خبر : مصـــــر: السـلـفــيــون قــادمـــون

الخميس 28 أبريل 2011 06:03 م / بتوقيت القدس +2GMT
مصـــــر: السـلـفــيــون قــادمـــون



القاهرة / وكالات / لا يحتاج زائر القاهرة إلى كثير من الوقت حتى يكتشف حدّة الصراع بين التيارين العلماني والإسلامي في مصر. ما اجتمع اثنان أو أكثر من اليساريين أو الليبراليين، إلا واحتل الحديث عن الحركات الإسلامية حيّزاً مهماً في نقاشهم حول مرحلة ما بعد «ثورة 25 يناير». أما الإسلاميون، والسلفيون منهم بشكل خاص، فيتحدثون عن الثورة كما لو أنها هبة إلهية جاءت لتنصرهم على «طواغيت» النظام السابق... ولا بدّ أن تكتمل بقيام «الدولة الإسلامية». غير أن نظرة متأنية للخريطة السياسية في مرحلة ما بعد سقوط حسني مبارك، تظهر أن الجدل الذي يحوم حول القوى الإسلامية، لا يقتصر على الثنائي العلماني - الديني، بل يمتدّ إلى داخل الحركات الإسلامية نفسها، وعلاقاتها مع باقي أطياف المجتمع المصري، بدءاً بمشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف، وصولاً إلى المجموعات الدينية الأخرى كالأقباط والصوفيين والبهائيين وغيرهم. يبدي كثرٌ من «شباب 25 يناير» مخاوف جدّية من أن الحركات الإسلامية تسعى إلى خطف ثورتهم. يعبّرون عن ذلك في مناسبات عديدة، سواء في استحضارهم للموقف المتردد الذي أبداه الإسلاميون في الأيام الأولى من الثورة، أو في حديثهم عن «الثورة المضادة» التي يتهمون فلول النظام السابق بتدبيرها... «بالتعاون مع السلفيين». ويذكّر محمد، وهو شاب ينشط في إحدى اللجان الشعبية في القاهرة، بأن «الإسلاميين، باستثناء مجموعة شبابية من جماعة «الإخوان المسلمين»، لم يلتحقوا بثورة 25 يناير إلا في يوم جمعة الغضب، أي بعد ثلاثة أيام على انطلاق الثورة»، مشيراً إلى أن «قرارهم جاء بعدما تبين لهم أن نظام مبارك أوشك على الانهيار، ولهذا فقد سارعوا إلى قطف ثمار الثورة التي لم يرفع فيها أي شعار ديني، وكان هدفها منذ البداية أن يعيش المصريون في دولة ديموقراطية مدنية حديثة شأنهم كشأن خلق الله في الدول المتقدمة». ويضيف «الأسوأ أن الإسلاميين لم يكتفوا بذلك، بل راحوا يروّجون لمقولة أن الثورة من صنيعتهم، وأنها علامة إلهية بأن ساعة قيام الدولة الإسلامية في مصر قد أتت». من جهته، يبدي القيادي في اتحاد الشباب التقدمي ناصر عبد الحكيم قلقاً إزاء تنامي التيار السلفي، والذي برز «دوره السلبي» في الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية، والذي أطلقت عليه بعض الجماعات السلفية تسمية «غزوة الصناديق «لتقسم الناس بين «الكفار» الذين صوّتوا بـ«لا» على التعديلات، و«المؤمنين» الذين صوّتوا بـ«نعم»، ما يعني استعداد هذه الجماعات لـ«تكفير» المعارضين لتوجهاتها السياسية، وهو ما يدفع، بحسب عبد الحكيم، إلى التشكيك في المراجعات التي قامت بها الحركات السلفية في المرحلة الماضية، والتي نبذت من خلالها العنف، موضحاً أنه «طالما فكرة التكفير ما زالت موجودة فإن فكرة العنف تبقى بدورها احتمالاً قائماً». قد يظن المرء للوهلة الأولى أن ثمة مبالغة في المخاوف التي يبديها شباب الثورة إزاء «الخطر السلفي». لكنّ زيارة واحدة إلى أحد معاقل السلفيين، كمسجد النور في منطقة العباسية، تكفي للتأكد من جدّية تلك المخاوف. يشن خطيب الجمعة هجوماً من العيار