خبر : عبودية المرأة الجديدة ...سامية الزبيدي

السبت 07 مايو 2011 11:34 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عبودية المرأة الجديدة ...سامية الزبيدي



يزداد يوماً بعد يوم عدد الرجال الباحثين عن زوجات المستقبل من العاملات والموظفات حتى باتوا يتخيرون نوع الوظيفة وقيمة الراتب قبل البحث في سمات شريكة الحياة وصفاتها. ويحظى هذا التوجه بتأييد العائلة والأصدقاء وتشجيعهم، الأمر الذي يعكس في ظاهره تغيراً مجتمعياً نحو قبول خروج النساء للعمل في مهن مدرة للدخل بأنواعها المختلفة. إلا أن التعمق أكثر في بنية هذا التغيير  يكشف عن عبء جديد يريد المجتمع إلقاءه على كاهل المرأة، ألا وهو التخفيف من الأعباء المادية التي ساد الاعتقاد أن الرجل وحده من يحملها لقرون مضت. فالمجتمع الآن يحض النساء في نسبة كبيرة منه على التعليم والعمل، ليس اقتناعاً منه بإنسانية التعليم والعمل لكل البشر رجالاً ونساءً، وليس باعتباره ضرورة حياتية بل حاجة تتطلبها الأوضاع الاقتصادية المزرية التي وصل إليها سكان فلسطين بوجه عام وقطاع غزة بوجه خاص جراء الحصار المفروض عليه منذ مطلع انتفاضة العام 2000، وزادت وتيرته تباعاً في أعقاب فوز حركة "حماس" في الانتخابات الأخيرة[1]، وسيطرتها عسكرياً على القطاع منتصف صيف عام 2007. كما لم يأت هذا التغيير نتيجة طبيعية لمعركة الحقوق التي جاهدت المرأة الفلسطينية لنيلها منذ عقود مضت، ولا لمحاولات السلطة الفلسطينية منذ قيامها المواءمة بين قوانينها المحلية والاتفاقيات الدولية لتعزيز حقوق المرأة وتمكينها. وعلى رغم أن هذه القوانين والتشريعات كفلت حق العمل لكلا الجنسين على قاعدة تكافؤ الفرص في القانون الأساس الفلسطيني وفي قانون العمل الفلسطيني[2] إلا أن هذه النصوص ظلت فضفاضة، بعيدة عن التجديد والتطوير الذي تضمنته المواثيق الدولية الخاصة بالنساء. ففي الفقرة الثانية من المادة 11 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، تنص الاتفاقية على أنه "توخياً لمنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج أو الأمومة، ضماناً لحقها الفعلي في العمل تتخذ الدول الأطراف التدابير التالية: تشجيع توفير الخدمات الاجتماعية المساندة اللازمة لتمكين الوالدين من الجمع بين الالتزامات العائلية وبين مسؤوليات العمل والمشاركة في الحياة العامة، ولاسيما عن طريق تشجيع إنشاء وتنمية شبكة من مرافق رعاية الأطفال". بل وذهب إعلان بيجين لعام 1995 إلى أبعد من ذلك حينما نص في مادته رقم (15) على أن "المساواة في الحقوق والفرص والوصول إلى الموارد وتقاسم الرجل والمرأة المسؤوليات عن الأسرة بالتساوي والشراكة المنسجمة بينهما أمور حاسمة لرفاهيتهما ورفاهية أسرتهما". وعلى رغم أن المجتمع الفلسطيني ظل ينظر للمرأة العاملة باعتبارها امرأة قاصر عن إنجاح الحياة الزوجية والأسرية، كثيرة المتطلبات والتطلعات، علاوة على وسمه لكثير منهن بـ"الاسترجال"، إلا أن الأوضاع الاقتصادية المزرية التي وصل إليها الحال في الأراضي الفلسطينية، غير هذه النظرة، وأصبحت المرأة العاملة مرغوبة فجأة وبشدة، وبتنا