الحقيقة الوحيدة الآخذة في الاتضاح ضمن وابل التحليلات عن العاصفة في العالم العربي، هي أنه لا توجد لدينا أي قدرة على تفسير هذه العاصفة. كيف سنشرح الثورة ضد معمر القذافي، اذا كنا لا نستطيع أن نفهم موافقة مواطني ليبيا على طغيان الطاغي الفاسد هذا على مدى أكثر من أربعين سنة؟ كيف سنخمن فرص عودة عائلة مبارك الى القاهرة اذا لم تكن لدينا فكرة عما يحرك الجيش المصري، الموالي ظاهرا للعائلة المنحاة؟ واستنادا الى ماذا سنحاول قياس تأثير الاسلام الاصولي على الحدث الجاري حولنا، اذا لم يكن في أيدينا غير مقاييس غربية وعلمانية، غير قادرة على أن تحتوي مثل هذه المواد؟ مساحة الفهم الاسرائيلي اتسعت بشكل كبير، الحمد لله، منذ أن اعتبر العرب – كل العرب – في نظرنا مثل أمثالهم، الاشرار منذ الولادة والمتخلفون بطبيعتهم، في سلسلة قصص الاطفال القديمة "حسمبا". انقضى ايضا عصر البراءة والتعالي الذي اتخذ فيه العرب أساسا صورة كلاسيكية كتلك التي انتشرت كثيرا بعد حرب الايام الستة، وظهرت فيها الكثير من الاحذية العسكرية متناثرة في ميادين امعركة بعد أن خلعتها الجيوش العربية وفر جنودها لنجاتهم. في تلك الايام بدا لنا العرب ليس فقط جبناء وتعساء بل وأيضا متخلفين يفضلون الفرار من ميدان المعركة بقدمين عاريتين. اليوم نحن بتنا نعرف بانه يمكن للمرء أن يكون حافي القدمين وجريئا وذكيا في نفس الوقت. وهازىء من يهزأ أخيرا. من جهة اخرى، علمتنا التجربة بان العرب المحتذين أيضا، والمرتدين للبدلات الغربية، لا يعملون حسب الرموز الاخلاقية المعروفة لنا ونواياهم غير قابلة بالتالي للفهم او التوقع. قد يكون هذا مشوشا للعقل، ولا سيما حين يتكلم العرب الانجليزية او يستخدمون، مثلما في ثوراتهم الحالية، الايفون والفيس بوك. ظاهرا، كلنا سكان متشابهون في ذات القرية الانترنيتية، تظللنا أجنحة ذاك المارك تسوكربرغ اليهودي والامريكي، ونتطلع الى ذات قيم السلام والديمقراطية الحرة. الاغراء في ادخال العالم العربي الى سياقات غربية وعلمانية وتفسير العرب حسب طريقة "ما كنا نحن نريده/نفعله لو كنا مكانهم"، هو اغراء كبير – إذ ان هذه هي الطريقة التي من خلالها طور اليسار الاسرائيلي "حل الدولتين" الشهير. حل كان رجال اليسار الاسرائيلي سيتبنوه طواعية، بل وبسرور، لو كانوا "محل العرب" – غير أنه ما العمل، ليس لديهم أي قدرة على الوصول الى محل العرب؛ فما بالك أن يكونوا فيه. العالم العربي ينقلب رأسا على عقب، وكذا عالمنا أيضا. الارض التي تهتز تحت الدول المجاورة تهتز أيضا تحت اسرائيل، المجاورة لها، ليس فقط بالمعنى الجغرافي. غير أن آثار هذه الهزة على افعالنا، الان وفي المستقبل لا يمكننا أن نحل لغزها الا من خلال التخلي عن المفاهيم القديمة، الا اذا اعترفنا بالواقع الذي كان فيه العالم العربي – الاسلامي وسيبقى مثابة عالم موازٍ لن يلتقينا حقا حتى وإن استجاب، على طريقته، لعروض صداقتنا في الفيس بوك. يكفي النظر في ما يحصل الان في الشرق الاوسط كي نفهم باننا لا نفهم شيئا.