خبر : مواجهة الحقيقة/بقلم: الون مروم/معاريف 24/3/2011

الخميس 24 مارس 2011 11:23 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مواجهة الحقيقة/بقلم: الون مروم/معاريف  24/3/2011



حسنا فعلت الكنيست أول أمس إذ ليّنت "قانون النكبة". تُثار سلسلة قوانين في المدة الاخيرة من قبل حزبي اسرائيل بيتنا وكديما مضادة لمواطني الدولة العرب، مع المس بجوهر ديمقراطيتنا الهشة. اقترح عضو الكنيست اليكس ميلر راكبا هذه الموجة العكرة، القانون المسمى "قانون النكبة"، الذي يشتمل على تهديد بالسجن ثلاث سنين لكل من يذكر ان يوم الاستقلال هو يوم حداد. وفي النهاية جرى تليين القانون ليصبح غرامة مالية فقط، وخُفف شيئا ما العبء عن الضمير الوطني اللاواعي. في ايام الانتفاضة الثانية، أبحرت أنا ونحو من عشرين شخصا من اليونان الى اسرائيل في عبارة فارغة. في احدى الليالي المملة جلست قبالة فلسطيني هرب من اسرائيل في 1948 وسمعت قصته. كان يلعب آنذاك مع بضعة اولاد على التلال خارج قريته في منطقة صفد. في الليلة التي سبقت ذلك أُخرجت المدافع العراقية التي نُصبت في المنطقة. وفجأة ظهرت طائرة اسرائيلية وألقت قنابل على قريته. عندما وصل الى بيته جريا وجد هناك ما بقي من أمه وعدد من اخوته وأخواته قد طُليت بهم الجدران المهدومة، ووجد أباه مصابا بالذعر والجنون. أمره هذا الأخير بأخذ أخيه الصغير والهرب الى لبنان. انضما الى مجموعة لاجئين خطوا نحو الحدود. عند أحد الحواجز اليهودية في الطريق، كما قال لي، أُخذ أحد أفراد مجموعتهم وكان مصابا بتخلف عقلي الى جانب الطريق وأُطلقت النار عليه فلفظ أنفاسه تحت أنظارهم على صوت هتاف الجنود. عندما وصلوا جائعين وعطشى الى لبنان، حُملوا في قطار ونُقلوا الى مخيم في سوريا أُعد لهم قبل ذلك. لم أستطع التحقق من شهادة الفلسطيني لكنه لم يكن باعث لي على الشك فيه. كل ما بقي عندي أقوله له أنني أشعر بالخجل. وكان هو خاصة الذي أجابني بأنها كانت حربا وهكذا يتصرفون في الحرب. لم يوجه جُلّ دعاواه علينا بل على حكام العرب الذين خانوا شعبه. فقد قال انه لا يستطيع أن يُفسر انسحاب العراقيين، والقطارات والخيم التي أُعدت سلفا سوى بتعاون سري على الترحيل المنهجي لـ 80 في المائة من أبناء شعبه. كان هذا أول لقاء غير مباشر لي مع النكبة. كل تقارير الملحق التي نُشرت منذ الثمانينيات عما حدث في الحقول في القرية الزراعية التي نشأت فيها قد مرت دون أن أنتبه اليها. كان من الأسهل التعلق بانكارات محاربي 1948 الأبطال، وإبعاد الباحثين الذين تناولوا ذلك عن موقد السِبط خزايا، حتى خارج البلاد احيانا. ولم أتعلم في المدارس وفي الكتب الرسمية شيئا عن ذلك بطبيعة الامر. كذلك لم أربط رفض معارفي من أبناء جيل البلماخ جواب اسئلتي الاستطلاعية، في الحديث عن تلك السنين، والحديث عما رأوا وفعلوا كما يبدو أيضا. اليوم ايضا من المؤكد أن كثيرا من القراء لا يعلمون ما هي الخطة "د" للهاغاناة، وما الذي شغل لجنة الترانسفير (الترحيل)، وماذا كان دور رؤساء الكيرن كييمت، وأين أُطلقت قذائف رجم "الدويدكي" المجيدة، أو ما الذي تجادلوا فيه في مركز حزب مبام اثناء الحرب. في الكتاب الاول لـ "بيني موريس" يمكن ان نقرأ وصفا جافا مفصلا لذلك. في الأرشيفات التي فُتحت أمامه في غفلة وجد تراسلا بين القادة، والصراعات بين الكيبوتسات والقرى الزراعية على الاراضي التي تم اخلاؤها، وشكاوى موظفي المالية من أنقاض البيوت في حين يوجد نقص شديد من الشقق للمهاجرين – أي كل البيروقراطية المنهجية. الكتاب وثيقة نادرة دفع مؤلفه عن كشف عورتنا ست سني بطالة، صمت بعدها ولاءم نفسه مع التيار المركزي للسِبط. ما زلت لا أعلم هل كان الفلسطيني صادقا، وهل طهارة السلاح العبري اختلاق، وهل ينبغي في الحرب السلوك كما في الحرب. يبدو انه لم يكن من الممكن انشاء وطن قومي للباقين من المحرقة وفيهم عائلتي ايضا في دولة ذات أكثرية عربية. هذه مظلمة فظيعة ضرورية اخرى في حياتنا المليئة بالتناقضات. بل إن النظرية الكاذبة التي جاءت إثر ذلك وما زالت مستمرة حتى اليوم في واقع الأمر هي جزء كما يبدو من نضال شعب صغير ظهره الى البحر من اجل وجوده. لا يؤديني كل ذلك الى الايمان بأنه يجب علينا تعويض اللاجئين أو اعادتهم. لكنني أصبحت مقتنعا بعد مرور السنين بأنه حان وقت الكشف عن الحقيقة كاملة وفتح الأرشيفات. هذا زمن المصالحة والتسليم، ورفض قوانين الولاء ولجان القبول والنكبة.