لا يرتاح ميدان تحرير القاهرة لحظة واحدة. احتفاءا بيوم المرأة العالمي خُطط في الظهيرة لمسيرة مليون للنساء، لانعاش ذاكرة السلطة، بأن كل ما وعدوا به يجب أن يتم ايضا. من المهم الانتباه في اثناء ذلك الى ان حركات النساء في تونس ومصر والمغرب بل في البحرين ما زالت لم تفتح أفواهها. رأيناها في الميادين بل في شوارع بنغازي وفي طبرق في ليبيا. انضمت النساء – وإن يكن عددهن أقل كثيرا – الى المظاهرات، وأبلغن قنوات التلفاز ببث مباشر، وجلبن الصور من الميدان. لكننا لم نسمع ما الذي يؤلمهن وما الذي يضايقهن وأين يجب التقويم. رأينا نساء شابات يكسرن جميع الحواجز والشفرات: أشعلن السجائر، وطرحن النقاب، وقضين الليل في أكياس نوم قرب شبان في نفس عمرهن وأكبر منهن سنّا، أمهات يتركن الغسل والطبخ، وطالبات جامعيات مزودات بالحواسيب المحمولة يرسلن البلاغات من ميدان التحرير في تونس، ويستعملن التويتر في القاهرة، ويعالجن الجرحى. استدعت السلطة العسكرية اليها نساءً، وحاول رئيس اليمن أن يجعلهن يهربن الى البيوت المطابخ وحظي بصفير الاحتقار. نُقشت صورتان في ذاكرتي: في الاولى، فاطمة بوعزيزي، أم بائع الخضراوات الذي تلقى صفعة على وجهه من شرطية فأحرق نفسه لكثرة اليأس والشعور بالمهانة وأفضى الى اسقاط النظام الفاسد. تجلس الأم الثكلى عند باب بيتها الخرب، احدى عينيها تبكي على ابنها القتيل والعين الثانية تضحك لسقوط الحاكم الفاسد وزوجته الشهوانية والعصابة العائلية التي صنعت ثروة خيالية على حساب ملايين البائسين. وفي الصورة الثانية التي كُشف عنها أول أمس، مشهد بألوان الباستيل، أطل من السرير الزوجي الفخم في المكتب الأفخم لوزير الداخلية المصري المعزول، حبيب العادلي. وتحت المكتب زنازين التعذيب. في غرفة النوم المغلقة، كي لا يسمعوا صريخ الألم، عُلق قميص النوم الابيض للوزير والى جانبه قميص ملائم بلون وردي. لم أستطع طرد أفكار ما الذي فعلته قبضة مصر الفولاذية (السابقة) في ساعات لم يُدخل فيها الدولارات في جيبه الخاص أو متّع نفسه على حساب ساعات العمل. رأينا ايضا نوارة ابراهيم، متصفحة الانترنت التي أبلغت مثل حيوان في الميدان من ميدان التحرير وكانت الاولى التي كشفت عن وجهها إزاء عدسات التصوير لتعلن قائلة "يا مبارك إذهب من هنا لن نتنازل حتى ترحل". الآن تجلس نوارة هذه من وراء الحاسوب فقد تمت العملية وليس عندها خطط. بعد قليل سيعدن جميعا الى البيوت. ويتلففن من جديد بالجلابيب ويعدن للبحث عن عمل بغير رب عمل متحرش، وعندما يتزوجن ويلدن سيدعون الله ألا يفاجئهن الزوج بضربات قاتلة، وألا يأتي بزوجة اخرى وألا يرميهن في الشارع بلا غذاء وبلا ممتلكات وبلا تأنيب ضمير. ليست الثورات والشعارات عن نضال لا يوجد أحق منه من اجل الديمقراطية والحقوق، هي الحبة السحرية لتحويل مكانة النساء في العالم العربي والاسلامي. عندما يزول الغبار ويكنسون الميادين، لن يتذكر أحد ولن يحسب لهن حسابا. سيوزعون شيئا من الوظائف في الأكثر ويُعينون نساءً لمناصب وزيرة الرفاه ووزيرة شؤون الثقافة، واستاذتين جامعيتين وسينتظرون ان يقُلن شكرا. هذا بالضبط هو زمان المظلومات. لا يوجد اليوم حاكم عربي لا ترتجف الارض تحت قدميه. ولا يوجد رئيس دولة أو مستشاروه يُبيحون لأنفسهم أن يقولوا لا ويُعرضون أنفسهم لطوفان غضب من الشارع. إنتبهن يا أخواتنا في العالم العربي: لستن أقل ثقافة ولا أقل موهبة لكن حقوقكن موطوءة. هذه هي لحظة قلب الموائد. اذا لم تهتممن بأن تأخذن المبادرة فورا وتُثرن خطة عمل منظمة فان ما كان هو ما سيكون مع زيادة الشعور الضخم باضاعة الفرصة.