خبر : قراءة في معنى الوحدة الوطنية ... صابر حسين

الإثنين 09 مايو 2011 10:29 م / بتوقيت القدس +2GMT
قراءة في معنى الوحدة الوطنية ... صابر حسين



إستقبل الفلسطينيين خبر المصالحة الفلسطينية في القاهرة مؤخرا بكثير من التفاؤل و الحذر ، هذا الاحساس و الشعور له ما يبرره، هو مرتبط بسنوات طويلة من الفرقة التي وصلت حد التناحر و النزاع بين الفصيلين الرئيسين فتح و حماس  في الضفة الغربية و قطاع غزة  الذي عبر عن نفسه بحالة من الصدام الدموي  لم يشهد لها التاريخ الفلسطيني المعاصر مثيل. هذا الصدام  دفع ثمنه المجتمع الفلسطيني في الداخل و الخارج ثمنا باهظا من أرواح الكثير من الضحايا و عذابات السجناء ، وآلام الأمهات و الاطفال. يمكن القول أن المجتمع الفلسطيني كمجتمع  بكل شرائحه وفئاته الاجتماعية دفع ثمن هذا النزاع الذي أصاب الهوية الفلسطينية بكل مكوناتها الثقافية و النفسية و الحضارية. على الرغم من قتامة تلك المرحلة المنصرمة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية و المجتمع الفلسطيني  ،إلا أنه لابد من قراءة متأئنية و معمقة  لهذ التاريخ و التي في مقدمتها الاجابة على السؤال الرئيسي ، الذي مفاده هل كان من الضروري المرور بتلك المرحلة بكل ما حملته من ألام وعذابات للوصول للمصالحة الوطنية و التاسيس لوحدة وشراكة سياسية على أسس وطنية؟ قد يختلف الكثير من الاكادميين و المنظرين حول الاجابة  لكن على الاغلب أنه  كان لا بد من المرور من عنق الزجاجة تلك للوصول إلى  مرحلة فيها تغير جوهري في النظام السياسي الفلسطيني ، ذلك النظام الأبوي بكل ما تحمل الكلمة من معني  الذي حكمته تاريخيا  سياسة الفصيل الواحد و القائد الواحد الكرازماتي و الهيمنة و المحاصصة ،  نحو نظام سياسي مبني على أليات عمل مؤسساتية ،يميزه على الأقل تعددية سياسية نسبية فيه نوع من التوازن بين قوى سياسية مختلفة. في جوهره النزاع و التناحر بين فتح وحماس (قبل المصالحة) لا يكمن في وجود برنامجان مختلفان على المستوى السياسي على أهمية ذلك ، فالمراقب  لإتفاق المصالحة يصل إلى الاستنتاج البسيط أنه لم يكن هنالك الكثير من الخلاف على هذا المستوى ولهذا أصاب الكثير من الفلسطينيين  الدهشة  في سرعة التوقيع على وثيقة المصالحة، بل جوهر النزاع يكمن في الاختلاف و التناحر على مستوى القيم  و الرؤى الذي في جوهره مبني على العصبية و نفي وجود وقبول  الاخر، الذي وصل حد التكفير و التخوين والاقصاء .وفي هذا الاطار يجدر الاشارة إلى أن ما يميز النزاعات  الداخلية و الحروب الأهلية في الغالب هو هذا الشكل من النزاع الذي يأخذ الطابع الدموي المقيت و الذي يمس منظومة وجوهر قيم المجتمع ، و الذي يؤدي بالنهاية إلى إنهيار النظام العام  إما بحسم النزاع بإتجاه سيطرة أحد الاطراف وإقصاء الطرف الاخر، او إستمرار حالة الفوضى واللانظام  وهذا ما يميز المجتمعات التقليدية البدائية التي لم تدخل طور الحداثة .  المجتماعات الحداثية و الديمقراطيات على النقيض هي مجتمعات مبنية على التعددية الطائفية و الاثنية و السياسية،  هذا التنوع الواسع ( برميل الصهر) يتميز بالاجماع حول منظومة القيم و الرؤى المرتبطة بالنظام العام و المجتمع. الاختلاف في هذه المجتمعات يجري على مستوى المعايير و الاجراءات و طالما ظل في هذا الاطار لا يمكن أن يصل إلى حد التصادم الدموي ، عدا على أن هذا الاختلاف حيوي و مفيد في  هذه الحالة و يساهم كثيرا في تسريع عمليات الانتاج و التطورعلى المستويات  جميعها .  