مسؤولية حماس – أن تفرض ارادتها على منظمات اخرى، تطلق القذائف الصاروخية والصواريخ من القطاع على اسرائيل، هذا ما قاله وزير الدفاع اهود باراك. الحق معه. والسؤال كيف نحقق هذه المسؤولية. إن التفكير العسكري الذي يسيطر هنا منذ سنين قد يترجم هذا القول الى تصعيد الهجوم العسكري على اجهزة ورموز سلطة حماس في القطاع. تُسمع مرة اخرى ايضا الدعوات الى إتمام المهمة التي أوقفت في عملية "الرصاص المصبوب" واسقاط سلطة حماس. في مقابلة ذلك، قد يفضي التفكير السياسي خاصة الى استنتاج عكسي يقول ان ثمة حاجة الى تعزيز سلطة حماس في غزة. لا يوجد معترض على أن حماس هي مركز القوة الأهم في قطاع غزة من الجهة السياسية والعسكرية معا، وهذا محقق بعد ان أبعدت فتح عن القطاع في 2007 في سهولة نسبية. منذ ذلك الحين بنت حماس في القطاع بنية تحتية مؤسسية تعمل مثل دولة من جميع النواحي وتحت رعاية غير مباشرة للسلطة الفلسطينية التي تنفق على جزء من نشاطاتها. قوّت عملية "الرصاص المصبوب" هذه البنية التحتية المؤسساتية، ومن اجل هذا نجحت الدولة الغزية المصغرة في كف جماح المنظمات المسلحة الاخرى في القطاع وضمان هدوء نسبي في النقب أكثر من سنتين. إن مؤسسات حماس باعتبارها مؤسسات دولة اخرى لا تستطيع ان تؤدي عملها من غير شرعية تقوم على صفقة تبادل مع السكان المحليين: فالدولة تضمن الأمن والرفاهة مقابل احترام سلطتها التي تعني ايضا الامتناع إن لم يكن عن حمل السلاح فعن استعماله على الأقل بخلاف ارادة الحكومة. من هذه الجهة تطلب اسرائيل والجماعة الدولية الى حماس مطلبا يعارض قوانين الطبيعة السياسية: وهي أن تفرض سلطتها على المنظمات المسلحة مع العمل في الوقت نفسه من غير شرعية الحكم. فحكومة حماس يُقصيها العالم وتُقصيها السلطة الفلسطينية ايضا جزئيا. حتى المدة الأخيرة كان القطاع تحت حصار اقتصادي جزئي ولم تكن قدرة لحكومة حماس على ضمان مستوى عيش مناسب للسكان الذين تتحمل المسؤولية عنهم، برغم ذلك طُلب اليها أن تؤدي عملها كحكومة تثبت لامتحان فرض الطاعة على المنظمات المسلحة. لا عجب من ان هذه الحكومة يصعب عليها أداء عملها، وهي صعوبة تتسع الآن ايضا للقدرة على وقف اطلاق النار على اسرائيل. إن الرأي السائد الذي يقول ان حماس غير معنية بالتصعيد ليس داحضا. فليس الحديث هنا عن منظمة عسكرية أو سياسية كما تصور وسائل الاعلام الوضع أكثر من مرة بل عن حكومة من جميع النواحي تسيطر على مؤسسات دولة، وباعتبارها كذلك تتحمل المسؤولية عن السكان الذين تحكمهم وهي تدرك أن التصعيد يعني في الظروف الحالية لميزان القوة مع اسرائيل اخفاقها في منح السكان هذه الحماية. هذا الاخفاق قد يفضي الى انهيار الحكم. لن تكسب اسرائيل من هذا الانهيار لأن عنوان الحكم الذي ذكره باراك الآن سيختفي. نقول في صراحة ان الحفاظ على عنوان الحكم هذا مصلحة اسرائيلية. إن هجوما اسرائيليا كثيفا يضعف مؤسسات حماس، معارض اذا للمصلحة الاسرائيلية. والعكس هو الصحيح، اسرائيل قادرة على ان تعمل على تعزيز شرعية مؤسسات حماس لمساعدتها على فرض سلطة سياسية تضمن الهدوء. الى جانب الضبط العسكري فان التخفيفات الاقتصادية وتسهيل الصلة بين غزة والسلطة الفلسطينية، باعتبار ذلك سبيلا الى تعزيز قيادة حماس السياسية في مواجهة الذراع العسكرية، وصفقة لاطلاق سراح السجناء هي جزء من الخطوات التي تملك اسرائيل تحقيقها، لكن هذا الأمر يحتاج الى تفكير سياسي لا عسكري.