزعيمين في مؤتمر ايباك والمقابلات مع وسائل الاعلام، تتيح لنا أن نطرح ونؤكد مفاهيم هامة في مثلث الولايات المتحدة، اسرائيل وايران. لا ريب أن الرئيس الايراني دحر كل مسألة اخرى عن جدول أعمال زعيمي الدولتين. التصريحات الاخيرة للرئيس الامريكي، اوباما، ولا سيما في خطابه امام مؤتمر ايباك، برزت نقاط ذات اهمية استراتيجية للولايات المتحدة ولاسرائيل على حد سواء. في خلفية التصريحات كان لقاء قمة بين اوباما ونتنياهو في 5 اذار 2012 في البيت الابيض. الى جانب التخوف المشترك للدولتين من التحول النووي لايران، كانت في الخلفية خلافات رأي بينهما في مسألة كيفية منع هذه العملية الاشكالية. في هذا المقال سنقف عند النقاط الاساس التي طرحت في هذه التصريحات وسنحاول تقدير معناها ولا سيما بالنسبة لدولة اسرائيل. العلاقات الثنائية بين اسرائيل والولايات المتحدة الرئيس خرج عن طوره كي يبرز شبكة العلاقات الوثيقة التي تطورت بين الولايات المتحدة واسرائيل في فترة ولايته. وقد تلقت شبكة العلاقات هذه تحذيرا سواء على المستوى الامني – العسكري أم المستوى السياسي. وقد مجد الرئيس التعاون الاستخباري بين الدولتين، المناورات المشتركة للجيشين واستعداد الولايات المتحدة لتزويد اسرائيل باسلحة متطورة لا تعطى الا للحلفاء الاكثر قربا. على المستوى السياسي شدد الرئيس على الدعم الامريكي الجارف لاسرائيل في المؤسسات الدولية ومساعيها العديدة لتعطيل النقد والتشهير ضد اسرائيل في الساحة الدولية. في هذا السياق اشار الى نشاط الولايات المتحدة ضد تقرير غولدستون ومواقفها في لجنة حقوق الانسان وفي مؤتمر ديربن. الرسالة التي تنشأ عن هذه التصريحات هي ان على اسرائيل أن تستوعب حقيقة ان لها "صديق حقيقي" في البيت الابيض. وفضلا عن الحاجة الى مناكفة خصومه على خلفية حملة الانتخابات المتصاعدة في الولايات المتحدة، يمكن لهذه التصريحات أن تنطوي ايضا على رسالة خفية لاسرائيل في السياق الايراني: في رأس الادارة الامريكية يقف رئيس لديه "استحقاقات" بالنسبة لتأييده العملي والمتين لاسرائيل. في مقابلة مع صحيفة "The Atlantic" نشرت قبل بضعة ايام من الخطاب شدد الرئيس على أنه أوفى بكل التزاماته التي أخذها على عاتقه تجاه دولة اسرائيل. وبالتوازي أوضح بالنسبة لعملية محتملة في ايران فقال انه "لا يخدع" (I don’t bluff). وعليه يمكن لدولة اسرائيل أن تعتمد على أنه في الموضوع الايراني ايضا، لن يخذلها الرئيس وسيعمل على الحفاظ على أمنها حيال التهديد الشديد الذي تقف امامه. المسألة الايرانية في السياق الايراني كانت تصريحات الرئيس لا لبس فيها ومصممة في صياغتها وفي "النبرة" التي ترافقها، على نحو غير مسبوق. حيال كل اولئك الذين يسعون الى عرض مسألة التحول النووي الايراني كـ "مشكلة اسرائيلية" يوضح الرئيس بان قدرة نووية عسكرية في يد ايران تتعارض والمصلحة القومية الامريكية – عمليا هذه مسألة تقلق الاسرة الدولية بعمومها. لهذا القول يوجد معنى بعيد الاثر، وذلك لان فيه ما يبدد ادعاءات محافل ذات وزن في الادارة الامريكية وكأن اسرائيل تمارس ضغطا كثيفا كي تدفع الولايات المتحدة نحو هجوم على ايران. كل هذا، بينما توجد علامة استفهام كبيرة على القول ان هجوما كهذا يخدم المصلحة الامريكية. في خطابه أمام ايباك دافع الرئيس عن سياسة الاشتباك "engagement" التي قادها حيال ايران على طول سنوات ولايته. وقد ادعى، بقدر كبير من الحق، بان هذه السياسة كشفت العناد الايراني وانعدام استعداد القيادة الايرانية للوصول الى حل وسط في المسألة النووية. وهكذا سمحت ايران للولايات المتحدة بان تجند الاسرة الدولية في صالح عقوبات خطيرة ضدها. واشار الرئيس في هذا السياق الى حقيقة أن روسيا والصين ايضا انضمتا الى الكفاح الدولي ضد التحول النووي لايراني. ومع ذلك فقد اختار الا يضيف انتقادات على سياسة الدولتين الحالية والتي تعارض مزيدا من العقوبات، غير ما تقرر في مجلس الامن في صيف 2010. على خلفية الانتقاد الشديد الذي تلقته سياسة الـ "engagement" في اسرائيل ايضا، والمخاوف الشديدة في أنها تقود الولايات المتحدة في نهاية المطاف الى التسليم بايران نووية شدد الرئيس على نحو لا لبس فيه بان ليس للولايات المتحدة سياسة "احتواء" (containment) في السياق الايراني. سياسة الولايات المتحدة هي منع تحول ايران الى دولة ذات قدرة نووية. وزير الخارجية الامريكي