تعلمنا طوال السنين في أفلام السينما كيف تندفع الحمم من فوهة البركان: في أكثر الحالات تجري بطيئة، في جداول صغيرة، تبحث عن طرق للجريان من رأس الجبل الى أسفله – آنذاك وفجأة، على الأقل في أفلام السينما، ترتفع الحمم الى أعلى، تلفها النار والدخان، في آلاف الأطنان من الرماد. في أفلام السينما تدفن الحمم القرى عند أسفل الجبل في الوادي، ويسأل سكان مذعورون استطاعوا الفرار: كيف لم نلحظ النار التي أخذت تقترب؟ وجداول الحمم المنصهرة التي تجري بين الجبال وبين الصخور؟ في أفلام السينما يبكي الناس أو يختفون على خلفية حمراء من ألسنة اللهب. وتكون نهاية الفيلم. واسم المخرج والمنتج ومساعدي المصور وخبير الاضاءة. يقوم المشاهدون المذعورون من مقاعدهم وينصرفون الى بيوتهم. كانت النيران الفتاكة كافية ليوم لذة واحد. الايرانيون يشبهون الحمم الجارية بين المنحدرات والصخور البركانية حتى يرتفع عمود النار الى ارتفاع مئات الأمتار. يريدون التوصل الى الهيمنة في الشرق الاوسط، ويفعلون ذلك كما تمارس القنافذ الجنس: في حذر وتوجس. انهم ما يزالون في مراحل النار الزاحفة في بطء، وليتنا نكون واهمين: فذات يوم مثل الحمم البركانية سيرتفعون الى علو كبير. سيكون الشرق الاوسط آنذاك في أيديهم. عندما يدور الحديث عن هيمنة ايران على الشرق الاوسط فان الخطأ الشائع هو اعتقاد أن من تستعملهم ايران بجلالتهم وعظمتهم يجب أن يدقوا أوتادا في ارض مصر أو ليبيا أو السعودية أو قطاع غزة أو جنوب لبنان. يعمل الايرانيون على نحو حكيم صحيح مع مبعوثين محليين، يحملون الآراء نفسها وهم اعضاء في نفس الفصيلة الدينية. وهم أنفسهم سيأتون من جهة مادية بعد ذلك. الحديث عن جو وعن صورة حكم وسلطة. والحديث عن تيارات دينية متطرفة. والحديث عن تأثير وحشد للجماهير. والحديث عن رجوع دول عربية عشرات السنين والأجيال الى الخلف، الى ايام قاتمة مظلمة، والى عادات قد انقضى زمانها، والى إبعاد أقدام الغرب عن سوق الشرق الاوسط. إن الجو المتطرف والديني والاسلاموي، يُبعد الدول العربية والخليج الفارسي عن اسرائيل أكثر وعن مسيرة السلام أصلا. من الجيد والمهم أن نتذكر انه كان لاسرائيل في منتصف التسعينيات سبع مفوضيات في عواصم بلدان عربية – واليوم، بعد القضمات الايرانية، أصبح لنا مفوضيتان (في القاهرة وعمان) فقط، محاطتين بحراس ودبابات. إن مسيرة تمغرب دول عربية كثيرة قد قُطعت مرة واحدة، وحلت محل أثواب "إتش آند إم" الجلابيب السوداء وعاد القرآن ليكون كتاب الكتب الذي يُسيّر كل شيء. كل شيء. من الفضول ان نذكر هنا مصر التي تخلع في هذه الايام صورة العلمانية والتمغرب وتلبس صورة جديدة تنافس الآن الصور الآتية من طهران. وفي لبنان تسيطر حكومة تتولاها ايران. والاضطرابات الحالية في البحرين هي ثمرة أفعالها. وتركيا تساندهم. وحتى لو شاجرتهم ذات يوم فان المحور المعتدل الموالي لامريكا من البلدان العربية قد حُطم. مثل أحجار الدومينو تسقط دول الخليج وكذلك ليبيا واليمن أمام القوة غير المرئية لايران التي تأتي تحت جناحها بـ "الحريدية" والتطرف، في حين أن الهدف الرئيس هو القضاء على السلام وجو المصالحة والتفاوض مع اسرائيل. وليست البلدان المحيطة بنا وحدها هي التي تجري الحمم في منحدراتها بل البيوت القريبة منا – خلف الحدود، فقد أصبح الايرانيون دقوا أوتادا في قطاع غزة وجنوب لبنان. أصبحت ايران هنا. وماذا يفعل الغرب في مواجهة التطورات الاستراتيجية والثورية المهمة التي تحدث ازاء نواظرنا؟ إن الرئيس اوباما، الذي اخطأ خطأ شديدا بالاجراء الامريكي ازاء الثورة في مصر، ما زال يعتقد ان خطبه الفصيحة ستوقف دواليب الهواء الايرانية عن ان تطأ الشرق الاوسط. بقي لنا نحن الاسرائيليين فقط أن نتلفظ قائلين برعب الويل لنا وننشد بصوت عال: "أشيروا علينا". لانه ما الذي بقي لنا نفعله في هذا الوضع الصعب؟ ان نحافظ فقط على الروح المعنوية وننشد بصوت عال.