خبر : ساعة قصة/بقلم: عميت كوهين/معاريف 28/3/2011

الإثنين 28 مارس 2011 11:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ساعة قصة/بقلم: عميت كوهين/معاريف 28/3/2011



 التقرير في قناة التلفزيون السوري الرسمية وعد بدراما. الرجل الاصلع الذي يرتدي سترة جلدية، ويجلس امام الكاميرة، لم يذكر اسمه. وبدأ فقط بطرح تفاصيل "الاعتراف" الذي يثبت زعما التدخل الخارجي في الاحداث الدموية في سوريا. في القصة التي ابرزت في كل وسائل الاعلام في سوريا، المؤطرة والمدعومة من السلطة، كانت كل التفاصيل اللازمة. الولايات المتحدة، المال وبالطبع اسرائيل. في الاعتراف المصور روى المعتقل، محمد رضوان، بان لديه جنسية مصرية وامريكية. واضاف بانه في الايام الاخيرة، بعد أن بدأت الاضطرابات في الدولة، تلقى رسالة الكترونية من محافل في الخارج طلبوا منه ان يرسل لهم مقاطع فيديو وصور عما يجري في سوريا. وقال الشاب: "اختاروني لان لدي هاتف نقال مع كاميرة. قالوا لي اني يمكن ان أكسب من هذا الموضوع". وقد تم التوجه من خلال رجل اتصال كولمبي اقترح دفع 100 جنيه مصري للصورة.  في هذه المرحلة تلقت الحبكة انعطافة اضافية، وذلك من اجل تشديد الدراما والمؤامرة. وروى رضوان بانه زار مؤخرا اسرائيل، في ما وصفته السلطات في سوريا كـ "زيارة سرية". الوصف مع ذلك يبدو مغايرا تماما. فقد قال المعتقل: "دخلت اسرائيل عبر الاردن، وصلت الى القدس وبعدها عدت الى سوريا". وحسب اقواله فانه سافر للقاء صديق في الضفة الغربية. وبعد ذلك سكن لفترة ما في شرقي القدس وكان يدخل ويخرج بين الحين والاخر من والى الشطر الغربي من القدس. كما روى رضوان بانه عندما كان في اسرائيل حقق معه على مدى أربع ساعات حول مكوثه في سوريا. وروى يقول: "دخلت الى اسرائيل بجواز سفري الامريكي. وسألني الاسرائيليون هل اريد أن يختموه لي فقلت اني افضل ان لا وذلك كي اتمكن من العودة الى سوريا". أمس، لشدة المفاجأة، تبين أن القصة السورية ضخمت تماما. اقرباء رضوان رووا بانه مهندس مصري ذو جنسية أمريكية يسكن في دمشق. كل نظرية المؤامرة التي عرضت على المواطنين السوريين استندت الى مكالمة هاتفية بين رضوان وبين صحفي كولمبي. وقال اقرباؤه: "انه لم يزر اسرائيل ابدا ولم يتلقَ المال كي يصور أي شيء".  سعر الليرة مستقر قصة رضوان تجسد كيف تعمل آلة الدعاية السورية هذه الايام التي تسودها الاضطرابات في الدولة والثورات في العالم العربي. خلافا لوسائل الاعلام في ليبيا، والتي تجاهلت تماما الاحداث التي وقعت في دولتها، بلغت وسائل الاعلام السورية عما يجري منذ اللحظة الاولى، ولكنها طرحت تفسيرها للامور. في نهاية الاسبوع الماضي، مثلا، عندما اندلعت الاضطرابات في ارجاء سوريا بعد صلاة يوم الجمعة، اختاروا في التلفزيون السوري ان يعرضوا بالذات مظاهرات التأييد للرئيس بشار الاسد. وبالتوازي تحدثت وسائل الاعلام عن الاستقرار الاقتصادي في الدولة، رغم فقدان السيطرة. "يوجد استقرار في سعر الليرة"، على حد قول البيان الرسمي من دمشق. "البنك المركزي قادر على أن يغطي كل سحوبات العملة".  الاسد لم يتطرق بعد علنا للاضطرابات في بلاده. وخلافا لمبارك والقذافي، اللذين تحدثا الى شعبيهما والى العالم، كل واحد بطريقته، اختار الرئيس السوري حتى الان الحفاظ على الصمت. وفي مكانه قادت الخط الاعلامي السوري بثينة شعبان، مستشارة الاعلام الشخصية للرئيس. "ما نراه ليست مظاهرات هادئة تطالب باصلاحات في سوريا"، قالت شعبان. "يوجد هنا موضوع مختلف تماما، لا علاقة له بالمطالب الشرعية المطروحة. الان، بعد أن اتضح جزء من الصورة، نحن يمكننا أن نقول إن هناك محاولة لاشعال الحرب بين الطوائف في سوريا". شعبان، ابنة 58، مجربة جدا في الاعلام. شهادة الدكتوراة التي نالتها، باللغة الانجليزية، حققتها في بريطانيا في العام 1982، ومنذ ذلك الحين وهي تعنى بالحديث بلسان