خبر : في جانب المحرَّرين: بحر مظاهرات في مصر/بقلم: عميره هاس/هآرتس 23/2/2011

الأربعاء 23 فبراير 2011 12:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
في جانب المحرَّرين: بحر مظاهرات في مصر/بقلم: عميره هاس/هآرتس  23/2/2011



 في التفاوض يوم الاثنين مساء، بين ممثلي "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" وبين منظمات الخامس والعشرين من كانون الثاني، توصل الطرفان الى اتفاق على المظاهرة في ميدان التحرير التي تم التخطيط لها منذ يوم الاحد: المظاهرة التي سيدعون فيها الى إقالة حكومة احمد شفيق، ستتم يوم الجمعة لا يوما قبله كما خُطط. بدل ذلك، ستجري مظاهرة تأييد ازاء سفارة ليبيا تأييدا للانتفاضة الليبية. هذا البدء المرتب اذا اكتفينا به، يضيع تفاصيل كثيرة تركب صورة وضع قاهرة الثورة. قبل كل شيء، وفي لحظة كتابتها (يوم الثلاثاء صباحا)، كان يجري نقاش متأثر فوق صفحات الفيس بوك – غضب فيه كثيرون لتأجيل المظاهرة. مع كثرة الجماعات التي أحدثت الثورة (أو نشأت على إثرها) لا توجد قيادة واحدة مخولة. إن المبادرة الى مظاهرة أصبحت عملية مقبولة سلفا. وأصبح الغاؤها اشكاليا. وثانيا، تقرر يوم الجمعة منذ زمن ان يكون يوما ثابتا للمظاهرات، حتى يتم احترام مطالب الثورة. وثالثا، المظاهرات ازاء سفارة ليبيا، في حي الزمالك، أصبحت أمرا راتبا في الاسبوع الاخير ايضا. في يوم الاحد تمت هناك مظاهرة لنحو من 300 شخص. وظهرت دبابة بعد ساعة أو ساعة ونصف من بدئها. قال جندي: "أنتم تشوشون على النظام". قال المتظاهرون: "ربما، لكنهم في ليبيا يقتلون بشرا وهذا أهم". واستمروا في التظاهر. قبل ذلك ببضعة ايام أُجريت مظاهرة ازاء سفارتي الجزائر والبحرين (المتجاورتين). تجرأ عدد من رجال الشرطة على الظهور (فمنذ كانت المحاولة الفاشلة لقمع المتظاهرين بالقوة، كادت الشرطة تلتزم العمل السري. وفي اماكن كثيرة ما يزال جنود الشرطة العسكرية يؤدون دور شرطة السير). قال واحد منهم للمتظاهرين فقط: "ليس من الجيد انكم تقولون لعبد العزيز بوتفليقة (رئيس الجزائر) "تبخر". ألا يكفي ان تقولوا "إرحل"؟". بعد ذلك سار المتظاهرون نحو سفارة ليبيا، وعبّر السابلة والجالسون في البيوت عن تأييدهم بالابتسام. أيعني هذا أن تكون مظاهرة صغيرة في التحرير، لمعارضي الخلع، ومظاهرة اخرى ازاء سفارة ليبيا؟ لا نعرف. هذا جزء من الكثافة السياسية – الثورية هنا. لثوار الخامس والعشرين من يناير قائمة مطالب يطرحونها بكل صورة ممكنة: بالمظاهرات والفيس بوك، والمنشورات واللقاءات. اليكم بعض المطالب: الافراج عن معتقلي الثورة، والافراج عن السجناء السياسيين، والغاء قانون الطواريء المعمول به منذ ثلاثين سنة، وحل جهاز "أمن الدولة" (جهاز الاستخبارات في وزارة الداخلية)، وتنحية الحكومة برئاسة شفيق (وهو صديق مقرب لمبارك)، واقامة حكومة تكنوقراط للفترة الانتقالية، ومحاكمة المسؤولين عن قتل المتظاهرين، والتحقيق في اعمال الفساد وتلقي الرشوة ومحاكمة مشاركين في الفساد. يستجيب الجيش والحكومة بالتدريج لمطالب اخرى. فقد نشر أول أمس مثلا أن النائب العام يطلب الى وزارة الخارجية ان تطلب رسميا الى دول اجنبية ان تُجمد أملاك مبارك. وفي يوم السبت أعلن الجيش الافراج عن 55 من معتقلي المظاهرات ويعد بالافراج قريبا عن الآخرين. ويحاول رئيس الحكومة شفيق ان يُهديء المتظاهرين بخطوات مختلفة: فهو يُعين نشطاء من احزاب المعارضة، ويحاول تعيين اشخاص ذوي شعبية أو ممن برزوا زمن الانتفاضة (يرفضون الاقتراح لانهم يشعرون بأن "الشارع" لا يثق بالحكومة التي عيّن مبارك رئيسها وما زال يتولى المناصب فيها وزراء من الحكومة السابقة). في يوم الاحد مساء بدّل شفيق عددا من الوزراء في حكومته. لا داعي لذكر الأسماء – فلا أحد يتوقع ان يصمدوا زمنا طويلا. وعلى كل حال لم يُبدّل الوزراء الكبار. في ظهر يوم الاثنين، تغلبت صيحات موقعة على ضجيج السيارات وأبواقها في شارع قصر العين. أي مظاهرة اخرى بطبيعة الامر. ماذا كان هذه المرة؟ أجرى عدة عشرات من التقنيين مظاهرة قرب مبنى الحكومة زمن اجتماعها وطلبوا عملا يلائم مؤهلاتهم. وقبل يوم من ذلك فقط استُقبلوا لحديث الى وزير التعليم العالي. وفي الغد تبين لهم انه تمت إقالته، وجلس الآن ممثلون عنهم مع الجديد – كما قالوا. وسُئلوا عما قاله الوزير الذي أُقيل. أجاب أحدهم بدل الجواب بالتقليد وقلّد قرودا ثلاثة: أحدها لا يرى والثاني لا يسمع وآخر لا يتكلم. من لم يرَ في الفيس بوك، أو لم يتجول حتى ميدان التحرير، تعلم من مواقع الأخبار في يوم الثلاثاء انه في نفس الساعة بالضبط تظاهر عدة مئات من رجال الشرطة في الميدان، طالبين رفع أجورهم واعادة رجال الشرطة الذين أُقيلوا الى عملهم. وقد اصبحت مظاهرات رجال الشرطة – الذين أُرسلوا منذ زمن ليس بالبعيد لتفريق المظاهرات – مشهدا مألوفا في القاهرة الثورية – بلا رخصة وبلا خوف. "هل تظاهرتم قبل الخامس والعشرين من يناير؟، سألت المتظاهر المقلّد. "ربما قليلا لكننا خفنا. والآن لا يوجد خوف"، أجاب. يمكن حقا لمس اختفاء الخوف من الشوارع والحوانيت والمقاهي وسيارات الأجرة وصفحات الصحف وبرامج التلفاز. أعلن الجيش أكثر من مرة أن الاضرابات تضر بالاقتصاد الوطني ويجب ان تتوقف وطلب وقفها. كان من استنتجوا ان الجيش كما هي حال الجيش قد "هدد". لكنه تأتي تقارير كل يوم عن اضراب أو احتجاج في مكان عمل – ويتبين ان الجيش لا يتجرأ على استعمال القوة. هذه رسالة مهمة للسوداويين، الذين قالوا سلفا إن الجيش أجرى احتيالا وأن الثورة سُرقت ولا يوجد ما يمكن فعله. لم تنته المسيرة، والجمهور الذي أسقط مبارك لا يتخلى كما برهن على ذلك مثلا العاملون في سبع محطات توليد طاقة الذين أعلنوا اضراب تشويش في اماكن عملهم كي لا يقطعوا اعمالا حيوية. وهم يطلبون اقالة مديرين فاسدين في زعمهم، في وزارة الكهرباء، وعقود عمل دائمة، ورفع الأجور وزيادة الأجور عن المخاطرة. في عشرات السنين الاخيرة لم ينكشف المصريون لهذه الوفرة من المعلومات ذات المضمون والمعنى، التي ليست أخبار دعاية لانجازات مصر ومبارك. تتبدل المعلومات سريعا، ولا يمكن استيعابها وفهمها كلها أو متابعة كل معلومة. في خضم التقارير كلها عن التحقيق مع مسؤولين كبار متهمين بالفساد، برز هذا الاسبوع نبأ عن ارسال القاضي محمد عطية الى لجنة تحقيق. إن عطية ابن الواحدة والاربعين، هو نائب رئيس مجلس الدولة، وهو الجهة القضائية العليا التي تقضي في حالات نزاع في ادارة الدولة. أمر بالتحقيق رئيس المجلس، محمد عبد الغني، بسبب مشاركة عطية في الثورة. ساعد عطية المتظاهرين في الميدان على صياغة مطالبهم وعمل متحدثا. وأعلن عطية من جهته انه مستعد لخسارة عمله "اذا كان هذا ثمن تحقيق الاصلاح". أما رئيس المجلس فمتمسك بالقوانين. من جهة ثانية، تم وقف التحقيق مع الضابط احمد شومان الذي وضع سلاحه وانضم الى الثوار. في الفيس بوك انضم آلاف طالبين العفو عن الضابط والعفو عن آخرين سلكوا سلوكه. والنبأ عن استجابة مطالبهم ايضا قد عُلم عن طريق الفيس بوك قبل كل شيء. قبل خمسة ايام قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الانضمام الى وسائل الاعلام مع الجمهور بالطرق المعمول بها اليوم، وفتح صفحة على الفيس بوك. وقد أبلغ في هذه الصفحة أوامر رئيس المجلس بتعليق التحقيق. بعد نحو من اسبوعين من نجاح المصريين في إبعاد مبارك ما يزالون يفحصون كل يوم عن القوة التي يملكها كل واحد منهم على حدة، وفي جماعة. وهم يتناقشون طوال الوقت في كل سبيل ممكنة ما الذي يجب فعله وهل يجب فعله بعد. وهم يعلمون ان الثورة لم تنته لكنهم يوسعون في كل لحظة حدود ديمقراطيتهم المدنية. اليكم تحديثا ليوم الثلاثاء بعد الظهر: تمت مظاهرتان. احداهما قبالة سفارة ليبيا، والثانية في ميدان التحرير.