دردشة رقم (57) هذه دردشات سيكون بعضها قديم وبعضها جديد ، وبعضها عليه تعليق ما / وآن أوان نشرها. مقدمة لم أكتب يوماً بيتاً من الشعر ... ولم يكن يعوز لي ذلك ..، واليوم أجد نفسي تواقاً لصياغة قصيدة يتيمة ــــ فهذه المناسبة لا يليق بها إلا قصيدة على غرار قصائد المعلقات تُـطوق عنق أمير الشهداء ..، وبالتالي فأية كتابة لا تصل الى ما يستحق منا القائد في ذكرى رحيله. (1) أيها الحب الكبير ... يا أميرنا ... أين أنت ؟ . أيها الحب الكبير هل حقاً رحلت عن دنيانا .. ووجدت عنوانا آخراً وتم إستقرارك هناك !؟. نعي جميعاً أنك لا تستطيع الإبتعاد أو الفكاك من فلسطين القضية / الأرض والشعب والثورة ، نعم لا تستطيع ولا يمكنك النأي حياً أو شهيداً / عن ديمومة العطاء المنقطع النظير ..، فلا زلت بإصرارك الإنساني وعنادك الثوري تحفر في صخر قُـطرْنا الفلسطيني .. أعظم لوحات رفض الواقع .. ترسم لوحة النضال الأمثل .. التكامل في الأداء النضالي بكل أبعاده ، ترسم البندقية الغير مسيسة وهي تقطع الطريق الثوري .. وترسم الكلمة الغير أمينة وهي تَـخلِـق الثورة المضادة .. ترسم الممارسة السلبية وهي تُـجهد نفسها في حرف مسار الثورة عن أهدافها . (2) أميرنا .. يا أمير الشهداء .. كنت خير من يرسم معالم الفعل الثوري كما ينبغي ..، لقد داعبت دماءك المتفجرة من أوردتك وشرايينك... أحاسيس إنسانية المواطن والمناضل والثائر العالمي .. أنىّ تواجد جغرافيا في هذا العالم الفسيح والضيق في آن معاً . الجميع يرقب ريشة القدر وهي تتذوق طعم الدماء المنفلتة من عقال جسدك .. وتغرق أكثر وأكثر في أعماق شلال الدماء المتدفق من أجساد وأرواح الشهداء المقاتلين ضد الاستبداد التركي والاحتلال البريطاني والغزو الأجنبي الصهيوني .. لترسم لوحة الأبدية النضالية الوطنية الثورية العربية على ثرى القُـطْـر الفلسطيني ،. (3) اللوحة تزداد إكتمالا ، ترسم بالدماء الخالدة .. خلود الأبدية .. ترسم بالدماء / دماء أمير الشهداء ، دماء (72) رصاصة صهيونية إخترقت أنحاء جسدك ، فخلقت لوحة ثورية خالدة . ظن الغزاة الأجانب الصهاينة ، أنهم بفعلهم المقيت هذا .. إنما يشوهون تاريخ عطاء "محمد خليل الوزير" .. أبو الفكرة – فكرة الثورة الفلسطينية المعاصرة ، فشلوا في هدفهم .. لأن الجسد الممزق بثقوب الرصاصات الهمجية .. قد رسم لوحة الخلود الثوري الإنساني / المعلقة في سماء ـــــ سماء أرباع الدنيا الأربعة .. وبوابتها فلسطين . (4) أيها الحب الكبير .. هل رحلت ؟. حقاً هل رحلت ؟. التعاليم الثورية لا زالت مخطوطة بخط يدك لا زالت ولا زالت بين ظهرانينا . ثلاثة وعشرون عاما .. ترقبنا من عليائك السماوي .. ننتظرك أن تعود لنا يوماً – ما . ولو يوماً واحداً .. لتُـدلي برأيك فينا . فيما نحن بصدده !. لماذا هذا الرفض ؟ ــــــ . لماذا عدم قبول دعوتنا للعودة إلينا ؟ جاء الهاتف ـــ يهتف ويتساءَل ..، ويقول بحدة . هل غادركم .. حتى يعود اليكم ؟. (5) أيها القائد الحبيب كنت طفلاً إبن الثانية عشر ، وطبعا أين أنت من كواليس السياسة حينئذٍ .. إنه الثمن الذي دفعته من كيانك ووجودك .. ودفعت حياتك ثمناً له ..