مكانة اسرائيل في الرأي العام العالمي توجد في أسفل الدرك. أمس، بفضل المنظومة الاستخبارية السلسة وحملة السيطرة التي قامت بها الوحدة البحرية على سفينة "فيكتوريا"، نشأت فرصة نادرة لنعرض على العالم بأسره كيف تُهرب ايران وسوريا الى غزة السلاح والصواريخ خلف أكياس العدس. غير أنه في سلسلة القرارات الوطنية أصبح هذا الانجاز خسارة لاذعة في جبهة الاعلام. هكذا فقط يمكن أن نصف ما حصل أمس في ميناء أسدود. فقد دعا رئيس الوزراء، الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي، وزارة الخارجية والمكتب الصحفي الحكومي، الصحفيين الاجانب والاسرائيليين الى مؤتمر صحفي بمشاركة رئيس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس الاركان وقائد سلاح البحرية. وعلى مدى الليل عمل رجال سلاح البحرية على تفكيك حمولة السفينة وبسطوا الصواريخ والذخيرة للاستعراض على رصيف الميناء أمامها. غير أنه عندها بدأ كل شيء يتشوش. وقد بدأ هذا عندما بلّغ مكتب رئيس الوزراء جهاز الأمن العام "الشباك" بأنه سيصل الى الحدث نحو خمسين صحفيا فقط، ولهذا فقد بعثت وحدة المخابرات الى المكان موقف تفتيش واحد وآلة فحص واحدة لكشف المعادن. والنتيجة: فوضى عارمة. فقد تدفق الى الحدث نحو 200 صحفي ومصور، بينهم عشرات طواقم التصوير الاجنبية، ونشأ في المكان طابور طويل ومُضن. وقد فحصت المخابرات كل واحد منهم فردا فردا بتشدد. وكل كاميرا أو جهاز تسجيل فُكك الى عناصره الأولية. ووقف المراسلون غاضبين تحت الشمس الحارة، والطابور لم يتحرك. وقد احتدم الغضب بعد أن حظي المراسلون العرب الذين دُعوا الى الحدث "بعناية خاصة". جميل القضماني، مصور القناة الفرنسية TPI، طُلب منه أن ينزع القميص والبنطال وبقي واقفا في ملابسه الداخلية. ولم يكن الوحيد. هكذا تتصرف المخابرات تجاه الصحفيين العرب الذين يحملون بطاقات هوية المكتب الصحفي الحكومي. وكلما مر الوقت، ارتفع مستوى غضب المراسلين الاجانب. زجاجات المياه التي وزعت عليهم لم تجدي نفعا كثيرا في تبريد الاعصاب. بعد أن وقفوا في الشمس ساعتين ملوا ببساطة، فقرر عشرات المراسلين الاجانب مغادرة المكان احتجاجا قبل وصول نتنياهو، باراك وغانتس الى هناك وفضلوا عدم تغطية الحدث. وهم لن يوفروا لمشاهديهم ومستمعيهم رؤية الانجاز الاعلامي لاسرائيل. بين المغادرين كان مراسل "بي.بي.سي" بالعربية، طواقم التلفزيون الالماني، التلفزيون الفرنسي، التلفزيون الاسباني وغيرها. "كان هذا تأخير طويل جدا"، روى أحد المراسلين الاجانب الذي يعمل في "بي.بي.سي". "لم يكونوا منظمين ولم يسمحوا للمراسلين الاسرائيليين الشهيرين بالدخول بسرعة دون فحص في الوقت الذي تأخرنا نحن. كل الحدث اصبح مهينا، فقررنا المغادرة وعدم تغطية الحدث. كل حدث لمكتب رئيس الوزراء هو كابوس بالنسبة لنا بسبب التفتيش الامني. هذه قصة جيدة لاسرائيل، فلماذا تحطموه بسبب معالجة غير مناسبة للصحفيين؟ لقد دعونا الى هنا وخوزقوا علاقاتهم العامة". "كانت هذه اهانة واطلاق النار على الساق. لماذا جلبونا؟ كي نجف في الشمس أم لنرى السلاح المخصص لحماس؟"، اشتكى مراسل الشبكة الاسبانية الذي غادر المكان. يحيى قاسم مراسل شبكة "الحرة" الامريكية اضاف: "كان يجب اعطاء اولوية للاعلام الاجنبي ليبث الصور للعالم". جوف فيدرمان، رئيس اتحاد المراسلين الاجانب في اسرائيل قال أمس: "هذا يحصل كل الوقت مع الاحداث التي تنظم لدى رئيس الوزراء. أنا اعمل في وكالة "أي.بي" كمحرر رئيس وفي كل اسبوع أتلقى شكاوى من اهانة المصورين. اذا كانوا حرصين جدا على صورة اسرائيل وعلى الاعلام، فان عليهم أن يسمحوا للناس بالقيام بعملهم. لدينا جميعا بطاقات صحفية من أجل الحصول عليها يجب اجتياز فحوصات خلفية لدى المخابرات، وعليه فيجب لهذه الهوية أن تساوي شيئا". أمس دار تبادل للاتهامات بين الجهات التي نظمت المؤتمر الصحفي – من المذنب في القصور الذي دفع عشرات الصحفيين الاجانب الى أن يتركوا المكان بغضب. مصدر كبير في جهاز الاعلام كان شاهدا للحدث الحرج روى يقول: "جففوا المراسلين تحت الشمس لثلاث ساعات. هذا حدث مقلق يستدعي استخلاص الدروس لان الهدف كان أن يرى العالم السلاح، ولكن لحق هنا ضرر جسيم بسبب التفاهات". مسؤولون كبار في مكتب رئيس الوزراء قالوا امس ان "هذا حدث خطير، ونحن سنفعل كل شيء كي لا يتكرر". اورن هيلمان، مدير عام المكتب الصحفي الحكومي قال معقبا: "وقع هنا خلل. لدينا مصلحة كبيرة في كشف المواد امام العالم. سنفحص الامر ونستخلص الدروس". في وقت لاحق وصل 150 سفير أجنبي وملحص عسكري الى الميناء. رافقهم نائب وزير الخارجية داني ايالون ونائب قائد سلاح البحرية، وقدم لهم استعراض عما امسك به ومعانيه. وأبدى السفراء والملحقون اهتماما ولم يكفوا عن تصوير الوسائل القتالية من كل زاوية ممكنة. خسارة أن صورهم، خلافا لتلك التي كان يمكن أن يصورها الصحفيون من العالم، لن تنشر في وسائل الاعلام الاجنبية.