كرر هذه الصيغة في خطاب له امام مؤتمر ايباك وشدد على أنه لا يجب لاحد ان يشكك بذلك: اذا فشلت كل المساعي السياسية في حمل ايران على وقف استمرار نشاطها النووي "فاننا سنعمل" (we will act). من المهم التشديد بانه على أفضل علمنا لم يسبق أن صدر تعبير على هذا القدر من التصميم وبهذه الصياغة غير الملتبسة بهذا القدر لنوايا الولايات المتحدة في منع ايران من نيل قدرة نووية. بل ان الرئيس حذر ايران من مغبة الخطأ في فهم التصميم (resolve) الامريكي في هذا السياق. الى جانب ذلك، في هذه الصياغات ايضا حذر الرئيس من ان يكبل نفسه تماما باستراتيجية معينة في السياق الايراني. فالرئيس على علم جيد بمطالب اسرائيل، في أن يعطي تعبيرا عمليا عن الاقوال المصممة للولايات المتحدة بان في نيتها منع التحول النووي الايراني. فاسرائيل تطالب الادارة بان تعترف بان المساحة الزمنية التي تحت تصرف اسرائيل "لمعالجة" المسألة الايرانية اقصر بكثير من تلك التي تحت تصرف الولايات المتحدة. على هذه الخلفية، فانها تطالب، ضمن امور اخرى، في أن تعرف بشكل لا يسمح باي مجال للشك "الخطوط الحمراء" التي اذا ما اجتازتها ايران فانها ستعتبر كدولة تعمل على نيل السلاح النووي. كما تطالب اسرائيل باعطاء تعبير عملي لتصريحات الرئيس نفسه بان الولايات المتحدة ستستخدم كل قدراتها التي تحت تصرفها لمنع ايران من نيل السلاح النووي. في تصريحات الرئيس العلنية لم يكن تعبير عن ذلك. ولا يجب أن نستبعد امكانية انه في اللقاءات الشخصية بين الزعيمين سمع نتنياهو امورا اكثر صراحة على لسان الرئيس. في انتقاد علني جدا على النقاش الجماهيري حول ايران، اوضح الرئيس بان النقاد الجماهيري المكثف عن امكانية الحرب (too much loose talk of war) لا يجدي. في هذا السياق لم يذكر الرئيس اسرائيل صراحة. ومع ذلك، يبدو أن اقواله موجهة اولا وقبل كل شيء للنقاش اليقظ، وبقدر كبير الحماس، الجاري في اسرائيل حول المسألة الايرانية. وبالتوازي، من غير المستبعد أن تكون سهام انتقاده موجهة ايضا لخصومه السياسيين في الداخل، ممن لا يفوتون فرصة لمهاجمته على خلفية سياسته "الرقيقة" تجاه ايران. الرئيس يشدد على أن "اصوات الحرب" المنطلقة في السياق الايراني تعمل في صالح القيادة الايرانية، وتؤدي الى رفع في اسعار النفط. امن اسرائيل والولايات المتحدة يستوجب الامتناع في هذا الوقت عن "الثرثرة" الزائدة (bluster) في المسألة الايرانية. وأخيرا، يشدد الرئيس بانه حذار على ايران ان تشكك في أن لدولة اسرائيل حق سيادي (sovereign right) في اتخاذ القرارات المتعلقة بامنها. قبل ذلك أوضح الرئيس بان على اسرائيل أن تكون دوما في وضع يمكنها فيه أن تدافع عن نفسها، بقواها الذاتية، ضد كل تهديد يقف امامها (must be able to defend itself-byitself- against any threat). وقد سمع الرئيس جيدا تصريحات نتنياهو، التي قيلت في الغرفة البيضوية بان اسرائيل هي سيدة مصيرها (master of its fate). هذه الجملة من التصريحات من المرجعية الاعلى في الادارة الامريكية تخلق الانطباع بان الادارة تسعى الى أن تنقل الى اسرائيل رسالة في أنها لن تقف في طريقها اذا ما قررت العمل وحدها. لا يوجد هنا "ضوء اخضر" لاسرائيل للعمل، الادارة تشرح بشكل غير قابل للتأويل بان هجوما اسرائيليا الان هو خطوة ليست صحيحة في نظرها، ولكن يحتمل أن يكون هنا "ضوء اصفر" اذا ما كانت اسرائيل مقتنعة بانها ملزمة "بالدفاع عن نفسها بقواها الذاتية". ينبغي أن يضاف الى ذلك قول هام آخر للرئيس، بان الادارة ستقف دوما الى جانب دولة اسرائيل في سياق الحفاظ على امنها. يحتمل أن تكون هنا رسالة ضمنية لاسرائيل في الا تخاف من خطوات عقابية اذا ما قررت العمل بنفسها ضد ايران. الادارة ستواصل تأييدها في كل الاحوال. ومع ذلك كلما ابتعدت طائرة نتنياهو عائدة شرقا تأكدت الاقوال القاطعة التي اصدرها الرئيس ضد الهجوم في الزمن القريب، في ظل الايضاح لاضراره وكلفته على اسرائيل وعلى الولايات المتحدة على حد سواء. قبل اللقاء اشرنا الى أنه يجدر بان يعطي المقياس الحاسم في التفكير الاسرائيلي في المسألة الايرانية وزنا أكبر لـ "منطقة الثقة" بين الزعيمين على القوة والعمق للالتزام الامريكي بمنع ايران نووية. تصريحاتهم العلنية لا تسمح بالقول ان "منطقة الثقة" اصبحت سائدة – يحتمل أن يكون فهم ما حصل في الغرف المغلقة يمكنه أن يغير هذا التقدير.