من كل صوب يتصاعد التباكي على الموت القريب للديمقراطية الاسرائيلية. بل ان البعض بات يجلس منذ الان في بيت حداد حقيقي. آخرون، وهيا نعترف بالحقيقة، يشمتون. "قانون النكبة"، و "قانون لجان القبول" هما دليل نهائي وقاطع في نظرهم على ان الصهيونية انزلقت الى العنصرية، او ربما كانت هكذا دوما، ولكنها نجحت فقط، حتى الان، في اخفاء امانيها الكامنة. الان، يقولون لنا، خرج الامر الى النور. الان اسرائيل تحظر على العرب الحداد على النكبة، وتعطي شرعية قانونية لاستبعاد العرب عن البلدات اليهودية. أبرتهايد على رؤوس الاشهاد، في وضح النهار، تحت رعاية المشرع. لم يسبق أن كانت الفجوة بين العلاقات العامة للقوانين والواقع سخيفة بهذا القدر. "فقانون النكبة" لا يذكر النكبة، ولكنه يحظر تذكرها. بشكل عام، القانون لا يحظر. القانون يسمح لوزير المالية – يسمح، ولا يجبر – بتخفيض دعم الدولة للهيئات العامة ضد قيمها على نحو صريح. مثلا، في الهيئات التي تروج للعنصرية، الارهاب او ضد طابع دولة اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. وكذا – وهنا تأتي النكبة – عن هيئة تحيي "يوم الاستقلال او يوم اقامة الدولة كيوم حداد". يدور الحديث إذن عن قانون يعد العنصرية كعذر لتخفيض الدعم العام، ويعد الى جانبها ايضا محاولة جعل يوم الاستقلال يوم حداد. لا أعتقد أنه كانت حاجة لهذا البند حول يوم الاستقلال – اساسه استفزاز – ولكن هذا لا يعني انه يمس بالديمقراطية. من الجدير بالذكر ان التمويل العام ليس حقا دستوريا. ما يفعله القانون بصخب كبير، تفعله كل الديمقراطيات كأمر مسلم به: فهي لا تمول من الصندوق العام منظمات تسعى الى التنكر لحقها في تقرير المصير. مسموح الحداد على اقامة الدولة عندنا، بل عمل ذلك حتى في يوم الاستقلال على رؤوس الاشهاد، وفقط على الا تكون الدولة ملزمة بان تمول هذا. اسرائيل ليست فقط ديمقراطية في هذا السياق بل هي متهاونة حتى حدود انعدام التفكر. الدولة تمنح تمويلا لتعليم اسلامي يتبنى تصفية الصهيونية، ومدارس اصولية تتنكر لها. ليس فقط تسمح. تمول. في موضوع "قانون لجان القبول، الذي يقال عنه انه شرعية قانونية لاستبعاد العرب عن البلدات اليهودية (والاصوليين عن البلدات العلمانية)، الفجوة بين ما يقال والقانون الحقيقي حتى أكبر من ذلك. فليس فقط لا يعطي القانون مثل هذه الشرعية بل انه يجعل محظورة الممارسة التي كانت دارجة في اماكن عديدة. فهو ليس فقط لا يسمح بالتمييز بل يقرر صراحة: "لجنة القبول لا ترفض قبول مرشح لاعتبارات العرق، الدين، القومية، الجنس، الاحتياجات الخاصة، المكانة الشخصية، العمر، الابوة، الميل الجنسي، البلد الاصلي، الرأي او الانتماء الحزبي – السياسي. هذا لا يضمن، بالطبع، ان تستغل بنود اخرى في القانون على نحو سيء، ولكن الحظر الصريح للتفرقة سيعطي المحاكم اداة واضحة ضد وضع كهذا. الاعلانات الصاخبة عن ان القوانين الجديدة تجعل اسرائيل بلا ديمقراطية كانت سخيفة وليس أكثر، لولا الضرر الذي هي نفسها تلحقه. لاعلانات الاسرائيليين بان اسرائيل هي أبرتهايد يوجد وزن هائل في حملة نزع الشرعية العالمية ضد حق اليهود في تقرير المصير. فنحن ليس فقط نقول ان الصهيونية هي عنصرية، كما يقول خصوم اسرائيل، بل ها هم الاسرائيليون انفسهم يقولون ان هذا هو الوضع. واذا كانوا عندنا يعلنون خلافا للحقائق بان اسرائيل تسن قانونيا يحظر على الفلسطينيين أن تكون لهم روايتهم الوطنية، او انه محظور على العرب السكن في بلدات يهودية، فان هذا الخيال المحلي يصبح حقيقة دولية.