تماما مثلما في "الاخ الاكبر" حيث ازيح أمس أربعة اعضاء البيت الواحد تلو الاخر حتى تتويج المنتصر، هكذا ايضا في الواقع المجنون حولنا. بن علي اطيح به، مبارك ركل، القذافي يطلق النار في كل صوب، عبدالله علي صالح اليمني في الطريق الى الخارج، السعوديون يرتعدون، الاردن في توتر، البحرين تترنح – الان الضربة الاكبر: بشار الاسد يكافح في سبيل حياته واستمرار الحكم العلوي في سوريا. يوجد في اسرائيل من يقدر بان الاسد منته، آخرون يعتقدون بانه من السابق لاوانه تأبينه، ولكن ليس لدى أحد أي فكرة اذا كان هذا خيرا أم شرا. أو بتعبير آخر: هل جاكي أم الاسد؟ حقيقة ان شعب اسرائيل ركز أمس على الدراما التي بين جاكي وما سيكون في القناة 2 وكأن الامر محمل بالمصائر؛ وبينما "الاخ الاكبر" حقا الذي يلعب الان في الزمن الحقيقي في الشرق الاوسط يعربد في محيطنا، هو من فعل وزير التاريخ او نوع من الطبيعة الغريبة على نحو خاص. في النهاية، الواقع أقوى من برنامج تلفزيوني. إذ خلافا للتلفزيون، في الواقع هذا مفاجىء حقا، غير متوقع، غير مفهوم، كل شيء يجري في البث الحي والمباشر، احد ليس محصنا، الكل يغرق في الدم، النار والدخان ولا يوجد جهة عاقلة في المنطقة كلها مستعدة لان تتنبأ ماذا ينتظرنا الان أو أن كل شيء سيكون خيرا أم شرا؟ (منوط الامر بمن تسأل). هذه ليست هزة أرضية: يدور الحديث هنا عن حراك شعبي حقيقي، تفكيك للنظام القائم، شطب كل ما عرفناه في صالح آخر مختلف تماما لا يعرفه أحد بعد ومشكوك ان يعرفه في المستقبل القريب. التاريخ، قال أمس مصدر أمني كبير، لا يأتي ولا يقاس الان بالسنين بل بالساعات. وهو يهدم ويبنى من جديد أمام ناظرينا، وكل ما عرفناه لم يعد قائما. عالم جديد آخذ في التجسد امامنا، ولا احد يمكنه أن يعرف كيف ستبدو الصورة في نهاية السياق، والى أين ستؤدي بالمنطقة باسرها. يمكن رسم سيناريوهين متطرفين، المتفائل والمتشائم. نبدأ بالاسوأ: سقوط الانظمة العربية تتواصل بسرعة شديدة. بعد مبارك يسقط ايضا الاسد، بعده عبدالله الاردني، السعودية تترنح، "الاخوان المسلمين" يعززون السيطرة في كل واحد من الانظمة الضائعة التي سميت حتى وقت قصير مضى "بالدول العربية المعتدلة"، بحر كبير وعاصف من الاسلام المتطرف يثور حولنا – وفقط النظام في ايران يصمد ولا يظهر بوادر تآكل حقيقية. مثل هذا السيناريو، الذي يقض مضاجع قادة جهاز الامن عندنا، وكثيرون في الغرب أيضا، سيؤدي الى تغيير حقيقي في نمط حياتنا ايضا. ميزانية الدفاع ستزداد على نحو كبير. الاحساس بالاختناق سيتعمق. مسيرات السلام ستختفي دون عودة. الحصار حول اسرائيل سيتوثق جدا. في مصر ستجرى انتخابات، "الاخوان المسلمون" سيجرفون ثلث اعضاء البرلمان وسيكونون الحزب الاكبر. هم لن يكونوا في رئاسة الوزراء، ولكنهم سيكونون الجهة السياسية الاكثر تأثيرا في مصر، الامر الذي سيجعل الحليف الاكبر والاهم لاسرائيل في المنطقة حتى قبل اشهر قليلة، السيد الجديد لحماس في غزة. في مثل هذا الوضع كل شيء يمكن أن يحصل، بما في ذلك حكومة وحدة وطنية لحالة الطوارىء في اسرائيل، تسخين الحدود، من كل خير البلاد. ما هو الاحتمال في أن يحصل كل هذا؟ لحظنا، ليس كبيرا. من جهة اخرى، هل حلم احد ما ذات مرة بان يحصل حولنا ما يحصل الان؟ السيناريو المتفائل: في مصر الحكم يستقر، الجيش يواصل كونه القوة السائدة، الديمقراطية تتثبت في المجتمع المصري الجديد. في الاردن ينجح النظام في الصمود في صيغته الحالية. الاسد يسقط في صالح نظام سني برغماتي يقطع العلاقة مع ايران وحزب الله ويشرع في مفاوضات مع اسرائيل (وان كان يصر على طلبه استرداد الجولان). السعودية تصمد هي الاخرى. القذافي يسقط. وعندها، أخيرا، يتغلغل الامر شرقا ويضعضع بشكل حقيقي حكم آيات الله في ايران. في مثل هذا الوضع، خسارتنا تعوض بمكسبنا. اذا كان احد ما سيقترح علينا صفقة في اطارها نخسر مبارك ولكن نتخلص ايضا من الايرانيين فواضح أننا كنا سنقبل بها. السؤال هو هل مثل هذه الصفقة محتملة. الجواب ايجابي، وان كان باحتمالية متدنية. في هذه الاثناء كل ما تبقى هو أن نتابع، منقطعي الانفاس، الاحداث نفسها. ومرة اخرى، كما قيل، كل شيء ممكن. بما في ذلك الدمج الغريب بين عناصر السيناريوهين المختلفين، تداخل المجالات، كل شيء في كل شيء، حسب خيال المخرج المجنون الذي يجسد كل شيء الان امامنا. ولم نقل بعد كلمة عن الفلسطينيين. المفارقة المجنونة هي أن النظام المتهالك والمرتجل لابو مازن هو في واقع الامر النظام العربي الاكثر استقرارا في المنطقة. قوته في ضعفه. بعد سيطرة حماس على غزة، اتخذ الفلسطينيون وسائل مضادة، وفضلا عن ذلك لديهم جهة خارجية توحدهم، لديهم هدف مشترك. الجهة الموحدة هي نحن، الهدف هو ايلول. لا يمكن ان نعرف كيف ستؤثر هذه العملية، الدراماتيكية بحد ذاتها، على ما يحصل في المحيط. هل فتح وحماس ستتصالحان وتوحدان القوى (باسناد العالم) ضدنا؟ على هذا السؤال ايضا ليس هناك من يمكنه أن يجيب الان. ما هو خير هو أنه امام الواقع المركب والمعقد الناشيء هنا، امام الوضعية القابلة للتفجر والحساسة هذه التي تتبلور حولنا، نحن نعرض مفهوما، جاهزية واستراتيجية واضحة. في مثل هذا الوضع، لا ريب.