بعد سنتين من اتهامه اسرائيل بـ "الاشتباه بارتكاب جرائم حرب" في حملة رصاص مصبوب والحاقه بها لضرر، لعله لا مرد له، في العالم – فهم ريتشارد غولدستون بانه ارتكب خطأ. ولعله أكثر من ذلك، فقد فهم بانه ألحق ظلما ووفر قدرا كبيرا من الذخيرة لمعارضيها. منذ زمن بعيد وتقلق غولدستون مسألة ان لم يكن قد سار خطوة واحدة أبعد مما ينبغي في التقرير احادي الجانب الذي نشره على "جرائم حرب الجيش الاسرائيلي في غزة". ومن تحدث معه في الاشهر الاخيرة سمع منه بان الموضوع لا يزال يشغل باله وأنه مع انه أنهى التحقيق فانه لا يزال يبحث في الموضوع ويجمع التفاصيل. اضافة الى ذلك غضب غولدستون من اساءة استخدام اقواله، ولا سيما في داخل أجهزة الامم المتحدة، من أجل مناكفة اسرائيل. وفي الاشهر الاخيرة ظهرت تقارير تقول انه يفكر حتى بالاعراب عن هذا الندم. وقد تلقى العديد من التوجهات لاجراء مقابلات صحفية معه ولكنه رفضها جميعها. اللوبي اليهوديفي نهاية المطاف قرر نشر مقال بقلمه في واحدة من الصحيفتين الاهم في الولايات المتحدة، "واشنطن بوست" تحت عنوان "مراجعة لتقرير غولدستون عن اسرائيل وجرائم الحرب". واعترف في المقال بانه مثلما ادعت اسرائيل المرة تلو الاخرى، فقد اصاب الجيش الاسرائيلي المدنيين على سبيل الخطأ فيما أن حماس هي التي تصيب المدنيين الابرياء عن عمد. كما أنه انتقد الهيئة التي عينته، مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة. وهو "يدعوهم الى شجب نار الصواريخ والمذبحة الفظيعة في ايتمار". إذن ما الذي دفع غولدستون الى اجراء التفافة حدوة حصان حادة بهذا القدر؟ من الصعب الاشارة الى حدث واحد أدى الى التغيير في موقف القاضي المتقاعد. وبقدر ما هو معروف، فقد توصل غولدستون الى هذا الاستنتاج بمفرده، ولم تمارس عليه ضغوط من جانب الامين العام للامم المتحدة أو من الادارة الامريكية. ولكن على المستوى الشخصي مرت عليه سنتان قاسيتان جدا. فعندما عين لرئاسة لجنة التحقيق، خشيت أوساط المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة من أن تكون الامم المتحدة قررت اختيار يهودي عن عمد. وقال جرالد ستاينبرغ، أحد رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة: "كان هذا شهادة تأمين بالنسبة لهم كي لا تُتهم اللجنة باللاسامية". غولدستون في تلك الايام صد هذه الادعاءات وادعى بان "لا صلة كانت بديني. وافقت على أخذ هذه المهامة بالذات بسبب اسرائيل. فكرت باني سأستطيع المساهمة، وان بقليل، كي أدفع السلام من أجل اسرائيل الى الامام". سخافة غولدستون غير أن التقرير فعل من ناحية غولدستون العكس تماما: فقد حظي بالشجب من الحائط الى الحائط. ومورست عليه ضغوطات كبيرة من جانب الجاليات اليهودية في كل ارجاء العالم. وحظي بمعاملة انسان منبوذ، ابتداء من جنوب افريقيا التي جاء منها وانتهاء بالولايات المتحدة. وحتى في كنيسه في جنوب افريقيا لم يرغبوا بالسماح له بالصعود الى التوارة في حفل بلوغ حفيده. الن درشفتس، محاضر في جامعة هارفرد الفاخرة واحد اليهود البارزين والمؤثرين في العالم، اتهم غولدستون بـ "نثر الاكاذيب"، وأجرى كل المقابلات الممكنة كي يتحدث ضد غولدستون وتقريره. وقال درشفتس انه "نشأت هنا سخافة. فبعد التقرير لم يعد بوسع ايهود باراك، وزير الدفاع الاسرائيلي أن يسافر الى لندن – اما خالد مشعل، الارهابي الكبير، فيمكنه أن يتحرك بحرية". الحقائق تتحدث ولكن هذا الضغط ايضا لا يمكنه أن يشرح المقال الذي نشره غولدستون وأصبح "لوحة التطهير الاخلاقي" لتقرير غولدستون – الذي وقع هو نفسه عليه. فالحقائق التي انكشفت رويدا رويدا ساعدت هي ايضا في ذلك: مسؤول كبير في حماس اعترف بان عدد المسلحين الذين قتلوا في رصاص مصبوب مماثل للعدد الذي ذكرته اسرائيل، ومسؤولون في حماس اعترفوا بانهم استخدموا السكان كدروع بشرية. اضافة الى ذلك نشرت أيضا تقارير صحفية وفتاوى صحفية اختلفت مع استنتاجات غولدستون. مصدر آخر أثر أغلب الظن على غولدستون كان عمل فريق الخبراء من الامم المتحدة الذي فحص تحقيقات اسرائيل والفلسطينيين بالنسبة للخروقات المذكورة في تقرير غولدستون. على رأس الفريق توجد القاضية الامريكية المتقاعدة ميري مغوين ديفز، الى جانب قاضي سويدي. هذا الفريق، هكذا على الاقل حسب محافل في اسرائيل – يقوم بعمل جدي جدا وغير متحيز. مؤخرا حقق هذا الفريق في مؤتمر فيديو مع سكان من سديروت وغلاف غزة رووا عن واقع الصواريخ في الجنوب وعن معاناة السكان. مجرد رغبة لجنة ديفز سماع شهادات لاسرائيليين يعتبر في اسرائيل كمحاولة من الامم المتحدة، وربما من غولدستون نفسه، لاحداث توازن في تقرير غولدستون واصلاح بعض من الاضرار التي الحقها.