لهذا كانت الديموقراطيات الحديثة  التي تعتمد الوسائل السلمية في تداول السلطة هي الاجراء  النافذ و الحل الأمثل  في حل العديد من الاختلافات على مستوى الاجراءات و المعايير. فالمجتمع الديموقراطي لا يمكن أن يسمح للإختلافات داخله أن تصل لمستوى  قيم المجتمع ، هنالك شبه إجماع مطلق كما نسميه حول أصول واجراءات اللعبة ، أي مجموعه من القيم  المتفق عليها لتنظيم حياة وآليات عمل مؤسسات المجتمع و حل الاشكاليات على إختلافها .   بالضبط  ما حدث في الحالة الفلسطينية ( بين فتح وحماس ) هي عملية أقصاء متبادلة طابعها عنيف مؤسسة على اختلاف في منظومة  القيم و الرؤى بين طرفيين لا يقبل أحدهم بالاخر . يستخدم في كثير من الاحيان خطاب تعبوي على أسس نفسية وعاطفية و دينية. ما ميز المرحلة السابقة هو هذا الخطاب التكفيري التخويني المؤسس على إختلاف حول قيم المجتمع . المصالحة و الوحدة الوطنية تعني قبل كل شئ الاتفاق و الاجماع  حول قيم المجتمع و برنامج الحد الادنى على المستوى السياسي و الاجتماعي و الثقافي .  على أهمية عناصر إتفاق المصالحة  الذي أنهى حقبة من العداء بين فتح و حماس ،إلا أنه لا بد من الاشارة إلى أهمية موضوع تشكيل إطار قيادي مؤقت  يضم جميع فصائل العمل الوطني و الاسلامي . هذا الاطار يجمع ويحل بين مجموعة من المتغيرات الغاية في الاهمية و التي ساهمت في وجود مجموعة من الاشكاليات  كالعلاقة بين الداخل و الخارج ، العلاقة بين منظمة التحرير و السلطة الوطنية الفلسطينية و غيرها من المتغيرات التي كان لها الاثر الكبير في تمزيق الحالة و النظام السياسي الفلسطيني.  صحيح أن منظمة التحرير هي الاطار الذي شكل الكيانية و الهوية الفلسطينية و هي تاريخيا لعبت الدور المركزي و الرئيسي لصقل و بلورة العمل و الهوية الفلسطينية ، لكن لا بد من الاشارة أن نمو التيارات الاسلامية  خلال الثلاث عقود الماضية و غيابها  وعدم تمثيلها في هذا الجسم عزز وساهم من فرص الانقسام و التصادم ، وأثر بشكل أو بآخر على آليات عمل النظام السياسي الفلسطيني . الفرصة الان تاريخية للفلسطينين بوجود الحركات الاسلامية ممثلة في  هذا الاطار المؤقت ، وتاريخية اللحظة تكمن في فرصة وضع برنامج إجماع وطني وتحديد وتعريف المصالح العليا للفلسطينين بمشاركة تلك الحركات و التيارات الاسلامية  .   هذا الاطار القيادي المؤقت مهمته الاساسية البحث حول مجموعة من الاسئلة التي يجب أن تحدد مستقبل الفلسطينيين ، تدور جميعها حول تحديد شكل ومضمون النظام العام  الذي نريد ،وتضع تصور حول  برنامج الحد الأدنى سياسيا ، حول شكل النظام السياسي – الاجتماعي .  لا يكفي وضع مواثيق شرف لصيانة و حماية الوحدة الوطنية على أهميتها ، الكثير من مواثيق الشرف التي حرمة الدم الفلسطيني لم تصمد كثيرا ، حماية الوحدة الوطنية وضمان عدم العودة الى حالة الإقتتال و النزاع  تحتاج إلى إجراءات عملية التي تتطلب من قيادات العمل  الوطني والاسلامي الارتقاء إلى مستوى المسؤولية التاريخية في تفعيل هذا الاطار القيادي المؤقت ووضع أجابات و تصورات حول مستقبل الفلسطينيين الذي يدفع بإتجاه تشكل اطار للاجماع الوطني و آليه حيوية في حل الخلافات بالطرق السلمية، كمقدمة ضرورية لإعادة تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطيني ودمج التيارات الاسلامية فيها ، كاطار جامع للفلسطينيين في شتى أمكان تواجدهم. أيضا على قوى المجتمع الحية على اختلافها  و خاصة الشباب أن يساهموا في هذا الاطار في الدفع بإتجاه تنظيم أنفسهم لتشكيل قوة ضغط حقيقية وفاعلة على جميع الاطراف لانجاز و المرور عبر هذا المنعطف التاريخي ، في التأسيس لحالة مبنية على الشراكة السياسية و التعددية الاجتماعية و الثقافية  وقبول الاخرو التسامح . تلك القوى التي هي أكثر من غيرها لها مصلحة في بناء مجتمع عصري- ديموقراطي.