الثقيل على التيار العلماني الذي يسعى لـ«فتنة تأكل الأخضر واليابس»، متهماً العلمانيين بمعاداة الإسلام. كما يشدّد على أن لا قانون يجب أن يطبق في مصر غير الشريعة الإسلامية، وإن كان قد أقر بحق بعض الأقليات، كالأقباط، باختيار ما يناسبهم من قوانين. ولعل ما يعزز الانطباع بجدّية مخاوف العلمانيين من التيار السلفي، الذي يكتسب يوماً بعد يوم أرضية جديدة في مختلف مدن مصر وقراها، هو تعليق أحد شباب الثورة حين تروي له ما سمعته من هجمة على التيار العلماني، حين يقول إن «هؤلاء أكثر السلفيين اعتدالاً، فهم يصنفون كوسطيين... إذهب إلى المساجد في الأحياء الشعبية لتعلم أن الوضع أكثر خطورة». وبرغم الأجواء المشحونة بين العلمانيين والإسلاميين، يفضل عدد من اليساريين والليبراليين أن يحيّد المجموعات الشبابية «الإخوانية» – وحتى عدد من المجموعات السلفية - عن باقي القوى الإسلامية. ولعل ذلك يعود إلى أسباب كثيرة، من بينها النضال المشترك الذي خاضوه أمام هجمات «بلطجية مبارك» في ميدان التحرير، خصوصاً في ما عرف بـ«موقعة الجمل»، فضلاً عن تبني «شباب الإخوان» خطاً سياسياً متمايزاً عن «مكتب الإرشاد» الذي تثير خياراته السياسية في مرحلة ما بعد سقوط النظام ريبة كثيرين. ويرى المتحدث الرسمي باسم الحزب الشيوعي المصري صلاح عدلي أن «ثمة غزلاً واضحاً بين الأميركيين والإسلاميين في مصر»، مرجعاً هذا السبب إلى أن الإدارة الأميركية باتت «مستعدة لاستبدال الأنظمة الاستبدادية بأنظمة شبه ديموقراطية قاعدتها الأساسية القوى الإسلامية والليبرالية، التي قد تشكل تحالفاً يضمن للأميركيين الحفاظ على مصالحهم المتعددة في المنطقة، ويضمن أيضاً الاستمرار في تطبيق السياسيات النيولبرالية». ويذكّر عدلي بتصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي قالت إن واشنطن لا تمانع تولي الإسلاميين الحكم في مصر، وبتصريحات أخرى للقيادي في «الإخوان المسلمين» عصام العريان، الذي قال إن الاقتصاد الحر يشكل ركناً جوهرياً في برنامج الجماعة. ويشير عدلي إلى أن ثمة تحوّلات كثيرة بدأت تظهر في توجهات الحركات الإسلامية، ومن بينها تراجع «الإخوان» عن القبول بالدولة المدنية، وتحالفهم مع باقي الحركات الإسلامية، بما في ذلك السلفيون، برغم التباينات الواسعة في الموقف بينهم وبين هذه القوى، فضلاً عن تطور لافت يتمثل في أن السلفيين باتوا مستعدين لدخول الحلبة السياسية، بعدما كانوا يرون أن السياسة والديموقراطية كفر. من جهته، يشير الصحافي عصام عبد العزيز إلى أن الخريطة الإسلامية في مصر اليوم موزعة بين «الإخوان» والتيار السلفي والتيار الجهادي. ويضيف أن ثمة محاولات جدية لإيجاد تحالف بين «الإخوان» والتيارين الإسلاميين الآخرين، لما يمثلانه من «قوة تصويت» مهمة يحتاج إليها «الإخوان» في المرحلة المقبلة، ولهذا تراهم يحاولون التقرب من التنظيمات الإسلامية، من خلال إطلاق مواقف سياسية جديدة، أبرزها تراجعهم عن فكرة الدولة المدنية، لمصلحة فكرة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية. وفي هذا الإطار، يرى عبد العزيز أن الأنظار تتجه حالياً إلى القيادي في تنظيم الجهاد عبود الزمر، الذي خرج مؤخراً من السجن، والذي يعمل على توحيد التيارين السلفي والجهادي في مصر، لافتاً إلى أن التسجيل الأخير للرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري تضمن رسالة صريحة للزمر لكي يوحّد صفوف التيارات الجهادية، بكل جماعاتها، وباقي جماعات التيار السلفي. ويشير عبد العزيز إلى أن ثمة عوامل عديدة تجعل من عبود الزمر العنصر الوحيد الذي يمكن أن يقود عملية توحيد التيارات الإسلامية، وأهمها الكاريزما التي يتمتع بها، والاحترام الذي يحظى به في أوساط الإسلاميين، خاصة بعدما رفض، هو وطارق الزمر، التوقيع على المراجعات الفكرية التي قامت بها الجماعات الإسلامية - باعتبار أنه لم يخطئ في اتخاذ قرار اغتيال الرئيس أنور السادات، وإن كان قد أقرّ بخطأ التوقيت – وهو أمر أبقاه في السجن عشر سنوات إضافية، وأكسبه في الوقت ذاته، تعاطفاً في أوساط مؤيديه ومعارضيه على حد سواء. يتفق عدلي وعبد العزيز على أن «الإخوان المسلمين» سيكونون المستفيدين الأوائل من تصاعد التيار السلفي في المرحلة الأخيرة، ولذا فإنهما يتوقعان أن يكون السلفيون «جمهوراً» داعماً لـ«الإخوان» خلال المرحلة المقبلة، في مقابل بعض المكتسبات، كالسماح لهم بالعمل الدعوي تحت مظلة دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية يكون لـ«الإخوان» دور بارز فيها. ويرى عدلي أن ثمة فئات أخرى قد تدخل في هذا التحالف، كـ«الطفيليين» من بقايا الحزب الوطني، الذين ما زالوا ينشطون، وليست لديهم الآن أي مشكلة في التحالف مع «الإخوان»، فضلاً عن التيار القومي الذي تجعله مصالحه الطبقية أقرب إلى الإسلاميين منه إلى قوى اليسار. في المقابل، يرى أمين الشؤون السياسية في حزب «التجمع» اليساري نبيل زكي أن «ثمة مبالغة في تقدير الحجم السياسي الحقيقي للتيار الديني في مصر». ويستشهد زكي بصديق لقيادات «الإخوان» توقع أنه «لو حدثت انتخابات حرّة في مصر، فإن الإخوان لن يحصلوا على أكثر من سبعة في المئة من الإخوان». ويعتبر زكي أن «سبب بروز الإخوان في المرحلة السابقة أمران: الأول، هو أن النظام السابق كان يزايد على التطرف الديني، إذ تصوّر بسذاجة أنه يستطيع أن يسحب السجادة من تحت أقدام الإخوان عندما يقدّم نفسه للرأي العام على أنه أكثر تديناً وتطرفاً في الدين فيما كانت النتيجة تقوية التيار الديني. أما الثاني، فهو الاضطهاد، ذلك أن الأساليب الأمنية تكسبك تعاطف الناس، حتى وإن كنت على خطأ، فتصبح ذلك البطل المقاوم الذي يتصدى لهؤلاء الطواغيت». ويشير زكي إلى أن «توازن القوى داخل المجتمع سيكون عنصراً حاسماً في تحديد قوة الإخوان... فلو افترضنا أن احزاب المعارضة الرئيسية (التجمع، الوفد، الناصري، الجبهة)، والحركات الاحتجاجية (الجمعية الوطنية للتغيير، كفاية، 6 ابريل)، واتحادات شباب الثورة، شكلت جبهة وطنية عريضة ببرنامج موحّد فإن الخريطة السياسية ستشهد تحولاً لافتاً، وإذا ما أضفنا إلى ذلك توجه الأقباط للخروج من حالة القوقعة التي وضعوا نفسهم فيها، واحتمال السماح للمصريين في الخارج بالتصويت، فإن تأثير التيار الديني سيكون ضئيلاً». ولهذا السبب، يدعو زكي إلى تشكيل إطار جبهوي لتحقيق التغيير الذي نادت به الثورة، محذراً من أن «التشرذم الذي يسود بين أحزاب المعارضة حالياً لن يخدم سوى التيار الديني أو أي اتجاهات سلطوية قائمة في المجتمع». علاوة على ذلك، يحذر زكي من محاولات للالتفاف على قانون الأحزاب، بما يؤدي إلى تعزيز