عندما ظهر معمر القذافي يوم الجمعة على سور الساحة الخضراء في وسط طرابلس وحاول اثارة حماسة الجمهور بدا مثل تشاوتشيسكو قبل لحظات من حسم مصيره. ولكن رغم الخطاب الحماسي، الاحساس في الشارع هو أنه يعيش على زمن مستقطع. "ربما يكونوا يسيطرون في هذه الساحة، ولكن في الاجزاء الهامة من المدينة فقدوا السيطرة"، يوضح لاحد سكان ليبيا وقف في الماضي الى جانب الطاغية. "لم يعودوا يسيطرون في المنازل، لم يعودوا يسيطرون في قلوب العائلات وفي عقول اغلبية الشعب الليبي". في العالم ايضا التقديرات هي أن عهد القذافي يقترب من نهايته. صديقه المقرب، رئيس وزراء ايطاليا سلفيو برلسكوني قدر أمس بان "هذه ساعاته الاخيرة، القذافي لم يعد يسيطر على ليبيا". كما أن محمد الهوني، سفير ليبيا في الجامعة العربية الذي استقال من منصبه في اعقاب العنف ضد المتظاهرين، قدر بان هذه "معركة البقاء الاخيرة للقذافي". آمن في بيتهولكن المحللين والخبراء في الشؤون الليبية يحذرون من أن "معركة البقاء قد تصبح حمام دماء يجريه الحاكم وانجاله بحق معارضي النظام". في نهاية الاسبوع حذر القذافي من ان "ليبيا الخضراء ستصبح ليبيا الحمراء بسبب أنهار الدم التي ستنسكب فيها". وعندما وقف مساء يوم الجمعة على سور الساحة الخضراء دعا مؤيديه الى الرقص والغناء وقضاء الوقت حتى الصباح قائلا: "اذا كان الشعب لا يحبني، فلا أستحق الحياة ولا حتى يوم واحد". عندما يتجول المرء في طرابلس يصعب عليه توقع المستقبل. فالمتظاهرون والسلطة على حد سواء يحاولون نشر معلومات مضللة. كل محاولة للوصول الى المستشفيات او الى غرف الموتى تلقى الرفض. وعلى الاقل وزارة الدعاية الليبية لا تزال تعمل: في جولة صحفية خاصة نظمتها أُخذنا الى الساحة الخضراء، حيث حاول رجال القذافي الاثبات بانه خلافا للتقارير، فان احدا لم يقتل فيها. كل محاولة للتحرك في طرابلس دون مرافقة قد تكون خطرة. وحدات من الجيش ثائرة الاعصاب اوقفتنا، وفقط بعد أن اجروا تفتيشا على السيارة سمحوا لنا بمواصلة السفر. في وسط طرابلس يمكن ان نلاحظ مفتشي البلدية، وحدات من الشرطة، ميليشيات تخضع للقذافي وعملاء في الجهاز السري يتجولون بلباس مدني.حسب التقارير في ليبيا، فان القذافي وثلاثة من ابنائه، المعتصم، سيف الاسلام وسيف العرب يتمترسون في المعقل العائلي في باب العزيزية في الحي الجنوبي من طرابلس. وحول النطاق العائلي – الذي يقع على 4 كيلو متر مربع ومحوط باسوار من الاسمنت المسلح – يبدو ملموسا تواجد عسكري كثيف. وقدر أمس الصحفي الليبي اسماعيل محمد بانه "من الان فصاعدا القذافي وابناؤه لا يسعهم الخروج من النطاق". وحسب اسماعيل، فان المتظاهرين باتوا يسيطرون على 84 في المائة من ليبيا، بما فيها على آبار النفط في الصحراء وبعض الابار في بنغازي. القذافي لا يزال يسيطر على اجزاء من طرابلس ومدينة سيرت. وخلافا للتقارير في "الجزيرة" و "العربية" فان المطار العسكري بقي تحت سيطرة القذافي، وفي محيطه حراسة مشددة. وفي هذه الاثناء يبدو ان الابن سيف الاسلام ارسل لنقل رسالة: عندنا الخطة أ، الخطة ب والخطة ج، وفي الثلاثة السيناريو مشابه: "البقاء في ليبيا، والموت في ليبيا"، قال. وبالمقابل حاول تهدئة الخواطر ووعد بدفع 400 دولار علاوة لكل عائلة في ليبيا. بل انه تعهد بان "حتى يوم غد سننهي هذا الموضوع"، ودعا المتظاهرين الى ادارة مفاوضات مع الحكم قائلا: "لن يكون لليبيا مستقبل اذا لم نصل الى اتفاق". في نفس الوقت فان ابن آخر للقذافي، خميس، قائد الوحدة المختارة "كتيبة 32" يستخدم مئات المرتزقة لقتل معارضي الحكم. وانتشر المرتزقة خارج مدن طرابلس، سبها وسيرت وتلقوا تعليمات بفتح النار على السيارات والمارة ممن يحاولون الخروج أو الدخول الى المدينة. "القذافي سيموت مثل هتلر ولكنه قد يستخدم سلاحا كيماويا ضد ابناء شعبه"، حذر أمس وزير العدل المستقيل. في طرابلس، على الاقل في هذه اللحظة، يبدو أن رجال القذافي يفضلون اطلاق النار على الجمهور من السلاح الخفيف. المؤكد هو أن القذافي زعيم يائس وخطير يدعو الى الكفاح الاخير، الذي قد يكون هداما. المعركة الاخيرة في ذروتها.