خبر : تعاطف الشعوب مع ثوراتها ...د. ناجى صادق شراب

الأربعاء 20 أبريل 2011 05:31 م / بتوقيت القدس +2GMT
تعاطف الشعوب مع ثوراتها ...د. ناجى صادق شراب



 الشعوب لا تنفصل عن الثورات التي تلبى وتعبر عن شعوبها ، والثورات الناجحة هي التي تحتضنها شعوبها , وكما قال الفيلسوف الألمانى كانط إن تعاطف الشعوب مع ثوراتها هو بمثابة الغذاء لهذه الثورات ، فهذا التعاطف يمدها بالدفء والحنان ، والدعم والتأييد، ويمنحها القوة  ،وقوة الدفع الذاتية التي تزود الثورة بالحراك الذاتى التلقائى المستمر. وهذا القول ينطبق بشكل واضح على الثورة في مصر ، وفى تونس ، وقد يكون في الثورة المصرية دليل وبرهان نجاحها حتى ألأن. والسؤال هنا ماذا تعنى الثورة بدون شعبها ؟الثورة بدون تعاطف الشعب كالرأس بدون جسد ،يمكن إن يهوى ويسقط دون أن يجد من يتلقفه ، ويعيد له الروح والقدرة على الحركة والتفكير. والثورة بدون الشعب لا تكون ثورة ، قد تكون مجرد إنقلاب ، او مجرد غوغاء ، أو شكل من أشكال الإحتجاج أو العصيان سرعان ما تتبخر آثاره تزول . ولذلك الحكام لا يخشون مثل هذه الصور الإحتجاجية ، بقدر ما يخشون ثورة الشعوب التي لا تقف في طريقها أي آلة قمع وإكراه يملكها الحاكم . فالشعوب هي من تعطى الحكام الحكم ، والسلطة ، وهم من يستطيعون سحبها منهم متى أرادوا ذلك. والسؤال الثانى الذي نطرحه لماذا تقف الشعوب مع الثورة ، ولا تقف مع الحاكم ؟ والإجابة ببساطة لأن الحاكم قد حاد عن العقد الذي يربطه بالشعب ، الشعب لا يريد إن يحكم ، ولكنه يريد حاكما عادلا منصفا ، صاغيا لمطالب شعبه قريب منهم ،ومن معاناتهم ،معهم وليس مع القلة المنتفعة من حكمه ، وهذا هو الخطأ الجسيم الذي يقع فيه الحكام ، أنهم يحولون الحكم والسلطة إلى مفهموم للثراء والإغتناء ، وبدلا من أن ينتفع الشعب كله من هذا الحق العام فى الثروة ، يسمح فقط لفئة مرتزقة فاسده فقط في الإنتفاع منه . وهو بهذا يحرم الشعب من أهم حق من حقوقه ، وهو حقه في هذا المال الذي هو في الأصل ملك للشعب . ولا يعنى ذلك أن يقوم الحاكم بتوزيعه على الناس ، وإنما يتم ذلك من خلال خلق فرص العمل للعاطلين والباحثين عن الرزق ، وفى العديد من المشاريع التنموية بكل مستوياتها ، وفى بناء المساكن ، وشق الطرق ، وتجسير الفجوة بين القرية والمدينة ، وفى محاربة الفقر والبطالة ، عندها يشعر المواطن العادى انه يتقاسم ويشارك مع غيره في هذه الثروة ، بدلا من يعيش في اكواخ وعشش من الصفيح . وهذا السبب الرئيس لماذا يقف الشعب مع الثورة ، ولا يقف مع الحاكم . وحتى في حالات الإنقلابات التي يقوم بها الجيش لأسباب الفساد المستشرى في البلاد ، وبسبب إهانة آدمية الإنسان ، نجد قادة هذه الإنقلابات يتجهون إلى الشعب ليمنحهم الحق في الحكم ، أو ما نسميه بالشرعية الشعبية ، وذلك من خلال الوعد والعمل على محاربة الفساد ، وتحقيق العدالة الإجتماعية ، والتوزيع العادل للثروة القومية ، وبعقد جديد يعقد بينهم وبين الشعب ، وهو الذي يفسر لنا كيف تحولت العديد من الإنقلابات إلى ثورة شعب ، كما حث في ثورة يوليو 1952 في مصر ، والتي ما كان يمكن إن تنجح لو العطف والدفء والتأييد الذي منحه لها الشعب . الشعب في حاجة للثورة ، والثورة في حاجة للشعب ، هذه هي المعادلة البسيطة في نجاح كل الثورات العالمية ، والتي إذا ما تحققت في الثورات العربية سيكتب لها النصر ، والتحول إلى ثورات من نوع آخر ، ثورة الديموقراطية ، وثورة البناء والنهضة ، فالثورة ليست مجرد تغيير في شخص الحاكم ، بقدر ما هي بناء وإستنهاض لكل عناصر القوة الكامنة في الشعب ، والتي أهدرها الحاكم بإستبداده ،وبعده عن شعبه. ولو نظرنا عن قرب للثورة في مصر ، سنجد أن سر قوتها في هذا الإحتشاد الشعبى الكبير الذي إحتضن تحركا شبابيا لم يكن أحد يتوقع له أن يتحول إلى ثورة شعبية لم يحدث لها مثيل من قبل لا في تاريخ مصر ، ولا في تاريخ المنطقة ، والسؤال لماذا سارع الشعب بكل شرائحه ، وبكل مسلميه ومسيحيه للتسارع والتعبير عن موقفهم المؤيد لها ؟ لقد كانت قوة الشباب ونجاح خطوتهم ألأولى أنهم لم يطلبوا شيئا لهم ، بل عبروا عن نبض الإنسان المصرى العادى ، ورفعوا شعارات إنتظر الشعب طويلا ليرددها ، وسالت دماء هؤلاء الشباب وأختلطت دون تمييز بين دم مسلم أو مسيحى ، أو فقير أو غنى ، ففى النهاية الدم الذي سال هو دم مصرى واحد . هنا يكمن السبب الحقيقى وراء هذا التعاطف الشعبى مع ثورته ،وهو ما لم يدركه الحكام طوال فترة حكمهم ، أن الأساس في أي حكم رشيد وصالح يكمن في كلمة واحده  إحترام آدمية ألإنسان ، والتي لو حاول الحكام إن يحافظوا عليها لرفعهم الشعب فوق راسه ، ووقف إلى جانب الحاكم ضد أي خطف أو حتى إغتصاب لسلطة من قبل حفنة قليلة . لكن في نموذج الثورة فالشعب يقف مع الثورة وليس مع الحاكم ، لأن ألأخير فقد الصلاحية والقدرة على الحكم ، وأن الهدف من أى ثورة هو إستعادة آدمية ألإنسان ، وإستعادة الحق الطبيعى للشعب في الحكم والسلطة ، وليقرر من جديد لمن يعطى تعاطفه وتأييده . هذا هو الدرس الحقيقى من وراء تعاطف الشعوب مع ثوراتها.  أستاذ العلوم السياسية/ غزهdrnagish@gmail.com