أمس عادت الى القدس المشاهد السوداء – الحمراء من أيام الارهاب الفلسطيني اياها. للحظة واحدة، حيال عبوة واحدة، قضت على حياة امرأة واحدة واصابت العشرات، تذكر كل اسرائيلي كبير في السن اسماء خطوط الباصات والمقاهي ومفترقات الشوارع التي عمل فيها المخربون الانتحاريون. هذا لم يكن مثلما كان في حينه في التسعينيات والعقد الاول من القرن الواحد والعشرين، ولكنه كان مذكرة مع الدم وقوات الانقاذ والمضمدين وصراخ الصافرات وسيارات الاسعاف. أفيغدور ليبرمان وسلفان شالوم تحدثا تأييدا لضربة مضادة أليمة، ولم يميزا بين صواريخ القسام والغراد وقذائف الهاون التي اطلقت من غزة نحو النقب وبين بداية الاضطراب في يهودا والسامرة، مثلما تبين في انفجار أمس وفي المذبحة في ايتمار. يدور الحديث عن جبهتين منفصلتين. رغم دهاء وذكاء ابو مازن، يبدو ان السلطة الفلسطينية تعمل بجدية على منع استئناف الارهاب. ليس انطلاقا من محبة اسرائيل بل مما يبدو لابو مازن وسلام فياض كمصلحة فلسطينية مشروعة. وعليه، صحيح أن انفجرت أمس عبوة قضت على حياة امرأة في القدس، وصحيح أن خمسة قتلوا في ايتمار والمخابرات لم تكتشف بعد القاتل رغم أنه خيل انه القي القبض عليه ولكن لا، الا أن رام الله لا تزال جديرة بان تحظى بمساحة الشك. من يضغط الان على نتنياهو للعمل بشكل حاد وبيد شديدة في يهودا والسامرة يفعل ذلك ليس لانه يعتقد بان السلطة الفلسطينية تقف خلف الارهاب المتجدد بل من أجل اضعافها في ضوء نشاطها السياسي، الذي هو موضوع لبحث آخر. على المخابرات ان تواصل مساعيها لتضع يدها على المخرب الذي قتل في القدس وعلى من نفذ الفعلة الفظيعة في ايتمار، ليس غير. لا أي "سور واقٍ" جديدة، صحيح حتى الان. ليس هكذا حيال قطاع غزة. رفع مستوى العنف من جانبه ليس عملا مندفعا على المستوى المحلي (الامر الذي حصل في الماضي)، بل قرار واع من قيادة حماس لتغيير قواعد سلوكها حيال اسرائيل. ربما بسبب الهزة الارضية التي تجتازها الدول العربية وعلى رأسها مصر، وربما لان لايران مصلحة كهذه. بالذات في هذه النقطة يجب على اسرائيل أن تنظر بعيون واعية الى ظروف الساحة. الجدال الكبير حول رصاص مصبوب حسم في أوساط الثنائي ايهود اولمرت ويوآف غالنت من جهة مقابل ايهود باراك وغابي اشكنازي من جهة اخرى. فقد اعتقد اولمرت بانه يجب السعي لاسقاط نظام حماس. باراك ادعى انه على أي حال لن يفي بمتطلبات الهدف وسيدفع ثمنا سياسيا باهظا، مثلما حصل بعد ذلك في تقرير اللجنة برئاسة ريتشارد غولدستون. في نهاية المطاف طالت المعركة اكثر مما اراد باراك – اشكنازي واقل مما اقترح (معظم الوقت) اولمرت – غالنت. باراك واشكنازي أكدا بان الحديث لا يدور عن حسم تام بل عن وقف نار سيستمر نحو سنتين. "ما الضير؟" درجا على القول. بعد ذلك الردع سيذوي وستكون اختبارات قتالية جديدة. هذا ما حصل. باختلاف أن هذه المرة – رغم العداء اللاسامي من العالم تجاه الاحتياجات الاكثر عدلا والاكثر اساسا لتلاميذ اسرائيليين في النقب – يجب العودة للضرب بشدة كبيرة لمنع الحاجة الاضطرارية الى استئناف "رصاص مصبوب 2" ولا سيما لاعفاء سكان بئر السبع واسدود وعسقلان وسدروت والكيبوتسات والقرى الزراعية في النقب من المعاناة التي كانت من نصيبهم الى أن انطلق الجيش الاسرائيلي الى المعركة.