الاستفتاء الشعبي الذي جرى هذا الاسبوع حول استقلال جنوب السودان يشكل ضربة قاسية لاحد الانظمة الظلامين في العالم. النظام الاجرامي للجنرال عمر البشير سيضطر ليس فقط الى التخلي عن سيطرته على نحو ثلث اراضي السودان بل وايضا عن نصف، وربما أكثر، من مصادر النفط فيه، والتي سيضطر الى تقاسمها مع جاره الجديد من الجنوب. الضربة لحكومة البشير جاءت "بحق وليس بصدقة". فمنذ أن صعد الى الحكم في انقلاب عسكري في العام 1989، شغل البشير جيشه اساسا في اعمال الذبح، في ما حول بلاده الى احدى كبرى الدول الداعمة للارهاب الدولي. مراقبون كثيرون ليسوا على علم تام بحجم دور السودان في الارهاب الدولي. نقطة الانعطافة في الانتقال الذي قام به السودان الى دولة مؤيدة للارهاب وجدت تعبيرها في الحلف السياسي للبشير مع حسن الترابي، زعيم الجبهة الاسلامية الوطنية – الذراع السوداني لمنظمة الاخوان المسلمين. كانت هذه عمليا المرة الاولى التي يصل فيها الاخوان المسلمون الى الحكم في الشرق الاوسط (المرة الثانية كانت في العام 2006 في الانتخابات للسلطة الفلسطينية، حين صعدت حماس الى الحكم). على مدى السنين شكل السودان ملجأ لمعظم المنظمات الاسلامية المتطرفة، بدءا بالقاعدة وانتهاء بحماس. مثلا في نيسان 1991 استضاف السودان مؤتمرا مناهضا لامريكا فجمع تحت سقف واحد عناصر اسلامية متطرفة بما فيها حماس، الجهاد الاسلامي، مجاهدين افغانيين واسامة بن لادن الذي عمل من السودان حتى العام 1996. في المؤتمرات بعد ذلك شارك حزب الله ايضا. في هذه الفترة فتحت حماس معسكرات تدريب في السودان. استضاف السودان ليس فقط بن لادن بل عمل ايضا على تعزيز علاقاته مع ايران. في 1991 وصل الرئيس رفسنجاني في زيارة الى الخرطوم على رأس وفد كبير. وقدرت وكالات الاستخبارات في الغرب على أنه في هذه الفترة نقلت ايران نحو 2000 من رجال الحرس الثوري الى السودان. ونبع الاستثمار الايراني في السودان في قسم من الامل في تحويل مدينة بورت سودان الى قاعدة لسلاح البحرية الايراني في اللحظة التي يصل فيها هذا الى مستوى يسمح بوجود سفن في البحر الاحمر. اضافة الى ذلك، في كانون الثاني 2009 نقلت ايران ارسالية سلاح بعيد المدى الى حماس. وحسب مصادر امريكية، فان طائرات قتالية اسرائيلية دمرت القافلة في السودان. واكتسب السودان صيته السيء على المستوى الدولي اساسا بسبب دوره في قتل الشعب. فحملات القتل في دار فور والتي بدأت في 2003، جبت حياة مئات الاف المواطنين الذين قتلوا على ايدي الميليشيات المدعومة من الحكومة. وزارة الخارجية الامريكية وصفت القتل في دار فور كقتل شعب. في 2009 اصدرت المحكمة الدولية أمر اعتقال بحق الرئيس البشير بتهمة قتل شعب. العناصر التي هرعت لنجدته كانت دول عربية. وفي الاسبوع الاخير اعرب عن القلق في الصحف العربية، مثل "الحياة" من ان ما يحصل في السودان سيتحول الى "مرض معدٍ" سينتشر في العالم العربي ويؤدي الى تفكيك دول عربية اخرى. من ناحية اسرائيل، رغم أنه ينبغي التهنئة باستقلال جنوب السودان، فان مزيدا من الانفصالات في العالم العربي من شأنها ان تضعف قدرتها على التصدي لتآمر ايران،التي ستكون الرابحة الاكبر من هذه العملية.