خبر : المصالحة الحقيقية ..ناجى شراب

الأحد 01 مايو 2011 03:25 م / بتوقيت القدس +2GMT
المصالحة الحقيقية ..ناجى شراب



لا خلاف على أن التوقيع على ورقة المصالحة المصرية الفلسطينية بالتفاهمات والملاحظات عليها يشكل قوة دفع ذاتيه ومهمي لوضع بداية النهاية لخيار إنقسام سياسي فرض على الفلسطينيين بفعل قوى كثيرة . ولهذه المصالحة دلالات سياسية سأخصص لها مقالة أخرى .    لكنى فى هذه المقالة أريد أن أشير إلى أهمية المصالحة المجتمعية التي تشكل القاعدي لإنجاح هذا الاتفاق الذي يحتاج من الجميع صدق النوايا والإخلاص للقضية والشعب الفلسطيني .  ولدينا هنا نظريتان تفسران لنا ما نقوله : النظرية ألأولى نظرية النخبة السياسية والتي وظيفتها الوصول إلى اتفاق ومصالحة ، والتوقيع عليها .    وهى نظرية هامه لأن من شان هذه النظرية أن تخلق التفاعل السياسي بين النخب السياسية ، والذي بدوره قد يخلق حالة من الثقة السياسية التي كانت مفقودة ، والنظرية الثانية النظرية المجتمعية التي تشكل وتوفر القاعدي المجتمعية لأي اتفاق .    وهنا شعور المواطن بفوائد هذا الاتفاق على مستوى العلاقات المجتمعية ، والسلوكية اليومية .  ولو نظرنا إلى الحالة السابقة على اتفاق المصالحة سنجد غياب كلا النظريتين .   فقبل التوقيع على اتفاق المصالحة لم يكن أحد يتوقع ذلك ، لسببين رئيسيين ، أولها غياب الثقة بين النخب السياسية على مستوى الحركتين ، بل إن العلاقة قد وصلت إلى حد درجة العداء،وعدم القبول لأي منهما ، ووصلت العلاقة إلى حد الإقصاء السياسي ، والسبب الثاني تغلغل الانقسام إلى بينة المجتمع نفسه ، وإلى المكونات المجتمعية ألأولية مثل الأسرة التي انقسم أفرادها ما بين حماس وفتح .    ولذلك فإن هذا التوقيع يعنى إعادة الثقة بين النخب السياسية ، وإعادة اللحمة المجتمعية ، ولكن ليس بهذه السرعة ، لكنها البداية إلى لا بد منها ، وهما الركيزتان لإنجاح المصالحة الفلسطينية.    ويحتاج الفلسطينيون إلى ما هو ابعد وأعمق من المصالحة السياسية ، ومن مجرد التوقيع على اتفاق مكتوب قد تذروه الرياح مع أول مطب سياسي أو خلاف بسيط على منصب أو وزارة ، فالمصالحة السياسية تخضع لحسابات سياسية ضيقه ، وقد تخضع أيضا لحسابات شخصية فردية .    وقد تعود معها الحالة الفلسطينية أسوأ مما كانت عليه من انقسام وصدام وتنازع ، ولن تكون المسألة مجرد خلافات ، ولذلك لا بد ألتأكيد منذ البداية أدراك أن سيناريو الخلاف والفشل في أعقاب المصالحة قد يكون كارثي وأكثر ضررا من عدم توقيع اتفاق المصالحة ، وهذا ما ينبغي التحذير منه ، لذلك وعلى الرغم من أهمية المصالحة السياسية ، ولا أحد ينكر حاجتنا الماسة أليها لكن وحتى تنجح هذه المصالحة فالمطلوب فلسطينيا ومصريا وعربيا الكثير الكثير ، لأن ألأمر لن يتوقف عند حدود اتفاق مكتوب لا تتعدى مساحته بعض سينتيمترات قليله من الورق ومن هنا أهمية التركيز على المصالحة المجتمعية التي توفر الركيزة والدعامة لاستمرار ألاتفاق وترسخه في النسيج الاجتماعي والسياسي للجسد الفلسطيني ، وضرورة خلق القوى المجتمعية الذاتية التي قد تحول دون العودة إلى الخلاف والصدام ، وفى اعتقادي إذا شعر كل طرف أن قوى المجتمع ومؤسساته فاعله وقادرة على التحرك فهذا من شأنه أن يشكل عاملا مهما في الحفاظ على أي اتفاق وضمان استمراره.   والفرق كبير ما بين المصالحة السياسية والمجتمعية ، فالشعب الفلسطيني في حاجة إلى أن ينتصر ويتصالح مع نفسه ، حتى يقتلع كل الشوائب والقيم السلبية التي دخلت حياته بسبب الانقسام ، وهذه مسألة ليست بسهله ، ولا تعالجها اتفاقات مكتوبة بقدر ما تعالجها استعادة القيم الخالصة لهذا الشعب من تسامح ، ونبذ للعنف والكراهية والثأر ، ومن روابط عائلية وأسرية وفردية ، وأبراز دور القيم الدينية السمحاء التي تدعو إلى الوحدة والأخوة ، والتداعي بين أبناء المجتمع كما يتداعى أجزاء الجسد الواحد.   