تطور الديمقراطية الاسرائيلية مرحلة بعد مرحلة طرازا جديدا لخريطة سياسية. ليس في هذه الخريطة يمين يواجه اليسار، ولا يوجد اشتراكيون ديمقراطيون في مواجهة مؤيدي السوق الحرة، ولا يوجد ليبراليون في مواجهة محافظين. وليس ما يدعو دعوة واضحة الى التصويت لهذا الحزب أو غيره. أوضح شالوم سمحون أن تاركي حزب العمل وفيهم زعيمه السابق موجودون الآن "بين كديما والليكود". كم من المكان يوجد هناك بين هذين الحزبين؟ هل يوجد مكان ما هناك؟. اذا خلطنا بين اعضاء هذه الاحزاب وحاولنا ترتيبهم من جديد بحسب مواقفهم أو مواقعهم في الطيف السياسي من اليسار الى المركز ثم الى اليمين، فسيكون من الصعب جدا أن نرد الاحزاب القديمة الى نقطة البدء. وقع الجميع على خطاب بار ايلان لنتنياهو لكن سلف نتنياهو الذي جاء من كديما ايضا لم يُحرك المسيرة السياسية خطوة واحدة بل خرج لحربين. وقدّم حزب السوق الحرة لجنة شيشانسكي، وحارب وزير الاتصالات من الليكود أرباب المال الجدد للسوق الخلوية، في حين اشترى زعيم حزب العمل (سابقا) شقة بعشرات ملايين الدولارات ولم يسمع قط عبارة "برنامج عمل اجتماعي". هكذا نشأ خلط اسرائيلي غير ممكن: نظام متعدد الاحزاب واحد الفكرة. طيف احزاب مركز – يمين الفروق بينها خطابية في أحسن الحالات. أيسار؟ تقول تقارير مختلفة في وسائل الاعلام ان بيرتس ورفاقه في الطريق الى كديما، وفقد ميرتس في الانتخابات الاخيرة نائبين لان ناخبيه أرادوا وقف نتنياهو وصوتوا لتسيبي لفني وهي ابنة عائلة محاربة. ثم احزاب تمثل الخريطة السابقة مثل ميرتس والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة من اليسار والبيت اليهودي والاتحاد الوطني من اليمين، لكن اليسار التقليدي واليمين التقليدي اللذين ملأ ممثلوهما ذات مرة 80 في المائة من مقاعد الكنيست، يشغلون اليوم 10 في المائة في أحسن الحالات. وثمة ايضا ليبرمان. الحديث بمفاهيم معينة عن يمين متشدد (قانون الولاء وما شابه)، وبراغماتي بمفاهيم اخرى (تبادل الاراضي)، وليبرالي بمفاهيم اخرى (عقد الزوجية)، وهو متعلق تماما بشخص واحد تنفذ الامور بحسب ما يقول – وليس هذا ضمانا على الخصوص لحياة سياسية طويلة. أأنتم في بلبلة؟ نحن ايضا. بحسب ماذا سيصوت مواطنو اسرائيل في الانتخابات القادمة وليس عندهم زعيم واحد يُبين عن طريق واضح ووراءه حزب يمثل طريقا واضحا؟ تتضاءل أدوات ذلك عندهم شيئا فشيئا. في الولايات المتحدة القائمة على نظام حكم فيه حزبان في الأساس لهما برنامج عمل حتى لو كان واسعا بقدر كاف ليشمل طبقات واسعة، يحدد التراث الامور جدا. فالناس يصوتون قبل كل شيء بحسب تراث بيئتهم الاجتماعية وعائلتهم واصدقائهم. ويقع في المكان الثاني الزعيم الذي يكون احيانا شخصية عرضية نجمت من خبايا مجلس النواب أو الشيوخ. إن التراث هو العامل المتقدم في أكثر الديمقراطيات التي نعرفها ولا سيما في اوروبا. فماذا عندنا؟ كيف يمكن ان نبني تراثا عندما يختفي حزب تقليدي ذو حقوق كبيرة كحزب العمل، وينافس في الحكم حزب موجود منذ خمس سنين فقط ومؤسسه في غيبوبة منذ اربع سنين؟ أربما يكون الزعيم هو المفتاح؟ يتحدث ليبرمان الى قطاع ما باعتباره زعيما. وسيحاول درعي كما يبدو ان يحقق طاقته الكامنة في الانتخابات القادمة. وعندما نلتفت الى الباقين نرى ان التصويت سيكون في مواجهة زعيم يبغضونه لا من اجل زعيم يؤمنون بنهجه. يجب ألا نندب الديمقراطية الاسرائيلية. إن لها أعداء ظاهرين وآخرين مخفيين في الأساس لكن لها ايضا قاعدة متينة. لكن ينبغي ان نخاف من المواد المصنوعة منها جدا. ان ديمقراطية لا تقوم على صراع بين خيارات واضحة تعرض طرقا سياسية مختلفة في شتى المجالات هي ديمقراطية مبلبلة، ولن نقول مريضة بمرض أخذ يصبح مزمنا.