صمت وعملية شحن استاتيكي تجري يومياً للمواطن الفلسطيني، في ظلِّ غياب الدينامكية السياسية الفلسطينية، وتحول الوضع إلى سياسة عض الأصابع بين كل الأطراف في المعادلة: حماس وفتح... حماس وإسرائيل... فتح وإسرائيل... حماس والشارع... فتح والشارع... إسرائيل والمقاومة... الفلسطينيين والعالم... الفلسطينيين والعرب... صمت مخيف يخفي خلفه انفجارات مرعبة قادمة... كل مواطن ليس له مصلحة في دوام هذه الحالة يفكر الآن في الانفجار، ولكن في وجه من... لا يعرف. يكتم غيظه... يتذمّر... يشتم الجميع حتى نفسه.. ثم يعود ليشحن وهكذا دواليك، فمن يا ترى سيدفع الثمن؟ حماس أم فتح أم إسرائيل أم المواطن الفلسطيني.. وللإجابة على ذلك علينا أن نسأل التاريخ: ماذا لو كنت مكاني؟؟! سيقول ببساطة: عندما ضاقت بي الأمور بعد حرب 82، وهزيمة م. ت. ف في لبنان، وهزيمة العرب بشكلٍ عام... بدأ شحن استاتيكي مماثل آنذاك، وبدأنا نشتم العرب وقيادات المنظمة ثم جلدنا أنفسنا حتى النخاع وأخذنا نكظم الغيظ قم فجأة انفجرنا في وجه إسرائيل أكثر من سبع سنوات في الانتفاضة الأولى... حتى وصل بنا الأمر لإعلان وثيقة الاستقلال 88 والتي أوصلت القيادة الفلسطينية الواهمة إلى اتفاقية أوسلو... وبدأنا بعد ذلك بتحويل طاقتنا الاستاتيكية إلى طاقة ديناميّة... وصدقنا أنفسنا وبدأنا نبني هنا وهناك في اتجاه السراب حتى وصلنا إلى 7-5-1999م... وهو تاريخ انتهاء المرحلة الانتقالية لأوسلو، وإذا بنا نجلس في مكاننا وضاعت كل أحلامنا بل أحلامهم لبناء الدولة العتيدة... وعاد الشحن الاستاتيكي مرة أخرى... نشتم السلطة ونشتم العرب ونشتم أمريكا ونشتم أنفسنا مما دفع بالراحل ياسر عرفات للدفع في تحويل الطاقة الاستاتيكية التي كانت ستنفجر في وجهه إلى طاقة دينامية انفجرت في وجه إسرائيل وكانت الانتفاضة المسلحة الثانية حتى استشهد ياسر عرفات وبدأت شعارات جديدة تقول لا للانتفاضة المسلحة ونعم للمفاوضات ثم المفاوضات ولا شيء غير المفاوضات... والنتيجة لم نحصل على شيء وكل وعودا بوش الابن ذهبت أدراج الرياح وهنا حصل الخطأ التاريخي الذي استدركه الراحل أبو عمار سابقاً ولم يدركه سلفه أبو مازن وأصر على الاستمرار في دفع استحقاقات المفاوضات بدون أي مقابل يذكر... فعاد الشحن الاستاتيكي مرة أخرى وبدأت الشتائم والثرثرات في الشارع الفلسطيني ولكن القيادة الفلسطينية لم تدرك حجم الضغط الذي يتعرض له الجمهور بسبب الاستمرار في سياسة المراهنة على حسن نوايا إسرائيل والولايات المتحدة حتى جاءت الانتخابات وقال المواطن كلمته... لا للمفاوضات نعم للإصلاح... نعم للمقاومة. . وفازت حماس ووصلت إلى السلطة دون أن تستلم أي سلطة... وفرغ الناس شحناتهم الاستاتيكية على شكل أوراق انتخابية كأحد أشكال الطاقة الديناميكيّة المفرغة.. وكانت رسالة واضحة لإسرائيل وأمريكا أننا لن نسكت إلى الأبد.. فإن الانفجار قادم لا محالة، ولكن في وجه من لا أحد كان يعرف... وعندما ترك الجواب لحزب وليس للجماهير التي كانت ستنتفض مرة ثالثة في وجه إسرائيل، وقع الحزب في المحظور ووجه الغضب في اتجاه الداخل بدلاً من إسرائيل ظنا منهم أنها الطريق الأقصر للمواجهة مع العدو الحقيقي... ورغم كل الملابسات والمعطيات التي دفعت الأمور في اتجاه الحسم العسكري أو ما يسمى بالانقلاب إلا أنها كانت خطأ وخطيئة وغابت فيها الحكمة والاحتكام إلى العقل.. وظن الحزب أنه يستطيع أن يقاتل العدو وحده فغرق في مشاكل الداخل... واستفردت إسرائيل بغزة ودمّرت ما دمرت وقتلت آلاف الأبرياء في حرب غير متكافئة وفي أجواء فلسطينية مقيتة... وانتهت الحرب وبقيت حماس في غزة وفتح في الضفة... ووضع الجمهور علامات استفهام كبيرة على المقاومة في غزة بالشكل والأسلوب الذي تمارس فيه وعلامات كبيرة على المفاوضات التي أخذت طابع الاستسلام والرضوخ للإملاءات الإسرائيلية... وبدأ التنسيق الأمني ليكون القضية الأكثر بروزاً في تلك المفاوضات أيضا في اتجاه الوهم والرهان على حسن النوايا الإسرائيلية والأمريكية والغربية... وفي ظل كل هذه الظروف كان المواطن الفلسطيني هو الضحية الأولى والذي عاد بدوره للشحن الاستاتيكي والشتائم على حماس وفتح وإسرائيل وأمريكا والعرب وانعدمت خياراته في ظل بقاء حالة الانقسام وأصبح الانفجار في وجه حماس مستحيلاً لأنها ضحية الحصار، وعدم الخبرة، والتآمر... والانفجار في وجه فتح لم يعد قائماً في الضفة الغربية لأسباب كثيرة لأنها كانت ضحية مراهنات فاشلة على حصان خاسر... ناهيك عن أن الرئيس نفسه أصبح مستهدفا من الإسرائيليين بسبب الإحراج المستمر الذي يضع الإسرائيليين فيه بإصراره على المفاوضات ولكن للأسف دون جدوى... ونعود لنسأل التاريخ لو كنت مكاننا ماذا تفعل؟ والجواب مما تقدم واضح... أننا على أعتاب انتفاضة ثالثة تختلف عن كل سابقاتها.. لأن الجواب هذه المرة سيكون من الجماهير وليس من الأحزاب... وفي ظل المتغيرات التي تجري في المنطقة ستكون تفاعلات هذه الانتفاضة قوية جداً.. ولن يكون الحل إلا مؤتمراً دولياًَ كامل الصلاحيات يطبق قرارات الشرعية الدولية ولا يتفاوض عليها... وإن غداً لناظره قريب.. Swairjo2007@hotmail.com