الانتفاضات الشعبية الدراماتيكية في أرجاء العالم العربي غطت في الاسابيع الاخيرة على النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. ومع ذلك، فان تبادل اطلاق النار في الاسبوع الماضي على طول الحدود بين قطاع غزة واسرائيل، بما في ذلك اطلاق صوارخ جراد نحو بئر السبع وهجمات سلاح الجو الاسرائيلي على أهداف في قطاع غزة، تشكل تذكرة على ان الاحتمال الكامن للمواجهة العنيفة في هذه الجبهة لا يزال على حاله. بالفعل، في ضوء العلاقة التاريخية بين مصر وقطاع غزة، كان هناك من قدر بان تعزز قوة حماس كنتيجة لسقوط الرئيس المصري حسني مبارك كفيل بان يساهم في مثل هذه النتيجة. لا ريب في أن علاقة معينة قائمة بالفعل، ولكن لا يزال من غير الواضح اذا كان مثل هذا السيناريو سيتحقق حقا. في نظرة اولى، لحماس كل الاسباب التي في العالم لان تستقبل بالترحيب التطورات في مصر. فتحت حكم مبارك قمعت مصر بشكل نشط العناصر الاسلامية في الدولة وتعاونت مع اسرائيل في محاولة لفرض رقابة وثيقة على حركة الاشخاص والبضائع، الاسلحة والمال من والى قطاع غزة، وفي نفس الوقت شكلت سيدا لخصم حماس في الضفة الغربية، رجال فتح. ومع ذلك، فان حماس (مثل فتح) عملت على قمع مظاهر التأييد العلنية للانتفاضة في مصر. هذه الخطوة تلمح بان حماس شعرت بانزعاج ما، ان لم يكن تجاه اسقاط مبارك من الحكم، فعلى الاقل بالنسبة للشكل الذي يتحقق فيه الامر، أي، بالاحتجاج الشعبي واسع النطاق الذي ترافق وانعدام الاستعداد من جانب محافل تنتمي الى قوات أمن النظام نفسه، للعمل بوحشية ودون رحمة ضد الجمهور. وهذا التحفظ ينبع أغلب الظن من انعدام الثقة بالنفس لدى حماس بالنسبة لقدرتها على احباط او احتواء تطورات كهذه، في حالة انتشارها الى قطاع غزة، مثلما انتشرت الى مناطق اخرى في العالم العربي. فضلا عن ذلك، فان الاعتزال الذي فرض على مبارك ساهم قليلا جدا في ايضاح السياسة المستقبلية لمصر، وذلك لانه يبدو ان هذا التطور كان الهدف الاجماعي الوحيد لقوى المعارضة المختلفة. مفهوم من تلقاء نفسه ان حماس ستستخلص منفعة كبيرة اذا ما انتهى سقوط مبارك بثورة اسلامية. حماس نفسها هي وليد طبيعي لحركة الاخوان المسلمين في غزة، المرتبطة تاريخيا بالحركة في مصر. وحسب معظم التقارير فان الاخوان المسلمين لا يزالون حركة المعارضة الثابتة والاكثر انضباطا في الدولة. معنى الامر هو انه من شبه اليقين ان هذه الحركة توجد في موقع أفضل لاستغلال كل فراغ سياسي ينشأ في مصر ما بعد عصر مبارك. وبالفعل، فمنذ الاسابيع الاخيرة هناك مؤشرات تدل على تأكيد أشد في اوساط المسلمين، بما في ذلك عودة الداعية المتطرف، الشيخ يوسف القرضاوي الى مصر بعد اكثر من اربعين سنة منفى في الخارج، والظهور الاكبر للعناصر من حركة الاخوان المسلمين في المظاهرات التي تتواصل في ميدان التحرير في القاهرة. ومع ذلك، فان الحركة الجماهيرية التي أدت الى اسقاط مبارك لم تكن ثمرة مبادرة الاخوان المسلمين (الذين صعدوا الى العربة في مرحلة متأخرة نسبيا)، ولم