المقولة السائدة عن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ان بقاءه في مقدمة اهتماماته. يُعرض الرجل ذو الوعي العميق للتاريخ والاقتصاد على نحو عام بأنه رجل تكتيك داهية فقط كذاك الذي يؤخر القرار بانشاء لجنة ويناور في قدرة بين شركائه ويُعد الحيل الدعائية. لكن يبدو أن ناشري نظرية البقاء يضللهم هوى نفوسهم. فمنذ كان اسحق شمير لم يقم هنا زعيم يقود الدولة في تصميم نحو أهدافها العقائدية مثل نتنياهو. إن رئيس الحكومة يطبق في المستوى السياسي تصوره العام الذي يقضي بأن استمرار الوضع الراهن حسن لاسرائيل. ففي المناطق يبنون بجد ويقتربون سريعا جدا من نقطة عدم العودة التي ستدفن فيها الحقائق الميدانية امكانية دولة فلسطينية ذات بقاء. نتنياهو يقتل في لين مسيرة السلام حقا كما ذوّب مسيرة اوسلو. وقد اشترط الكثير جدا من الشروط للتوقيع على اتفاق حتى في خطبة بار ايلان، حتى ان تصريحه بشأن الدولتين يُذكّر برغبة ملكات الجمال في السلام العالمي. لا تقلق الديمغرافية معسكره الفكري، فستُحل بجعل حياة الواقعين تحت الاحتلال مرّة بحيث تحثهم على الهجرة أو ربما تُحل بواحدة من الحروب التي تنتظرنا وراء الزاوية كما هي حال التقليد. كذلك اليأس الذي يفضي الى قوة حماس محسن لاسرائيل كما تم الكشف عن ذلك في المدة الاخيرة في "ويكيليكس": فقد قال رئيس "أمان" للسفير الامريكي انه "اذا سيطرت حماس على غزة فسيستطيع الجيش الاسرائيلي ان ينظر الى غزة نظره الى دولة عدو". وكان نتنياهو وما زال في المجال الاقتصادي نصيرا قويا لعقيدة السوق الحرة من كل رقابة، والتي تقول ان على مؤسسات الدولة أن تقلل تدخلها الى أدنى قدر في الجري وراء المليون. وأن يخصخص كل شيء. وأن الجهاز الاقتصادي سينمو بتطور قاس يزداد فيه الأقوياء قوة ويرعون قطيع الضعفاء في نجوع اقتصادي. وبحسب ذلك، تُقلَّل في الميزانية الجديدة ضريبة الدخل وضريبة الشركات لمصلحة الطبقات العالية وتزداد الضرائب غير المباشرة التي تمس في الأساس الطبقات المتوسطة والدنيا. إن الهاوية الفاغرة بين طبقات المجتمع لا تقلق رئيس الحكومة. الدرس الوحيد الذي استخلصه من الأحكام الاقتصادية التي فرضها في 2003 هو الامتناع عن تصريحات صارخة والعمل في صمت؛ فقد أصبحت خطة فسكونسن مثلا التي افتتحت بهتاف مدوٍ في التناسخ السابق مادة ضئيلة القدر في قانون التنظيمات (صححها عضو الكنيست حاييم كاتس وفصلها في قانون منفصل). كذلك يأخذ نتنياهو في الساحة السياسية باستراتيجية بعيدة الأمد. فالاحتضان الخانق منه لحزب العمل سيقضي عليه نهائيا في القريب. واذا تجاوزنا الثرثرة والخصومات الشخصية فانه يُحتاج الى عدسة تكبير ضخمة لتمييز الفروق بين الليكود وكديما و"اسرائيل بيتنا". فالثلاثة تتمسك بنفس المطالب الداحضة من الفلسطينيين وبنفس الحب الاستخذائي لجماعة المال. وبسبب موضعها المتوهم على الخريطة السياسية عن يمين نتنياهو ويساره فانه هو الوحيد الذي يستطيع انشاء ائتلاف في اسرائيل. وفي النهاية يطبق نتنياهو تصوره العام في موضوع التراث وإشراب النفوس روايته التاريخية. إن نسب الولادة في بني براك وعوفرا والهجرة العلمانية تُغير وجه اسرائيل. وينضم الى التغيير السكاني ايضا تغيير في الوعي بمساعدة الصحيفة الواسعة الانتشار في الدولة. والمكارثية في احتفال في الجامعات، وتخصص ميزانيات تراث سخيّة لوزارتي التربية والسياحة. لتذهب الصهيونية الاشتراكية ولتعش مملكة الهيكل الثالث. من المؤكد ان بنيامين نتنياهو يلخص لنفسه في رضى ان سنة 2010 سنة ناجحة له شخصيا ولنهجه الفكري. وكذلك يبدو المستقبل غير سيء: بتعميق الاحتلال الزاحف، وخصخصة بقايا دولة الرفاهة، والقضاء على المعارضة الحقيقية لتصوره العام وصوغ اسرائيل بحسب شخصه. التكتيك الوحيد الذي يستعمله ليس البقاء بل السرية.