لأحداث الشغب في البحرين تاريخ طويل، وقبل بضعة اشهر فقط انتهت جولتها الاخيرة. أُجريت أول أمس أكبر مظاهرة في تاريخ البحرين – فقد احتج على السلطة 100 ألف من 800 ألف من السكان. إن المواجهة في البحرين تدل أكثر من كل شيء على نقل مركز النشاط التحريضي الايراني من لبنان الى الخليج. إن سقوط البحرين في يد ايران سيكسر التعادل في الحرب القديمة بين القوى الفارسية والعربية على شبه الجزيرة العربية. كشفت وثائق "ويكيليكس" التي نشرت في المدة الاخيرة عن قوة خوف زعماء العالم العربي من نشاطات ايران في الخليج الفارسي. وليس عرضا ان اقتُبس من كلام ملك السعودية انه يشجع هجوما امريكيا على ايران. منذ وقعت أحداث الشغب التي بدأها السكان الشيعة في شرقي المملكة في 1979 – 1980، شعرت السعودية على جلدها بالتأثير الايراني. وليس عرضا أن الشيعة يلعبون دورا مهما في مظاهرات البحرين ايضا. إن نقطة التحول في سلوك الجماعات الشيعية في الشرق الاوسط قد وقعت في الاول من شباط 1979، يوم عاد الخميني الى ايران. رأى الخميني ان دور ايران هو ان تساعد على تغيير حكومات مسلمة لا تعمل بحسب الصراط المستقيم. ومع تولي السلطة أرسل زعيم ايران الى الأقليات الشيعية في المنطقة مبعوثين شخصيين جاءوا بأمر الثورة وتحدثوا باسمه وعلى لسانه. وقد أرسل الخميني الى البحرين هادي المدراسي، الذي عاد قبل سنين الى مسقط رأسه مدينة كربلاء في العراق وما زال يعمل هناك. لوحظ تأثير المدراسي فورا، وفي سنة 1981 تمت في الدولة محاولة انقلاب فاشلة. وفي دول اخرى ايضا بدأ التحريض الايراني يؤتي ثماره: ففي 1984 نُفذت سلسلة عمليات شيعية في الكويت وأُنشئت في لبنان منظمة حزب الله، سيطرت على الدولة وعلى مؤسساتها تحت غطاء مقاومة اسرائيل. ترى ايران ان المشروع اللبناني قد بلغ نهايته. فحزب الله يُملي اليوم برنامج العمل السياسي في الدولة وهوية من يرأسها. بل من المعقول حتى أن نفترض ان ايران لن تحول في 2011 نفس المبلغ الذي حولته الى حزب الله في 2010 – أي نحوا من 1.2 مليار دولار – بل ستشجع المنظمة على تجنيد اموالها من موارد الدولة اللبنانية. إن البحرين هي الجائزة التالية التي تطمع فيها ايران. فالحديث عن دولة رئيسة في الخليج وحليفة قريبة للسعودية. يربط بين الدولتين جسر وحدود مفتوحة، وقد اعتاد مواطنون سعوديون منذ سنين الخروج "للاسترواح" في البحرين. إن سقوطها في يد جهات موالية لايران سيشعل حريقا في شبه الجزيرة العربية ويثير الجماعات الشيعية في المنطقة التي حافظت على هدوء نسبي في العقدين الاخيرين. ستكون هذه ضربة قوية لا للسعوديين ولدول الخليج فقط بل للغرب ايضا. عُقد قبل بضعة ايام اجتماع في مستوى وزراء الخارجية لمجلس التعاون الخليجي في البحرين، باعتباره خطوة مشايعة اقليمية لنظام الحكم في الدولة. لكن الرسالة الحقيقية وُجهت الى واشنطن: أرادت دول الخليج أن تُبين للامريكيين انه لا بديل عن البحرين وأنها موحدة من ورائها. إن الصراع القديم بين الفرس والعرب وبين الشيعة وأهل السنّة قد شُحن في العصر الحالي بمعنى خاص، وهزيمة القوى الموالية للغرب هي خطر واضح على المنطقة كلها. لا تستطيع اسرائيل والولايات المتحدة وسائر دول الغرب أن تسمح لنفسها بفقدان البحرين.