تتميز بالافكار او بالمطالب الاسلامية. ناهيك عن أنه حسب كل ما هو معروف، فان الاخوان المسلمين لا يتمتعون بتأييد جارف في الرأي العام المصري. في استطلاع هاتفي – وان كان محدودا على ما يبدو في حجمه – 15 في المائة فقط من المجيبين على الاستطلاع اعربوا عن تأييد "كبير" او "معين" للاخوان المسلمين، وفقط 7 في المائة أيدوا فكرة ان الطبيعة غير الاسلامية بما يكفي لنظام مبارك كانت السبب الاول أو الثاني في أهميته للانتفاضة ضده. هذه الحقائق تساعد على الفهم لماذا أملت حماس، مثل الحكومة الايرانية، في أن تكون الانتفاضة في مصر تبشر بانتصار المبادىء الاسلامية، ولكن خلافا للحكومة الايرانية، لم تتشوش بين الامال والواقع. ومع ذلك، فالسيطرة الاسلامية على مصر ليست السيناريو الوحيد الذي يمكن ان يوفر تفوقا لحماس. هذه الحركة كفيلة بان تستخلص منفعة غير مباشرة من عطف مصري عام تجاه الفلسطينيين، كفيلة فيه حكومة مستقبلية، دون صلة بميولها الايديولوجية، ان تشعر بالواجب في أن تقدم مثل هذه المنفعة. وأخيرا، هناك امكانية في أن استمرار الفوضى السياسية، المتوقع أن تتعاظم على خلفية موجة من الاضرابات المتواصلة وانعدام قدرة الدولة على تلبية المطالب الاقتصادية لمنظمات العمال التي حظيت لتوها بالقوة والاتحادات المهنية، من شأنه أن يمنع وجود مرجعية فاعلة في أرجاء الدولة. سيطرة حكومية ضعيفة، ولا سيما في شرقي شبه جزيرة سيناء، المنطقة التي تتميز تقليديا بمشاعر الضغينة من جانب البدو تجاه الحكم في القاهرة، ستسمح بتهريب على نطاق واسع للاسلحة وكذا توفير تأهيل وانواع من الدعم الاخرى من ايران وغيرها من المصادر. حاليا، أي من هذه السيناريوهات لم يتحقق. المعالجة السريعة من الجيش للوضع سمحت له بان يصمم التطورات ويمنع تضعضع النظام. الوضع الذي نشأ يمكن وصفه بـ "المباركية بدون مبارك"، باستثناء حقيقة أن الجيش أوضح نيته للسماح والتوجيه لتطور مرتب لمنظومة مدنية مشتركة بدلا من الحفاظ على سيطرة مباشرة على السياسة المصرية. يتبقى الانتظار لرؤية اذا كان الجيش بالفعل سيبدي استعدادا أو قدرة، عملية، لقيادة التطورات في هذا الاتجاه. مهما يكن من أمر يبدو ان فتح توصلت الى الاستنتاج بان الاحداث في مصر وفي مناطق اخرى في العالم العربي تستدعي منها التوقع لتحديات لشرعيتها نفسها وعلى ذلك تدل دعوتها الى اجراء انتخابات جديدة ومبادرتها الجديدة للمصالحة الوطنية الفلسطينية. ولكن يخيل أن ذات الاحداث نفسها هزت ثقة حماس بحيث لا يمكنها أن ترد على أي من هذه الاقتراحات. ومع ذلك، في نفس الوقت، يخيل أن الظروف غير ناضجة بالنسبة لها لتطوير مصدر بديل لشرعية متجددة – مواجهة اضافية على نطاق واسع مع اسرائيل. في الميزان العام، يبدو ان معنى الامر هو أنه بقدر ما يعد الانصراف المخجل لمبارك من الحكم كنافع لقيادة حماس، لم يشهد له حتى الان تأثير جوهري على فهم الحركة لموازين القوى العامة. في هذه الظروف، الخيار أهون الشرور بالنسبة لحماس يتبقى "الانتظار ورؤية ما سيحصل".