نسمع أو نرى رجالاً يشترطون أن تكون عروس المستقبل موظفة براتب لا يقل عن كذا، أو تعمل في قطاع محدد. ويمكن لنظرة سريعة لهذا التغيير أن تكون متفائلة، إلا أن التعمق بين ثنايا هذا التوجه يكشف أبعاداً استخدامية بل واستغلالية جديدة للمرأة. فيوم المرأة العاملة معركة استنزاف مستمر بين المنزل والعمل والالتزامات المجتمعية المختلفة، التي لا يزال الرجل والمجتمع مصراً على تحميلها للنساء فقط على رغم حضه النساء على الخروج للعمل وجني المال. فنرى أن نساء عاملات كثر يصارعن الوقت للوفاء بالتزامات العمل، من دون التقصير في مهمات المنزل المعلقة بأعناق النساء فقط من إعداد الطعام، وتنظيف، وغسل، وكوي، وربما العجن، ناهيك عن متابعة نظافة الأطفال ودراستهم، علاوة على تأدية فروضها المجتمعية بخطب ود العائلة والأقارب، وكأن صلة الأرحام التي حث عليها الإسلام الحنيف مرتبطة بالنساء فقط. وعلى رغم الواقع الصعب الذي خلقه تنكر الرجل والمجتمع لطبيعة تغير أدوار النساء نحو الدور الإنتاجي، وتجاهلهما لتكدس الأعباء على كاهل النساء حتى بات الأمر وكأن خروج المرأة للعمل نقمة عليها، إلا أن تذمر النساء وشكواهن الصحية والنفسية جراء تراكم هذه الأعباء دفع بعض الرجال إلى مشاركة زوجاتهم في أعباء المنزل، لكن هذه المشاركة ظلت تمنناً منهم لا واجبة عليهم، وبات المجتمع ينظر لهذه المشاركة باعتبارها تسامح من الرجل وكرم منه في بعض الأحيان، وتحكماً وتسلطاً من المرأة على الرجل في أغلبها. وهكذا فإن واقع الحال يشير إلى أن المرأة العاملة مربوطة بعجلة من الاستعباد والسخرة لا تتوقف إلا بمرضها الشديد أو موتها، كما أن تحملها لهذه الأعباء الثقيلة يبعدها عن تحقيق أهدافها الفعلية من العمل على تحقيق الذات، والمساهمة في عجلة الإنتاج لصالحها وأسرتها ومجتمعها، وكذلك يبعدها عن المشاركة في العمل النقابي والمجتمعي والسياسي. وهو ما نبه منه تقرير منظمة العمل الدولية لعام 2008 [3] من أن تحسن أوضاع المرأة في أسواق العمل الدولية لم يساعد في تحقيق تقدم جوهري لتضييق الفجوة بين المرأة والرجل في أماكن العمل"، الأمر الذي يتطلب بحسب تقرير آخر للمنظمة ذاتها[4] إيجاد "سياسات عائلية في مكان العمل لكل من الرجال والنساء على حد سواء بغية المساعدة على تخطي مشاكل العمال ذوي المسؤوليات العائلية من حيث إقامة توازن أفضل بين قضايا العمل والعائلة في عالم يعمل بنظام ساعات أطول وأنماط عمل تجعل المرأة في موقف ضعيف وتؤثر في سيرتها الوظيفية"، ويمكن الإشارة في هذا الجانب إلى أهمية توفير حضانات ورياض أطفال قريبة من أماكن العمل، وتمكين الرجال من أخذ إجازة الأبوة أسوة ببلدان عدة. وعلى رغم أهمية تطوير القوانين، وسن النظم الإجرائية المنظمة لقطاعات العمل المختلفة وتوفير المؤسسات المساندة للأسرة، في التخفيف من أعباء المرأة العاملة، إلا أن تطوير الوعي الاقتصادي والإنساني بأهمية العمل وضرورته للمرأة والرجل على حد سواء، باعتبار أن العمل الاجتماعي هو جوهر الوجود البشري وما يميزهم عن سائر المخلوقات الأخرى هو المدخل الأهم لمناهضة استعباد المرأة الجديد.