ولا بد أن نؤكد هنا على قوة الشخصية الفلسطينية ، وأن حالة ألانقسام والتشرذم التي نخرت في أجزاء الجسد الفلسطيني وجعلت منه جسدا واهنا ضعيفا غير قادرا على الحراك وحتى مواجهة ألاحتلال كان بفعل عوامل مصطنعه، وليس لها علاقة بمكونات هذه الشخصية التوحيدية ، فالشعب الفلسطيني مقارنة ببقية الشعوب ألأخرى ، لا يعانى من مذهبية ، ولا طائفية ، ولا حتى تحزبية متعصبة  وأن عناصر التوحد فيه أكبر بكثير من عناصر التفتت والتشرذم ، وعلينا أن نعترف أن حالة الانقسام قد خلفت وزرعت ترسبات مجتمعية سلبية ، فهناك من فقد ابنه ن وهناك من أعتقل وعذب ، وهناك من أضطر لترك منزله وبيته ، وسالت دماء وأريقت على ألأرض الفلسطينية ومع ذلك تبقى لدى هذا الشعب القدرة على التسامح والترفع عن كل خلاف ، وحتى التضحية والتنازل من اجل المصلحة العامة والعودة للوحدة ، وخصوصا أن هناك احتلال يبتلع الجميع .   أذن نحن في حاجة إلى المصالحة المجتمعية وهى أساس أي مصالحة حقيقة ، فمصالحة المجتمع هي مصالحة كل الشعب الفلسطيني ، أما المصالحة السياسية فهي مصالحة عدد قليل من السياسيين ، وقوة المصالحة تكمن في اندماج كلا المصالحتين ، بمعنى تحول المصالحة السياسية إلى مصالحة الشعب ،لقد عانى هذا الشعب من مظاهر الانقسام على مستوى ألأسرة والعائلة الواحدة ، وحتى على مستوى المصاهرة الاجتماعية ، والعلاقات ألأسرية ، وعلى مستوى منظومة القيم والسلوكيات والتعامل الفردي ، الذي حولنا جميعا إلى أفراد وليس مواطنين ، وسلب منا الانتماء والولاء ، وجعل الجميع يفكر في الهجرة وترك ألأرض والأهل ، وهذا في حد ذاته جريمة وطنية ترقى إلى مستوى الخيانة العظمى ، لأن تحرير فلسطين يتم ببقاء أبنائها والمحافظة على أرضهم ، بل وبتشجيع من خرج ومن يعيش في الخارج للعودة والبناء ، وعليه فهذه المصالحة هدفها ألأكبر ليس مصالحة سياسية فقط بل مصالحة من أجل أعادة البناء والتعمير والاستثمار ، وإعادة ترشيد لكل عناصر القوة وإذا ما نجحنا في ذلك نكون قادرين على التحدي والاستمرارية ، هي مصالحة من أجل بناء نظام سياسي ديموقراطي حقيقي ، وإعادة بناء بل واسترجاع منظومة القيم الحقيقة لها الشعب ، وهذه مسألة ليست سهلة وتحاج إلى وقت وجهد ، ورؤية ونوايا صادقه.   ولعلي هنا أشير إلى بعض مظاهر المصالحة المجتمعية ، وأبدأها أولا بالمصالحة على مستوى المجلس التشريعي ، ويفترض أن نواب هذا المجلس هم نواب الشعب ، ولذلك السؤال هل هم قادرون على التصالح مع أنفسهم ، في الفترة المتبقية ، وأن يرسخوا ويقدموا نموذجا حقيقيا لهذه المصالحة ؟ وهل يمكن أن نتصور عودة أعضاء المجلس إلى مقارهم وممارسة عملهم النيابي بما يخدم نوابهم وبما يمهد لانتخابات قادمة ؟ وإذا ما نجح المجلس فسيقدم نموذجا وصوره صادقه للمصالحة .   ومن المظاهر ألأخرى أعادة النظر في دور وسائل التنشئة بكل أشكالها التعليم ، والمساجد ، والقنوات الفضائية التي لعبت دورا تسميميا كبيرا ، أن نعيد لهذه ألأدوات دورها بخطاب إعلامي وسياسي تحكمه منظومة قيم واحده.    ومن المظاهر ألأخرى عودة مظاهر المصاهرة الاجتماعية بين ألأسر والعائلات الفلسطينية حتى تقوى الوشائج والروابط الاجتماعية .   ومن المظاهر المهمة عودة الحياة المدنية ودور مؤسسات المجتمع المدني ، وكل هذا من شأنه أن يوسع من مجال الحرية الفردية التي تحكمها حرية المجتمع ، وتشجيع سيادة القانون التي تحمى حياة الفرد ولا ننسى أن المجتمع الفلسطينيى مجتمع يلعب الدين فيه دورا هاما ، ، فهو مجتمع يعرف كيف يحافظ على دينه وقيمه ، وخصوصا انه مجتمع منفتح على كل الثقافات ألأخرى وهذا يعطيه قوة دفع ذاتيه تسمح له بالبقاء والقدرة على التحدي .    وحدود هذه المصالحة لا تنتهي عند الحدود السياسية والمجتمعية والقيمية ، بل أنها سوف تنعكس إيجابا على الوضع الاقتصادي ، وعودة الاستثمار الفلسطيني ، وبدلا من هروب هذا الاستثمار بسبب الانقسام سيعود إلى أرض الوطن لبينى ويعمر ، مما يتيح الفرصة الكبيرة لاستيعاب الشباب الذي يبحث عن عمل وهجرة إلى الخارج   . هذا هو المعنى الحقيقي والواسع للمصالحة الفلسطينية هي مصلحة من أجل البناء والتحرير والاستقلال وإنهاء الاحتلال، فخيار الانقسام لن ولن يحقق أي من هذه ألأهداف المجتمعية والوطنية .