دون صلة بينها، تفيد الانتخابات التي جرت في الاردن وفي مصر في الاسابيع الاخيرة وما نشر في وثائق "ويكيليكس" بأن الانظمة المحافظة في المنطقة مصممة على الدفاع عن نفسها. الأسرة المالكة في الاردن يمكنها أن ترى برضى نتائج الانتخابات للبرلمان والتي أُجريت في 9 تشرين الثاني. على الأقل ثلاثة أرباع المنتَخبين هم ممن يمكن للحكم الاردني ان يعتمد عليهم وقد تم الحفاظ على التوازن الحساس بين الجناح الهاشمي في البرلمان والجناح الفلسطيني. رئيس الوزراء المنصرف سمير الرفاعي، تلقى في 24 تشرين الثاني تكليفا متجددا من الملك وحافظ على ثلثي تركيبة الوزراء السابقين. وقد تحقق الحفاظ على الاستمرارية، ناهيك عن ان المحافل المعارضة لم تتوجه الى الانتخابات بكتلها المعروفة. بعض اعمال الاخلال بالنظام احتجاجا على النتائج في المدن شمالي عمان عولجت بسرعة. في مصر جرت الجولة الاولى من الانتخابات للبرلمان في 28 تشرين الثاني. عدد المقاعد زيد بالقياس الى البرلمان السابق الذي انتخب في 2005 وذلك لضمان تمثيل مضاعف للنساء. في الانتخابات السابقة فاز "الاخوان المسلمون" بـ 88 مقعدا. النظام في مصر استسلم في حينه لضغوط الادارة الامريكية، التي وقفت خلف مبادرته للاصلاحات باتجاه مزيد من التحول الديمقراطي في الشرق الاوسط، وسمح بحملة انتخابات حرة نسبيا. في الحملة الانتخابية الاخيرة طبق النظام في مصر دروس الماضي واتخذ نهجا متصلبا في كل ما يتعلق بالمرشحين ممن ليسوا من احزاب الوسط، أي الحزب الوطني الديمقراطي والوفد. في اثناء ولايته الثانية أهمل الرئيس بوش رؤيا الشرق الاوسط الديمقراطي وخليفته، الرئيس اوباما، لم يكلف نفسه عناء تجديدها بل وقلص بشكل كاسح الميزانيات المخصصة لدفع سياقات الاصلاح في المنطقة الى الأمام. ويمكن الافتراض بأن الادارة في واشنطن قلقة أكثر من مسألة التغيير الرئاسي في مصر في ضوء عمر مبارك وحالته الصحية الآخذة في الضعف (82 سنة). "الاخوان المسلمون" ممنوعون من الظهور في قائمة مستقلة ومعروفة والحكم المصري كلف نفسه عناء التشدد أكثر فأكثر على المرشحين المتماثلين مع هذه الحركة. في السنوات الثلاث الاخيرة اعتُقل زعماء الحركة ونشطاؤها المركزيون، وفي الاشهر الثلاثة الاخيرة أفادت الصحف الدولية بمئات الاعتقالات. عشرات المرشحين اعتُقلوا ورُفضوا. وعلى نحو غير مفاجيء، أعلن "الاخوان المسلمون" بعد يوم من الانتخابات بأن أحدا من المرشحين المتماثلين معهم لم يفز في الانتخابات. وبالمقابل، يغمز الحكم في القاهرة لحزب الوفد، الذي هو استمرار لحزب السلطة حتى انقلاب 1952. وقد سمح الحكم لـ 250 مرشحا من هذا الحزب بالتنافس في الانتخابات، ولم يناكف هؤلاء المرشحين مثلما فعل مع مرشحي "الاخوان المسلمين". صحيح انه في الأحاديث الخاصة طرح الرئيس اوباما ووزيرة الخارجية كلينتون مع شخصيات مصرية مسألة معالجة الحكومة المصرية للانتخابات، ولكن هذا جرى في الغرف المغلقة. وفقط بعد نشر مقال افتتاحي في "واشنطن بوست" عُني بهذا الموضوع (26 تشرين الثاني 2010) نشر الناطق بلسان الخارجية الامريكية بيانا أعرب فيه عن القلق وخيبة الأمل من الازعاجات لرجال المعارضة واعتقالاتهم ومنع وسائل الاعلام من الوصول الى الناطقين بلسان المعارضة. وقال الناطق ان الولايات المتحدة تؤمن بأن رقابة دولية هامة للغاية لخلق الثقة بنتائج الانتخابات. الناطق بلسان الرئاسة المصرية، وإن كان احتج على هذه التصريحات مثلما احتج على