النظام السوري. في الماضي، عملت كمترجمة للاسد الاب، ومع صعود بشار الى الحكم انضمت الى قيادة النظام الى أن اصبحت المستشارة الاعلامية الشخصية للرئيس. هي أيضا، مثل باقي قيادة حزب البعث، تعتقد بان محاولة النظام التحذير من اندلاع حرب بين السنة والعلويين في سوريا كفيلة بان توقف الاضطرابات. ولكن الاساليب التي يتخذها النظام السوري في نشاطاته الاعلامية اكثر ذكاءا. في محاولة لتقليص حدة الانتقاد المتصاعد على كمية المصابين والقتلى في جانب المتظاهرين ضد النظام في الاضطرابات، بدأت وسائل الاعلام في سوريا تبلغ ايضا عن المصابين في اوساط مؤيدي الحكم. فقد أفادت وكالة الانباء السورية "سنا" بان عشرة من رجال الامن قتلوا في مدينة اللاذقية في المواجهات مع "عصابات مسلحة". صور ومقاطع فيديو للمصابين في اوساط مؤيدي النظام بثت المرة تلو الاخرى لتكرار الرسالة التي تقول ان الحديث لا يدور عن تفريق مظاهرات هادئة، بل عن معارك شوارع حقيقية. هذه التقارير نالت الهزء من جانب معارضي النظام. "منذ متى يوجد في سوريا مواطنون يحملون السلام؟"، كتب في احدى صفحات الفيس بوك لرجال المعارضة.  هذه التقارير تدل اكثر من أي شيء آخر على الضائقة التي يعيشها نظام الاسد. فقد اضطر الحكم الى التبليغ عن مصابيه كي يري بان صراعه، المزعوم، شرعي. ومع ذلك، فمثل هذه التقارير هي سهم مرتد وذلك لان النظام الدكتاتوري يظهر الان في ضعفه. وها هم، حسب التقارير الرسمية، الناس في اللاذقية يتجرأون على حمل السلاح ضد الحكم كلي القدرة. تقارير من هذا النوع كفيلة بان تثير أكثر فأكثر حماسة المعارضين، وتدفعهم الى المرحلة التالية من الكفاح، مثلما كان في ليبيا. شكرا لـ "الجهات الاجنبية" زاوية مركزية اخرى تستخدمها منظومة الدعاية الرسمية السورية هي أن الحديث لا يدور عن مواجهة بين الشعب وبين النظام بل عن محاولة جهات أجنبية احداث حرب أهلية وانقلاب في دمشق. في موقع للانترنت، يتماثل مع مؤيدي الرئيس الاسد، نشر أمس بان قوات الامن في اللاذقية اعتقلت 18 شخصا يحملون جنسيات عربية اجنبية، اشعلوا اعمال الاخلال بالنظام وحرضوا السكان على التظاهر. "يدور الحديث عن مواطنين، اردنيين، مصريين، لبنانيين، سعوديين، يمنيين وفلسطينيين"، كما افادت محافل لم تذكر اسمها. "والى جانبهم عمل مواطنون سوريون يعملون في لبنان. وقد وصلوا الى المنطقة كي يثيروا اعمال الاخلال بالنظام". حتى الان، لم تدعي السلطات في سوريا من هي تلك القوى الخارجية التي يزعم انها تتآمر على النظام. واستخدام الكلمة العمومية "جهات خارجية" يمكن أن توجه تجاه الغرب، تجاه محافل من الاسلام المتطرف كالاخوان المسلمين او القاعدة بل وحتى تجاه دول عربية خصمة. بالمقابل، في وسائل الاعلام السورية بات مؤيدو النظام، ولا سيما في مواقع انترنت غير رسمية، يسمحون لانفسهم بان يأخذوا القول التعميمي للجهات الخارجية العاملة ضد الحكم في دمشق، وتحويله الى "معلومات استخبارية" عن التآمر الذي يقع ضد سوريا. وهكذا، في موقع الاخبار الذي يؤيد النظام جاء عن الاضطرابات المتصاعدة في الدولة: "هذا مخطط ذكي وضعه السفير السعودي بندر بن سلطان، بالتعاون مع جيفري بالتمان، السفير الامريكي السابق في بيروت. هدفهما هو اسقاط الحكم واعادة سوريا الى العصر الحجري". في تقرير طويل ومفصل زعم في الموقع بان الرجلين اقاما شبكات تآمر داخل سوريا، تتشكل من مجرمين، صحفيين، رجال اعمال ومممثلين للطوائف المختلفة. في هذا التقرير المشكوك فيه ايضا يعود الموضوع الطائفي. فقد جاء فيه ان "المخطط هو ان يقتل المسيحيون في شرقي دمشق المسلمين والدروز الذين يسكنون بجوارهم. السنة في جنوب المدينة، يقتلون الشيعة. العلويون في الغرب يقتلون السنة والاكراد في الشمال يقتلون كل ابناء الطوائف الاخرى". في هذ الوصف الجميع يقتل الجميع وفقط جهة واحدة تبقى بريئة تماما. حكم بشار الاسد.