خبر : قضاؤنا النزيه ... د. خالد الخالدي

الإثنين 25 أبريل 2011 05:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
قضاؤنا النزيه ... د. خالد الخالدي



تابعتُ باهتمامٍ كبير، تفاصيل قضية رفعها مظلومٌ إلى محكمة العدل العليا بغزة، ضد مؤسسة تتمتع بسمعة طيبة، وعلاقة حميمة بالحكومة ومسئوليها، ولاحظت استهجان كثير من الناس من تجرؤ ذلك المظلوم على رفع مظلمته إلى القضاء، إذ هدده بعض مسئولي تلك المؤسسة بالوقف عن العمل إن لم يسحب القضية من المحكمة، ونصحه آخرون بقبول الظلم والسكوت حتى لا يعرِّض نفسه للانتقام، وقال له أحدهم ساخراً:" يبدو أنك تظن أننا نعيش في زمن عمر بن الخطاب، أيُعقل أن يُنصفك القضاء، ويدين مؤسسة وثيقة الصلة بالحكومة؟! إنك واهم، وستكتشف أنك قد ارتكبت خطأ فادحاً عندما يُعلِن القضاء حكمه، إذ ستُدان، ولا تحقق إلا مزيداً من الخسران.   أصرّ المظلوم على عدم سحب القضية، يقيناً منه بعدالتها، وثقة بنزاهة قضائنا الفلسطيني الذي يشرف عليه أقوياء أمناء، وتقف خلفه حكومة مؤمنة، تحضه على إقامة العدل، وإحقاق الحق. وصدق ظنّ المظلوم، فبعد سنة من التحقيق والتمحيص والاستماع إلى الشهود، والنظر بمهنية عالية في البينات، أنصفه القضاء، وقضى برفع الظلم عنه.   ولا عجب أن يقيم قضاتنا في غزة العدل، لأنهم مؤمنون، يستجيبون لله تعالى الذي أمرهم بالعدل فقال: { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}، وقال:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.   ولأنهم مطيعون لنبيهم الكريم الذي حضهم على العدل، وخوفهم من الظلم، فقال:( القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة، فقاضٍ قضى بغير الحق وهو يعلم، فذلك في النار، وقاضٍ قضى وهو لا يعلم، فأهلك حقوق الناس، فذلك في النار، وقاض قضى بالحق، فذلك في الجنة)، وقال:( المقسطون على منابر من نور، هم الذين يعدلون في حكمهم، وأهلهم، وما ولوا).   ولأن قضاتنا يدركون أن عملهم جهاد في سبيل الله، إذ يقول الإمام مسروق: "لأن أقضي بالحق يوماً أحب إليّ من أن أغزو سنة في سبيل الله".   ولأن قضاتنا حلقة في سلسلة رائعة لأمة ذات تاريخ ناصع في مجال القضاء العادل، يسيرون على درب القاضي شريك الذي تقاضى عنده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ويهودي، على درع ادعى كل منهما ملكيتها، فقضى لليهودي، لأن الدرع كانت في يده، ولا يملك الخليفة شاهدين يشهدان بأنها له، إلا خادمه وابنه، وشهادة الولد لأبيه لا تقبل، وقد قبل عليّ بحكم القاضي، وقال لليهودي: خذها والله ما لي غيرها، فهز هذا العدل مشاعر اليهودي، وقال: قاضي أمير المؤمنين يحكم لخصمه اليهودي، وأمير المؤمنين يرضى!! إنه لدين حق، يستحق الإتباع، وأعلن إسلامه.   ولأنهم يعلمون أن الناس أمام القضاء سواء، فقد حرص نور الدين محمود بن زنكي على تحقيق العدل من خلال إقامة نظام قضائي عادل نزيه، لإدراكه أن ذلك من أهم أسباب صناعة مجتمع قوي قادر على تحرير القدس من الصليبيين، ولم يتحرج أحد المسلمين من رفع قضية على نور الدين، فاستدعى القاضي نورَ الدين إلى مجلسه، فجاء، وعندما دخل على القاضي تلا قول الله تعالى:{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وقال: السمع والطاعة لقاضي المسلمين، إنما جئت امتثالاً لأمر الشرع، واستوى مع خصمه أمام القاضي على مقعدين متشابهين، وعندما حكم القاضي لنور الدين، تنازل عن حقه لخصمه.   ولأن قضاتنا يدركون أن الأمن والسلم لا يتحقق للحكام والمحكومين إلا بالعدل، فقد جاء الهرمزان لزيارة عمر بن الخطاب، فوجده في المسجد مستلقياً متوسداً كوماً من الحصى ودرته بين يديه، فقال: عدلت فأمنت فنمت يا عمر.   ولأنهم يدركون أن العدل يؤدي إلى البناء والعمران والتحضر، فقد كتب عامل حمص إلى عمر بن عبد العزيز: إن مدينة حمص قد تهدمت، واحتاجت إلى الإصلاح، فكتب إليه عمر: حصنها بالعدل، ونقِّ طرقها من الجور، فإنه مرمَّتُها، والسلام.  فهنيئاً لغزة بقضائها النزيه ولتزهو به وتتيه.