أصبحت مبادرة جنيف في الثامنة من عمرها. ينشيء المال الكثير الذي يُنفق عليها والاشخاص الذين يؤيدونها الشعور بأن الحديث عن مبادرة جدية ومسؤولة نجحت في دخول الاجماع الاسرائيلي. لكنه في نقاط كثيرة، مثل مشكلة اللاجئين، والترتيبات الأمنية، وكون اسرائيل دولة الشعب اليهودي والقدس وغير ذلك – توجد في هذا الاقتراح ثقوب كثيرة. يزعم أناس المبادرة انهم يعتمدون على مخطط كلينتون في سنة 2000، بل وجه أحد كبارها هذا الاسبوع انتقادا لـ "فشل باراك وكلينتون في اقتراح القدر الأدنى المطلوب على عرفات" في التفاوض الذي تم في فترتهم. وفي واقع الأمر "القدر الأدنى" الذي تقترحه المبادرة غير مُرض ألبتة. في القضية الامنية: نُشر الملحق الامني بالمبادرة قبل سنة فقط. وحتى ذلك الحين، ذُكر في النقاط المهمة من المبادرة ان التفصيل سيتم تقديمه في "الوثيقة س". فصل الملحق لاول مرة الترتيبات الامنية التي ستتم بين اسرائيل والفلسطينيين. ستتطلب كل تسوية في المستقبل بين الجانبين انشاء اجهزة أمن وإنذار غير مهندمة تزيد الاحتكاك والبيروقراطية. وفي مبادرة جنيف من ترتيبات الأمن أقل مما في مسودة الاقتراح التي وافق عليها الفلسطينيون عندما كان باراك رئيس الحكومة، وليس واضحا من الملحق كيف يتم ضمان تجريد الدولة الفلسطينية من السلاح. وفي قضية اللاجئين: القرار 242 الذي صدر عن مجلس الامن والقرار 194 الذي صدر عن الجمعية العامة هما الأساسان لحل مشكلة اللاجئين في مبادرة جنيف. أُجيز القرار 242 في تشرين الثاني 1948 وأصبح صيغة لانهاء الحرب. وليس فيه حل متفق عليه لمشكلة اللجوء. فالقرار يذكر أن "اللاجئين المعنيين بالعودة الى بيوتهم والعيش مع جيرانهم في سلام، يستطيعون فعل ذلك في أقرب وقت ممكن"، وأنه "ستُدفع تعويضات من أملاك اولئك الذين سيختارون ألا يعودوا، ومن أملاك تضررت أو فُقدت". كيف تُحل مشكلة اللجوء والسكن الدائم في جنيف؟ سيكون الامر من جهة "مقرونا بعمل اختياري واعٍ للاجيء"، ومن جهة ثانية سيكون امكان العودة الى داخل دولة اسرائيل "خاضعا لتقدير اسرائيل السيادي" ومن جهة ثالثة "ستنشأ مفوضية دولية تقع عليها التبعة التامة وحدها لتنفيذ جميع جوانب هذا الاتفاق المتعلقة باللاجئين". وسيكون عدد اللاجئين الذين سيدخلون اسرائيل متفِقا مع العدد الذي تُقدمه الى المفوضية الدولية. لا يتعلق العدد بارادتها الحرة كما يمكن ان يُفسر من الجملة عن "تقديرها السيادي"، بل قاعدة حسابه التي ستكون متوسط الأعداد العامة التي تقدمها الدول الثالثة (لا اسرائيل ولا فلسطين) الى المفوضية. في واقع الامر يُمكّن الغموض الطرفين من الافتخار بانجاز: فالفلسطينيون يزعمون ان في الوثيقة اعترافا بحق العودة، والاسرائيليون يزعمون انه لما كان عدد اللاجئين الذين سيعودون خاضعا لقرارهم فان في ذلك تخليا عن حق العودة. إن غلاف المبادرة يزعم وجود اعتراف بدولة اسرائيل باعتبارها دولة الشعب اليهودي، لكن هذا الامر غير مذكور في الوثيقة نفسها وسيكون من الممكن قول إن اسرائيل هي "دولة جميع مواطنيها". إن سياسة الغموض والطمس هذه تُمكّن اشخاصا كبارا في المبادرة مثل مسؤول فتح الكبير قدورة فارس من إنكار ان الاتفاق يقضي بأن اسرائيل دولة يهودية. بل ذكر هذا الأخير إن فلسطينيين كثيرين مثله عارضوا مبادرة ايلون – نسيبة (التي ولدت قبل جنيف بقليل) بسبب الاعتراف بدولة اسرائيل باعتبارها دولة يهودية. وفي قضية القدس ايضا فان تقاسم السيادة مدعاة الى الصراعات. في حال أصبح نفق المبكى، ومدينة داود وجبل الزيتون تحت سيادة فلسطينية لكن تحت سيطرة اسرائيلية، سيُسبب ذلك فقط الريبة والاحتكاك. وليس واضحا في واقع الأمر ما هو الحل الذي تقترحه المبادرة في شأن القدس. قال يسرائيل هرئيل، رئيس مجلس "يشع" في الماضي عن المبادرة انه يقبلها مع تغييرات طفيفة، لان المبادرة في واقع الامر تمنع الفلسطينيين اتصال المناطق وتُطيل الحدود الاسرائيلية. ولهذا، عندما نسمع من أناس جنيف في المدة الاخيرة ان جزءا كبيرا من اليمين يوافق على المبادرة، يجب ان نسأل لماذا. إن مبادرة جنيف عائقة عن التفاوض في المستقبل بسبب الشروط غير الواقعية التي تشترطها. وليست هي قاعدة لسلام مسؤول بل هي خطة هاذية خطرة ليست أكثر من وقف اطلاق نار.