خبر : العروبة ليست رداء ...د. ناجى صادق شراب

الإثنين 25 أبريل 2011 05:34 م / بتوقيت القدس +2GMT
العروبة ليست رداء ...د. ناجى صادق شراب



                              لقد أعادت الثورات العربية التي تشهدها عدد من العواصم العربية على أن العروبة ليست مجرد خيار ، بل هى حقيقة تتعلق بالتاريخ والأرض والهوية ، والإنتماء والولاء الذي لم يكن مجرد دروس في الوطنية ، وليست مجرد شعار ، أو رداء يمكن أن نرتديه ونخلعه وقتما نشاء ، او يخلع متى أرادت الدول والقوى الإقليمية والدولية التي لم تلتقى مصالحها في أى مرحلة تاريخية مع مصالح هذه الشعوب العربية التي تحاول ألأن  إسترداد دورها وهويتها وشخصيتها المتجذرة في أرض هذه المنطقة التي حاول الحكام وحفاظا على حكمهم أن يطمسوها ، وأن يتقوقعوا داخل هويات قطرية ضيقة ، أثبتت هذه الثورات عدم فعاليتها وقدرتها على البقاء . ولعل اول ما يبعث على التفاؤل في إستعادة دور العروبة كخيار بقاء وتكامل ونهضة شاملة أمران أساسيان : ألأول هذا الخطاب السياسى والقيمى والمضمون الجوهرى للغة وثقافة الثورة وهو التأكيد على الدور العروبى ، وقد لمست مفردات هذا الخطاب في الثورة المصرية بشكل واضح وصريح ، وجاء التاكيد على لسان أكثر من مسؤول ومثال ذلك في تصريحات رئيس الوزراء المصرى ووزير الخارجية في التاكيد على العلاقة العضوية بين ما يحدث في مصر والتأكيد على دور مصر العربى ،  وقد تجسد ذلك في الموقف من نوايا إسرائيل في شن حرب على غزة ، وفى الموقف من التهديدات التي تواجه دول الخليج العربى ، و يتحقق فى سياسة الإنفتاح على محيطها العربى ، وهذا منهاج منطقى وعقلانى ، فإستعادة دور مصر المركزى والمحورى في قلب النظام الإقليمى العربى وعلى المستوى الدولى لا يكون إلا من خلال التأكيد على هذه الحلقة العربية المفقودة ، وإستعادة الدور الذي لعبته مصر منذ بدايات الخمسينات مع ثورة 23 يوليو ، وهذا الإرتباط لا يتحقق إلا من خلال سياسات التكامل الإقتصادى العربى المشترك ، ودعم الإقتصاد المصرى في هذه المرحلة الإنتقالية المصيرية . فنجاح مصر في إستعادة دورها العربى مصلحة عربية ، وأحد أهم مكونات قوة ألأمن القومى العربى . وسيجعل كل القوى ألإقليمية والدولية تفكر كثيرا قبل التغلغل والتدخل في الشؤون العربية ،فلا يحد من قوة قوه إقليمية مجاوره إلا قوة قوه في قلب النظام العربى  . وألأمر الثانى الذي يؤكد صحة الخيار العروبى الحتمى فشل الخيارات الأخرى ، وخصوصا خيارات الدولة القطرية التي قد ثبت فشلها مع سقوط أنظمة الحكم السلطوية التي تلاقت مصالحها مع إستمرار هذه القطرية ، وأيضا فشل الخيارات الأحادية ألأخرىكالخيارات اليسارية والليبرالية بصورتها الغربية المطلقة ، وحتى الخيار الإسلامى بعيدا عن الخيار العربى ، وما أقصده هنا إن هذه الخيارات في حاجة إلى تكاملها من خلال  الخيارالعروبى ، لأن ألعروبة هى ألأساس المادى والجوهرى لهذه المنطقة ، ولا يمكن لأى خيار أن ينجح دون البناء على الخيار العربى .