ليس القذافي وحيدا في التاريخ في قسوته. فقسوة القادة وعنفهم على شعوبهم صحبا تاريخ البشرية منذ الأزل. هكذا كان القيصر كليغولا، الذي ذبح الرومانيين بلا حد، وقام بحروب وعاش في بذخ لا حدود له بل انه أوصى مجلس الشيوخ بتعيين حصانه قنصلا، الى ان قُتل في سن الثامنة والعشرين على أيدي حرسه الشخصيين. وفي العصر الحديث، في قلب التنور الاوروبي، انشأ القرن العشرون أدولف هتلر الذي جعل جنون معاداته للسامية نظرية العِرق الأسمى النازية وعبّر عن تساؤله بصوت عال: "لست أرى لماذا لا يستطيع البشر أن يكونوا قُساة كالطبيعة". يمكن ان نشير في التاريخ اليهودي ايضا الى قادة كانوا مصابين بجنون العظمة ولم ينفروا من القتل بدم بارد. وقد عبّر جنون عظمة هورودوس عن نفسه ايضا بعقدة وسواس المطاردة والقتل الجماعي. إن هورودوس الذي كان ملكا برعاية من الرومانيين، خشي تمردا يهوديا وقضى على جميع أولاد الحشمونائيين وعلى زوجته بل على أبنائه. في ايامنا ايضا ما زال جهاز بقاء الدولة لم ينضج ليصبح نظاما عالميا من المعايير، وما يزال يسيطر عليه وضع الطبيعة لقانون الغاب. صمت العالم عندما تم تلقي تقارير في نفس وقت ارتكاب فظائع واعمال قتل لملايين في كمبوديا أو رواندا أو السودان. وقد غفر العالم لمعمر القذافي الذي أصبح الجزار من طرابلس، غفر له اعمال ارهاب جماعية واغتيالات، وسكت لاحمدي نجاد عن القمع الدامي لأبناء شعبه وتهديده بالقضاء على دولة اسرائيل. إن العالم المنظم قد حفر لنفسه بيديه قعر بئر حضيضه الاخلاقي: فقد أصبح القانون الدولي بنفاق ورياء وهو الذي يرمي لحماية حقوق الفرد، أصبح جهازا سياسيا لسلب الشرعية (موجها على اسرائيل خاصة)، عندما تم انتخاب ليبيا وايران بأكثرية كبيرة لقيادة مجلس حقوق الانسان ولجنة تقديم مكانة المرأة في الامم المتحدة. والآن ايضا بقي العالم سلبيا إزاء ما يجري في ليبيا وذلك في الأساس لاسباب مصلحية. في خلال ذلك تبين الجماهير في العالم العربي ان الملك الذي نصبوه عليهم – وهو سلطة فاسدة تستعمل تهديدات متوهمة بعدو خارجي – هو في الحقيقة أكبر تهديد لوجودهم باعتبارهم مجتمعا وأفرادا. والعالم الغربي الذي يغرق هو نفسه في ازمة اقتصادية ويضيع حيويته، نجح في أن يهب للمجتمع العربي تقنية الانترنت لكن يصعب عليه أن يوجه معجزة تمرد الجماهير في الدول العربية. إزاء عاصفة الباحثين عن الحرية من العرب ما تزال الولايات المتحدة والغرب يتلعثمان بصيغ السلامة السياسية من غير ان يُحذرا من خطر الأسلمة والجهاد. وفي شبكات اجتماعية على الانترنت يتم تنظيم عاصفة هوركان الاخوان المسلمين والجهاد العالمي الذين يدعون الى انشاء الخلافة الاسلامية من جديد فوق ثلاث قارات. لبعث الحياة من جديد في الرؤيا الكونية لـ "عائلة الشعوب" سيحتاج العالم المنظم برئاسة الولايات المتحدة الى أن يحدد بصراحة هوية عناصر الطغيان والقمع والقتل في الشرق الاوسط من غير أن يتلعثم بالحديث عن عنف وجريمة عابرين مثل "القتل داخل العائلة".