بعد وقت قصير من بدء ولايته كرئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي، حصل تعبير "فوارق اجتماعية" على معنى حقيقي. من ناحيتي لم يكن هذا مجرد عنوان آخر في الصفحات الاقتصادية او حالات موضعية وجهتها اليّ ضابطة الشؤون الاجتماعية في الوحدة. النبأ في أن هناك جنود شبان يصلون في سيارات فاخرة الى قاعدة وزارة الدفاع في تل أبيب، بينما رفاقهم في الوحدة يعودون الى بيوتهم ليجدوا ثلاجات فارغة، قضت مضاجعي حتى في السنوات التالية لذلك، وأكدت عندي أكثر فأكثر اهمية تقليص هذه الفوارق كتحدِ وطني – اجتماعي من الدرجة الاولى. في العصر الذي أخذت فيه الطبقة الوسطى تتقلص في صالح الثرى الفاحش او الفقر المدقع، علينا أن نفهم باننا اذا لم نعالج المشكلة، فبعد عقد من الزمان، بل ربما أقل من شأننا ان نجد أنفسنا في شرخ اجتماعي كبير يهدد استمرار ازدهار الدولة. قضيت معظم حياتي الراشدة في البزة العسكرية والانشغال بالامن ليس غريبا عني، ولكن لا شك في قلبي بان تلك الفوارق وانعدام العدالة الاجتماعية تعرض للخطر أكثر بكثير وجود اسرائيل من مجرد شاحنة اخرى محملة بالصواريخ تشق طريقها من دمشق الى بيروت. اقتصاد السوق الحرة اثبتت نفسها امام كل النظريات الاقتصادية الاخرى، ولكن ذات الاقتصاد يستدعي ايضا حساسية اجتماعية، بالتأكيد محظور أن تسمح باستغلال العمال لدرجة ان يصبحوا فقراء. ثمة حالات لا حصر لها نتعرض فيها لضرر شديد بالعمال وبحقوقهم، سواء في معاملتهم، الاستخفاف باحتياجاتهم الانسانية وبشروطهم الاجتماعية، دفع رواتب مخجلة ومحاولة منعهم من الاتحاد في سبيل الكفاح في امور اساسية هم جديرون بها، بفضل كونهم، قبل كل شيء وفوق كل شيء، بشر معنيون باعالة عائلاتهم. غير قليل من المحافل في السوق الحرة تنسى احيانا بانه خلف السروال الازرق على خط الانتاج او البزة من وراء الصندوق يوجد بشر. كل هدفهم هو نيل الرزق بكرامة، واحيانا، لشدة الاسف لا تكون الامور على هذا النحو. معاملة مخجلة مع اولئك العمال والعاملات من القطاعات الاكثر ضعفا في المجتمع تجعل حياتهم لا تطاق، وتثبط مشاعرهم تجاه الدولة. لشدة الاسف اضطر المشرع، من خلال نشاط مبارك لنواب ووزراء، القيام بالعمل من أجل اولئك الاشخاص. علينا أن نواصل الحرص والوقوف على أهبة الاستعداد دفاعا عن العمال من القطاعات الضعيفة ممن يعانون ليس فقط من أجر زهيد، بل وايضا من معاملة مهينة، والحرص على التقديم للمحاسبة ارباب العمل الذين لا يحرصون على معاملة نزيهة لهم. الرد الفوري على اوضاع من هذا النوع تجاه ارباب العمل الاستغلاليين يجب أن يكون قاسيا ولا هوادة فيه، ليس فقط من اجل الردع بل ايضا لان دولة محبة للحياة لا يمكنها أن تسمح لنفسها بمعاملة كهذه لمواطنيها. يخيل ان آية "لا تستغل أجيرا فقيرا يسكن في بلادك"، تلخص ذلك بالشكل الافضل. شخص تربى في عائلة فقيرة او تعرض لمعاملة تشغيلية مهينة تجاه المقربين منه يشعر بنفسه مغتربا عن الدولة والمجتمع. الاحساس بالجور سيرافقه على مدى حياته وقد ينعزل ويبتعد عن كل محاولة للمساهمة للعموم والتجند من أجلنا. في اثناء حياتي التقيت بغير قليل من المواطنين ذوي الطاقات الكامنة الكبيرة والرغبة الصادقة في المساهمة في المجتمع ممن ببساطة يئسوا. دولة اسرائيل هي خليط واسع من الفئات السكانية والقطاعات. وهذا هو تميزها. ولكن في هذا الهامش توجد قطاعات بعيدة في الخلف في كل ما يتعلق بالقدرة على نيل الرزق بكرامة. واجبنا هو ان نمنع ثبات هذا الوضع، والحرص على ان تتقلص هذه الفوارق الاجتماعية وتدفع بفئات سكانية كاملة الى دائرة التشغيل لتحصل هي ايضا ليس فقط على الرزق بل وعلى الاحساس بالتعاون والانتماء.