، إليك ما قاله المؤرخون الغُـزاة الصهاينة الجدد .. إليك ما إتفقوا عليه . [ لم يكن الأردن راغب في محاربة ــ كيان الغزاة الأجانب ــ ] ، ولكن دافيد بن غوريون (رئيس وزرائهم) الذي أبلغ أعضاء وزارته ذلك .. قال لهم :ـ "ولكننا لم نكن لنقبل عرضه مع بقائه محتفظاً باللد والرملة". ولم يبق أي تواجد للفيلق العربي الأردني في منطقة اللد والرملة صباح 9 / تموز ــ حيث إنسحب قبل بدء المعركة ،. بدأ هجوم الغزاة الأجانب الصهاينة [ لتنفيذ "عملية داني" بهدف الإستيلاء على اللد والرملة يوم 9 / تموز – ومن بعدها اللطرون ورام الله من أجل تأمين الحماية لكامل الطريق بين "تل أبيب" و القدس] . ولم يتوقف الهجوم بالرغم من [بدأ سريان مفعول الهدنة الثانية التي فرضتها الامم المتحدة يوم 10/ تموز]. (6) وصلت الكتيبة المعينة لإحتلال مدينة اللد وسط المدينة عصر يوم 11 / تموز ، وفي يوم 12/ تموز [ سلّـم وجهاء الرملة دون قتال ] . [ودخلت ظهر ذلك اليوم عربتان أو ثلاث عربات تابعة للفيلق – العربي الاردني – خطأ وسط المعمعة في اللد وهي تحاول البحث عن قائد كتيبة ضل طريقه . ووقع إشتباك مع الكتيبة "الإسرائيلية " المحتلة ، وأدى الإشتباك الى إنفجار نيران القنص من قبل رجال المليشيات – ( الثوار) – حيث رد " الإسرائيليون" بمجزرة أودت بحياة 450 شخصاً من أهل البلدة ومن المليشيا غير النظامية التي كانت نصف محاصرة هناك . بعد ذلك أمرت "قيادة الجيش الإسرائيلي " وبتفويض من بن غوريون بطرد سكان البلدتين واللاجئين المقيمين فيهما وتم تنفيذ الأمر عصر ذلك اليوم ويوم 13/تموز]. (7) وهكذا مارَس الغزاة الأجانب التطهير العرقي (الترانسفير) جهاراً نهاراً وعلى رؤوس الأشهاد .. دون أن يهتز لهم رمش . مارسوا الطرد العرقي الجماعي وهي جريمة ضد الإنسانية. رحلت مع أسرتك .. وصرة الأكل تحملها الوالدة ــــــ أمرها الغازي الأجنبي الصغير الرتبة .. أن تدع الصرة وأن تضعها مع تل الصرر .. قذفت بالصرة على كوم الصرر ..، إنقض الطفل "خليل" وإنتزع الصرة وبسرعة البرق إعتلى درجات الحافلة (الباص) .. متفادياً رصاصات (صغير الرتبة) .. التي أصابت طفلاً أخراً . إنتقل الجميع إلى المجهول .. وصلت فلول القوافل إلى ضفتي نهر الأردن . غادرت الأسرة عبر النقب إلى عاصمة الجنوب الفلسطيني ــ غزة . (8) توالت الأحداث وحفرت في أعماق "الصبي ــ خليل" ذات اللوحة الحياتية التي غادَرَتْـنا معه ، ورحلت معه إلى مثواه ما بعد بعد بعد الأخير . وخلقت في روحه الوعي المبكر للقضية الوطنية / أرض وشعب وثورة ، وكيفية معالجة حقوقنا الشرعية في ترابنا الوطني ـــــ ، . وأبدع عبر تفاعلات التجربة الذاتية الرد على السؤال الذي طرحه جيل النكبة ـــ كيف نعود ؟ كيف يكون التحرير ؟ . كانت إجابته .. إننا أهل فلسطين الأصليين ، وما هؤلاء الصهاينة إلا غزاة أجانب ..، هذه هي معادلة الصراع الدائر على أرض فلسطين .. بلا زيادة ولا نقصان . ما دام الأمر على "تختة الرمل" هكذا ، فلا بد من دور مركزي ورئيسي وأساسي ليكون الشعب الفلسطيني هو رأس الحربة المقاتلة للأمة العربية ، التي تشكل جسم الحربة في المرحلة الراهنة والمستقبلية . (9) تواصل مع أقرانه ــ وأوجدوا إطاراً نضالياً بعد عزوفهم عن الإلتحاق بإدعاءات "جماعة الإخوان المسلمين" .. عندما أبلغهم المسئول الأول في قطاع غزة ، إن أولوية الجهاد ليس ضد يهود بل ضد الطاغية جمال عبد الناصر ، وذلك في نهاية عام 1953 . دَعى خليل الوزير لترك هذه المجموعة الإخوانجية وإلتفت وأقرانه نحو فلسطين ..