ولقد تأكدت قوة هذا الخيار في الدور الأكثر إيجابية للجامعة العربية من الثورة في ليبيا ، والدور الذي الذي تلعبه عدد من الدول العربية مثل دولة الإمارات وقطر لدعم الشعب الليبى في مواجهة نظام القذافى ، فهنا الدافع البعد العربى ، وعدم ترك القضية الليبية للتدخل الدولى أيا كانت دوافعه. ولم تتوقف هذه التداعيات على الدول العربية التي تشهد ثورات تحول كبيرة ، بل تمتد وتنتشر الظاهرة العروبية في كل الدول العربية ألأخرى ، ويتمثل ذلك في الإستجابة الكبيرة للشعوب العربية وطموحاتها القومية . وفى هذا السياق تكمن قوة الخيار العروبى المتأصل في الشخصية العربية في كل مكان . ولو قامت هذه الثورات العربية قبل ذلك ما رأينا محاولات التقسيم التي يتعرض لها الجسد العربى . والحديث عن إستعادة الخيار العروبى القومى لا يعنى العودة من جديد لصورة القومية العربية التقليدية ، وإلى لغة الشعارات التي لم تعد لها وجود ، بل يقصد بها القدرة عل التكيف والإستجابة للتحديات التي تفرضها هذه الثورات ، والقدرة على مواجهة التحديات لا تكون إلا من خلال ترجمة عناصر القوة العربية في إطار من المشاريع الإقتصادية والإجتماعية الثقافية المشتركة التي يلمس منافعها المواطن العربى نفسه ، وليس الحاكم فقط . والتأكيد على أن التحديات التي تواجه الدول العربية فرادى لا يمكن أن تواجه إلا من خلال الخيار العربى الواحد ، ومن خلال التأكيد على أن ألأخطار التي تواجه هذه الدول العربية فرادى هى نفس التحديات التي تواجه كل الدول العربية في مجموعها . وهنا أكثر من تساؤل مشروع كيف يمكن للدول العربية التي تعانى من تحدى السكان ، والهوية كيف يمكن لها أن تواجه هذا التحدى الذي بدأ يستغول في العديد من الدول العربية ويريد شطب هويتها العربية ، ؟ وهنا السؤال أين مشاريع التكامل السكانى ، وما هو الضرر في التوطين والتجنيس العربى الذي في الواقع سيضيف إلى قوة هذه الدول ولا يضعفها . وفى مواجهة تحدى السلام والحرب والعلاقة مع إسرائيل ، فبدون القوة العربية ، وإستعادة الدور العربى ستكون المنطقة العربية كلها مستباحة ليس فقط لإسرائيل بل لكل القوى ألأخرى المتربصة بها وبقدراتها ومواردها الإقتصادية . ولعلى أقصد بالخيار العروبى هو إستعادة إمتلاك عناصر القوة ، وتكامل الأدوار العربية بعيدا عن سيسات المحاور والإستقطاب مع الدول الأخرى التي قد تتعارض مصالحها مع مصالح ألشعوب العربية . ومن شان ذلك تحقيق التوازن في العلاقات العربية مع كل القوى ألأخرى على قاعدة موازين القوى الجديده . والحديث عن الخيار العربى لا يعنى البعد عن الخيار الإسلامى والخيار الديموقراطى الذي يمكن أن تتكامل هذه الخيارات مع هذا لخيار الأساس . وأخيرا فإن الحديث عن هذا الخيار العروبى هو حديث عن الحاضر والمستقبل العربى المشترك بكل تحدياته التي لن تتمكن أى دولة عربية من مواجهتها بمفردها . ولتسأل كل دولة عربية نفسها هل تستطيع إن تحافظ على بقائها بالخيارات ألأخرى البديلة ؟ وهل بمقدورها مواجهة قوى التغلغل والإستغوال التى تتربص بها ؟   أستاذ العلوم السياسية غزهdrnagish@gmail.com