تُعاود شبكات التلفاز العربية عرضها في المدة الاخيرة رجال الدين الاسلاميين المتطرفين الذين يعودون الآن الى البلدان العربية المتقلقلة. يبرزون من مخابئهم ويركبون موجة ثورات لم يبادروا اليها هم، في حين يخطبون في حماسة مفرطة في الميادين. قبل سنين معدودة كان ذلك الخميني الذي عاد الى ايران برغم أن عناصر علمانية هي التي أبعدت الشاه. بعد وقت قصير من ذلك أبعد آيات الله الثوار الديمقراطيين واستولوا على الحكم. وسريعا جعل هؤلاء اليهود عنصر الموالاة السلبي المركزي في هوية الدولة. وقد جرى التعبير عن ذلك بسعيهم الى قدرة ذرية تستطيع القضاء على الدولة الصهيونية وبتأييدهم حماس وحزب الله. الحديث اليوم عن ظاهرة مشابهة. فالشيوخ من طراز القرضاوي المصري يستعملون تفسيراتهم لسيرة محمد (صلى الله عليه وسلم) مثالا يُحتذى. وعلى ذلك يجب ان تكون هذه الشيفرة الباعثة نموذجا عندنا للتنبؤ بمسارات ممكنة في الواقع ايضا. إن الفصل الذي يُذكر بوضعنا اليوم يتحدث عن محمد الذي طورد في مدينته مكة ولهذا هاجر الى المدينة واستولى على قيادتها المقسمة بعد أن عمل هناك حكما في النزاع على السلطة الذي كان بين قبائل المدينة. بعد ذلك اتهم محمد اليهود الأغنياء الذين سكنوا في خيبر المجاورة بالخيانة والتآمر مع العدو. وكانت نتيجة ذلك قتل مئات اليهود، وطُرد بعضهم وسُلبت ممتلكاتهم واغتُصبت نساؤهم وبيعوا عبيدا مقابل السلاح والمال. بعد ذلك رجع محمد فاحتل مكة وسن لورثته طريق خلافة اسلامية عالمية. هذا ما فعلته بالمناسبة حماس ايضا في مناطق يهودا والسامرة وغزة. فقد ركبت المنظمة متأخرة الانتفاضة الوطنية العفوية للفلسطينيين من اجل تقديم برنامجها الاسلامي. وهذا ما يفعله الآن شيوخ الاخوان المسلمين. بدأوا يتموضعون فوق فوهات البراكين الاجتماعية والديمقراطية التي انفجرت في الدول العربية بقصد استغلال الوضع لقيادة جموع الجماهير الغاضبة نحو خلافة اسلامية مجددة. في هذا الاطار يمكن ان نلاحظ وشاحاتهم الحمراء في كل ميدان ثائر في المدة الاخيرة. على سبيل المثال يتحدى شيوخ الحركة الاسلامية السلطة في الجزائر وفي الاردن؛ وهكذا عاد الشيخ الغنوشي الى تونس، وكذلك عاد كما تعلمون الشيخ القرضاوي ايضا وهو من الاخوان المسلمين الى ميدان التحرير. القرضاوي هو مقاول تنفيذ فكرة انه كلما أصبح وضع الجماهير اسوأ كان ذلك أفضل للحركة الاسلامية. مهمته أن يترجم الجوع والطموح الى الديمقراطية وخيبة الأمل والشعور الديني المعتدل الى ثقافة موت في سبيل الله. لانه يرى أن "الاسلام فقط هو الحل". ومثل قصة محمد في المدينة يحاول القرضاوي ايضا توحيد الجماهير على كراهية اليهود. بحسب الرمز الباعث القديم للاسلام، يمكن ان نتنبأ باجراءات الاخوان المسلمين في المستقبل: سيظهر أناسهم في البداية بأنهم لسان الميزان والحكم المنظم الوحيد للوضع السائد بعد الثورات كما كان محمد حكما في النزاع القديم في المدينة. وسيحاولون بعد ذلك السيطرة على الدولة نفسها. وقد أصبحت قيادة المتظاهرين الآن في مصر، وهي قيادة غير موحدة الأهداف والاجهزة، أصبحت تطلب حل الحكومة المؤقتة وتنشب اختلافات رأي بين عناصر الثورة فيما سيكون بعد الحوار وفي ماهية المسار الى الحرية وشكل السلطة في مصر في المستقبل. في اثناء ذلك يؤجج الاخوان المسلمون – الذين يرفضون فيما يكتبون الديمقراطية من جهة دينية – الفوضى لـ "تخليص" مصر وإحراق السلم الديمقراطي الذي سيصعدون فيه الى سلطة دكتاتورية دينية. إن دعوة القرضاوي قبل اسبوعين في ميدان التحرير الى فتح أبواب غزة وتحرير الأقصى هي استمرار على الدعوة الى جهاد خيبر المعاصرة، أي دولة اسرائيل. وليس عبثا أن دعوته سبقت بأيام معدودة رشقة الصواريخ على بئر السبع، وهي رمز الى نيّة استعمال قطاع غزة لحرب من جديد بين الدولتين اذا تحققت رؤيا الاخوان المسلمين في السيطرة على مصر.