رفح / نادر القصير / "عشت سنين طويلة أحلم باليوم الذي أعود به إلى غزة التي آثرت أن تربطني بها خطيبتي سمر وهي ابنة عمي ، عشت زمنا احلم بيوم العودة والتقى بعائلتي التي لم أعرفها إلا عبر الهاتف ولكن لم أتوقع أنني كما خرج أبي منها منذ ما يزيد عن ثلاثون عاما مهاجرا سأعود لها لاجئا من غربة رسمت ملامحها الهجرة في العام 67 عندما خرج والدي نعيم دوحان إلى العراق ومن ثم إلى ليبيا ليستقر بها حيث ولدت هناك ". بتلك الكلمات بدأ أحمد دوحان 24 عاما حديثه للحياة الجديدة التي شهدت لقاء عائلة دوحان التي فرقتها الهجرة وجمع شملها اللجوء الجديد على بوابة معبر رفح والتي عادت لتوها من ليبيا إلى مقر اللجوء الدائم في قطاع غزة، ويقول أحمد عندما كتب الفراق أول سطوره بهجرة أبي لليبيا عن عائلته التي تأخذ من مدينة رفح مسكنا لها ، ولم يلتقي بأخيه يوسف منذ ذلك اليوم وكلاهما الآن في ذمة الله حيث لم يكتب القدر لقاؤهما في غزة مرة أخرى ، اليوم نلتقي كأولاد العم من جديد ، بعد رحلة من عذاب الغربة دامت عشرات السنين ، تملأ الآلام فيها الصفحات ، وكأن التاريخ يكتب في بلادنا مرتين ، في زمن أصبحت الآذان فيه زوائد لحمية والقلوب تكرارا مقيتا ، والضمير آخر المتكلمين في قلب مظلوم لا يحكم. وبحرقة ممزوجة بفرحة وألم اللقاء الجبري رسمت على شفتا احمد ابتسامة ملؤها الأمل بغد أفضل ، قد يستطيع أن يمحو سنوات الغربة والشقاء في وطن يفارقه أهله بحزن ويعودوا له محملين بأحزان عله يجد فيه حضنا يأويه خير من بلاد خسر فيها كل ما جمعه في سنين الغربة مع عائلته هاربين تاركين ورائهم أملاكهم وعقاراتهم وكل ما يملكون ، ويضيف احمد لقد مكثنا طويلا على معبر السلوم الفاصل بين الأراضي الليبية والمصرية ولم يكن مسموحا بالدخول إلى الأراضي المصرية باستثناء من يحملون أرقما وطنية ونحن لسنا منهم ويأس معظم العائلة وعادوا من جديد إلى اجدابيا المدينة الليبية التي شهدوا فيها أقسى أيام عمرهم حيث القتل والدمار والتشريد في الأحداث الأخيرة ، مشيرا إلى أنه لم ييأس ولم يتخلى عن حلمه بالعودة إلى وطنه ، وبقي على بوابة السلوم إلى أن قررت السلطات المصرية صباح أمس بدخول كل من يتواجد على البوابة والسماح لهم بالتوجه إلى غزة بما فيهم من يحمل وثيقة سفر مصرية أو ليس له رقم وطني أو لا يملك أوراقا كافية ، مشيرا إلى الفرحة الغامرة التي اجتاحت قلبه حين أبلغ بقرار السماح بالدخول إلى غزة ، موضحا في الوقت ذاته إلى أنه حزين أيضا على بقية عائلته التي لم تتمكن من العودة إلى غزة حتى الآن بعدما يئست من الانتظار على معبر السلوم وعادت أدراجها إلى اجدابيا المدينة الليبية ، مشيرا إلى أن هذا القرار إذا ما استمر خلال الأيام القادمة سيمنح الفرصة لبقية عائلته بالعودة إلى غزة والنجاة من شبح الدمار والقتل الذي يطارد كل من يقطن المدن الليبية في ظل الأحداث الدامية التي تدور رحاها هناك. ويضيف احمد :" أن الأوضاع في ليبيا الآن خطيرة جدا ولا تحتمل ، عشنا بها غرباء وخرجنا منها كما غيرنا من المغتربين يا مولاي كما خلقتني ، تركنا كل شيء خلفنا ولم نستطيع أن نحصل على جزء منها بفعل الحرب الداخلية والوضع الأمني الصعب للغاية هناك" ، مشيرا إلى أن كل الفلسطينيين الذين لا يملكون أرقاما وطنية شعروا كأنهم داخل قفص لا يمكن الخروج منه فليس لديهم وثائق تؤهلهم لمغادرة الأراضي الليبية ، وتسرب اليأس إلى قلوب العديد منهم في النجاة من الأحداث الدائرة هناك ولكن القرار المصري بإدخال أبناء شعبنا إلى غزة هو خطوة فيها شهامة عربية وأصالة يقدرها الجميع. وأخيرا التقى الخطيبان أبناء العم أحمد وسمر دوحان على بوابة معبر رفح حيث قالت سمر و عيناها تذرف الدموع :" كان من المقرر أن يعقد الزواج في ليبيا حيث لم يكن هناك إمكانية لعودة خطيبي وابن عمي احمد إلى غزة ، ولكن الأقدار شاءت أن يتم فرحتنا بعودته وأن يتم الزواج في وطننا وبين أهلنا". وكما عائلة دوحان اصطف العديد من أهالي العائدين إلى غزة من الأراضي الليبية على بوابة معبر رفح للقاء أقاربهم وعددهم مائة وثلاثون شخصا لكل واحد منهم حكايته وآلامه الخاصة التي إذا لم تنطق بها ألسنتهم فملامحهم وحدها تكفي لسرد حكايات غربة مؤلمة بدأت بالهجرة وانتهت باللجوء إلى موطنهم .