نفوذ التيار الإسلامي، لا سيما في ما يتعلق بالتفسيرات التي قدمها البعض لحظر قيام الأحزاب على أساس ديني، ومن بين هؤلاء مقرر لجنة التعديلات الدستورية حاتم بجاتو، الذي أشار إلى أن القانون لا يمنع قيام «أحزاب ذات مرجعية دينية». ويعتبر زكي أن تفسيرات كهذه شجعت «الإخوان» على طلب تأسيس حزب سيكون واجهة لعملهم السياسي، وسيحظى بدعم السلفيين، على أن يحتفظوا بالجماعة كإطار ديني لتحركهم. ويرى زكي أن الخطر الأكبر في المرحلة المقبلة يكمن في السلفيين الذين «كانوا أداة في يد جهاز مباحث أمن الدولة، الذي استخدمتهم في قمع باقي الأحزاب، ويعدّون أكثر فئات التيار الديني تخلفاً وغياباً عن متطلبات العصر»، محذراً من أنه «إذا كانت هناك من ثورة مضادة فستكون بالتعاون بين هؤلاء وفلول جهاز أمن الدولة». ويرى زكي أن «الموقف الذي أخذه مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للقوات المسلحة من موضوع الإسلاميين غير واضح أو غير حاسم، والدليل أن السلفيين في قنا قطعوا اذن مواطن، فجاءت تداعيات معالجة هذه الجريمة بجريمة أكبر، وهي حل الإشكال من خلال مجالس الصلح (بحضور رجال دين مسلمين ومسيحيين ونائب الحاكم العسكري)، وهو أمر تكرر في حادثة هدم كنيسة أطفيح، ما يعني التخلي عن حق المجتمع في محاسبة المجرمين، والسماح لهؤلاء بالتمادي وارتكاب مزيد من الجرائم». وبرغم هذه المخاوف، ثمة حقيقة لا يمكن القفز فوقها، وهي أن المجتمع المصري، وهو من بين أكثر المجتمعات تديناً، يغلب عليه طابع التسامح والاعتدال الديني، وهو ما يتبدّى في سلوكيات الغالبية الساحقة من المصريين، خصوصاً سكان المدن، إذا ما استثنينا بروز نزعة تطرف في الأرياف والمناطق النائية. وعلاوة على ذلك، فإن التشكيلات الدينية الأخرى تتخذ منحى معتدلاً، وهي ليست على وئام تام مع حركات الإسلام السياسي المتشددة. وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن الأزهر، الذي وصف شيخه الدكتور أحمد الطيب «السلفيين الجدد» بأنَّهم «خوارج العصر»، محذراً من وجود مخططٍ لاختطاف الفكر والمنهج الأزهري الوسطي المعتدل الذي حافظ الأزهر عليه لأكثر من ألف عام. وينطبق هذا التوجه المعتدل على الطرق الصوفية، التي يزيد عددها عن 74، والتي شهدت في المرحلة الأخيرة بداية تحولات فقهية، لا سيما في ما يتعلق بموقفها المبدئي من النظام، حيث شدد العديد من أئمتها مؤخراً على أن مبدأ «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولياء الأمر منكم» لا يعني ولي الأمر في الخطأ. وبرزت الطرق الصوفية على الساحة السياسية بعد الثورة في محطتين أساسيتين، الأولى تمثلت في تصديهم لدعوات أطلقتها حركات سلفية لهدم الأضرحة، وهو ما قوبل باستنفار في أوساط الصوفيين وتعاطف من قبل غالبية المصريين. والثاني، في استعدادهم لإطلاق حزب سياسي قد يفرض نفسه طرفاً قوياً في المعادلة السياسية، في ظل التقديرات التي تشير إلى أن الصوفيين قد يؤثرون على كتلة ناخبة تتراوح بين ستة وعشرة ملايين ناخب. لا يختلف اثنان على أن صراعاً ثقافياً وإعلامياً قد بدأ يولد في مصر، بعيداً عن القضايا السياسية الآنية والهموم المعيشية اليومية، وهو ما يستعد له الجميع، علمانيون يساريون أو ليبراليون، إسلاميون متشددون أو علمانيون، لتحديد شكل مجتمع مصري جديد.   عن السفير