تقرير وزارة الخارجية الامريكية عن حرية الدين في مصر (كجزء من تقرير حول هذا الموضوع في العالم بأسره نشر في 17 تشرين الثاني 2010)، إلا انه ينبغي الافتراض بأنه بذلك ينتهي تبادل الرسائل العلنية الجاري على مستوى منخفض نسبيا من الناطقين فقط. سلوك النظام في مصر في مسألة الانتخابات يدل على تصميمه على معالجة مسألة التغيير الرئاسي بذات الطريقة. عندما سيتم هذا لا ريب أن النظام لن يسمح بعد ذلك بخطاب جماهيري مصري في هذه المسألة وسيقمع بيد من حديد كل تعبير آخر عن معارضة التغيير والطريقة التي يتم بها – كائنا من كان من سيحل محل الرئيس. بالتوازي ودون صلة نشر موقع "ويكيليكس" وعدد من الصحف المركزية في الولايات المتحدة واوروبا وثائق تدل على موقف الانظمة العربية المعتدلة والمحافظة من ايران. في احدى برقيات السفارة الامريكية في القاهرة جاء ان لمبارك عداء شديد للايرانيين، الذين لديهم نوايا لضعضعة الاستقرار في المنطقة وفي مصر على نحو خاص؛ "لا ريب ان مصر ترى في ايران التهديد بعيد المدى الأكثر جدية، سواء بسبب تنمية القدرة النووية أم بسبب رغبة ايران في تصدير الثورة الشيعية" ("الغارديان"، 29 تشرين الثاني 2010). وعبّر مبارك بشكل واضح وعلني عن موقف زعماء عرب آخرين في المنطقة. وتقتبس الوثائق عن رئيس مجلس الأعيان الاردني، زيد الرفاعي، قوله، على حد قول السفير الامريكي في عمان، "اقصفوا ايران أو تعلموا كيف تتعايشوا مع القنبلة الايرانية". أما الملك عبد الله، ملك الاردن، فحذر المبعوث الخاص الى الشرق الاوسط، جورج ميتشيل، من ان حوارا امريكيا مع ايران سيُعمق فقط الخلافات في العالم العربي وسيلقي انظمة عربية تعوزها العواميد الفقرية في حضن ايران. ليس في اكتشافات "ويكيليكس" أو التقارير الصحفية عن سلوك الانظمة في الشرق الاوسط في الحملات الانتخابية أي جديد، ولكنها توضح وتؤكد الصراع بين القوتين المركزيتين في المنطقة – المعسكر المسمى محافظ ومؤيد للغرب والمعسكر الراديكالي، بما في ذلك الحركات والمنظمات التي دون الدولة. للمس بصورة الولايات المتحدة وغياب مسيرة سلمية ذات مغزى بين اسرائيل وجيرانها، يوجد بالطبع آثار على نتائج هذا الصراع. الحكمان، في اسرائيل وفي الولايات المتحدة، يقفان أمام معاضل شديدة عند النظر والحسم بالنسبة للطريقة التي سيختاران فيها معالجة المسائل المركزية في المسيرة. ومع ان هناك منطقا في الادعاء بأنه بينما تقف المنطقة أمام مفترق طرق في غاية الأهمية، لن يكون صحيحا لاسرائيل ان تتخذ قرارات حاسمة محملة بالمصائر بالنسبة لمنظومة علاقاتها مع جاراتها القريبة. ومن جهة اخرى، فان الوضع الراهن ايضا لا يخدم المصالح الاسرائيلية بعيدة المدى، وثمة في سلوكها ما يؤثر، وإن كان بشكل جزئي جدا، على نتائج صراع الجبابرة الجاري في المنطقة. مسيرة سياسية، حتى وإن كانت على أساس حلول انتقالية، يمكنها ان تخفف بقدر كبير على محافل معتدلة في المنطقة. مثل هذه المسيرة ستسمح ايضا لهذا المعسكر بأن يتقدم في خلق أدوات اقليمية لمعالجة مواضيع مثل المياه، الطاقة والمواصلات وبذلك يساعد في تنمية اقتصادية هي جزء من الصراع بين المعسكرات القطبية في الشرق الاوسط. لهذا السبب على اسرائيل ان تتبنى استراتيجية عمل فاعلة وألا تكتفي بالاستمتاع بقراءة البرقيات المُسربة، التي تثبت انه في نظر المعسكر المعتدل – المحافظ في العالم العربي، ايران هي المشكلة الوجودية وليس بالذات الموضوع الفلسطيني.