، وكانت إرهاصات الثورة الفلسطينية المعاصرة ، في عمليات عسكرية مباشرة . إنطلقت من شرق وشمال قطاع غزة نحو الأرض المحتلة عام 1948 ، ووصلت إلى حدود قرية يازور . هكذا كانت الإجابة العملية الميدانية من خليل الوزير وأقرانه من أبناء جيله . (10) إستمرت رحلة العطاء تمتطي متن الزمن ديمومة بلا توقف .. منذ الإرهاصات والبدايات الأولى. لم تكن أول الرصاص فحسب .. بل وكنت أول الفكرة . ولم تكن أول الحجارة فحسب .. بل وكنت أول التحرير . ولم تكن أصدق الكلام فحسب .. بل صدق الكلام . إن كل فنان إنسان .. وإن كل ثائر فنان ، فأنت نِـعْـم الفنان الثائر الإنسان ..، من هنا ملكت عبقرية القيادة . عند كل عدم نجاح .. تهز كتفك ــ كعادتك ــ وتنطق بالجوهرة ، بسيطة يا أخ .. المرة القادمة .. الأمور أفضل . وتعود ثانية تحفر الصخر بأظافرك ، ويتسع النفق الموصل لفلسطين ، وفجأة يبرز نور النفق ونرقب أنوار القدس ، وهناك [سيأتي يوم يرفع فيه شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق كنائس القدس ومآذن القدس وأسوار القدس] . وستكون "العاصفة" قد مرّت من هناك. (11) بالرغم من كل هذا .. وأرواح شهداء الأرض المحتلة ممن لحقوا بك ترفرف من حواليك ، والمحبة ــ يا صاحب ظاهرة المحبة الثورية ــ تزف بك من كل حدب وصوب .. والإبتسامة تعلو محياك والجدية تكتنف أعماقك .. والإنطلاقة في خط مستقيم .. وصولاً للهدف ..، يا قائدنا ــ نعم أنت قائدنا حياً وشهيداً ، لأن الشهداء أحياء ــ ضع هذا جانباً .. وأستميحك عذراً وأسأل أمير الشهداء ..،. هل كنت تعلم .. ما يدور في علوم الغيب فآثرت أن ترحل ، على أن تحيا هذه المرحلة ، مرحلة التصور الواهم / إقتداراً على إنجاز كل شيء ..، ولو كان صاحب الأمر يعزف على آلة موسيقية ذات وتر واحد ، ومقطوع ! ، وأن هذا الإنجاز سيتم بأسرع زمن ممكن ، وهي ذاتها مرحلة القصور في الحفاظ (حتى) على الموروث ، أو على الذات . (12) هل كنت تعلم أيها القائد الحبيب أن البعض منا سيصل به الحلم ـ أو الكابوس ، أن الإنجاز في الصراع المفتوح رحاه على كل الإحتمالات في كل مرحلة من مراحله .. أن الإنجاز (ربما) يتم بعد أن نثلم سيوفنا ونحطم أقواسنا ورماحها ــ وأن الغزاة الأجانب سيسلمون لنا بحقوقنا ويقدمونها على طبق من فضة بعد أن ترقص سالومي بأمر هيروديا رقصة الموت للسجين يوحنا المعمدان . ما بقي الغزاة الأجانب .. سنبقى ندفع الدماء والدموع والمعاناة .. سنبقى نذرف دموع الثكالى والأيتام وكذا دموع الرجال الرجال .. والثوار ، آه ما أصعب وأقسى لحظة إنهمار دموع الثوار .. إنها تجرح أشد الخدود تحملاً وقساوة . وستستمر رحلة العطاء .. تروّي وتروّي عدالة قضيتنا بالدماء حتى إنتزاع النصر ـــــ . (13) سنبقى نقدم الآلام على مذبح الحرية .. ولن نتراجع قيد أُنملة ، يئن الكاهن في معبده من شدة وعمق آلام المرحلة . يرفض الإعتراف الجانبي . يضج القربان ، ويصيح لا هكذا تكون التقدمة ، يرتج الهيكل .. ماذا جرى ؟ ما الذي يدور وراء الكواليس ؟ هل هي رسالة قضاء وقدر ؟ أم هي خطة تنفيذ المخطط الذي رُسم ؟ رُسم من وراء الظهر . نعم .. ما الذي يجري ؟ هل كل هذا من أجل ذاك ؟ والقدر إستاء وسأل .. هل كنا نحرث وندرس لبطرس ؟ ويجيب القدر مزلزلاً ، نعم .. نعم .. نعم ..، . (14) ويرتفع شاهد قبر ..، يحمله شهيد بين يديه ، كلاهما مضرجاً بدماء الشهداء ، والدماء مترعة بدموع / بدموع الثكالى . سجين سابق أو / لاحق (لست أدري) يسند جثمان الشهيد المنتصب القامة ، القادم من لحده أو رقمه ، يعلو صوت الشهيد بحروف واضحة المخارج والمعاني .. بكل لغات أمم الأرض .. يقترب الشهيد أكثر إنه أمير الشهداء / أبو جهاد .. ينطق بصوت جهوري ويقرر : إن الإنسان في الميدان يختار النهاية التي تليق به.