بعد شهر ونصف سيتولى يوآف غالنت عمل رئيس الاركان العامة، بعد لعبة تمهيدية طويلة غير لذيذة ولا حاجة اليها. من المؤكد أن يجري غالنت عددا من التعيينات التي تتبوأ العناوين الصحفية، لكن لسنا نعلم هل عنده خطط ثورية لتغييرات بنيوية وتصورية في الجيش. هنا اختبار أشك في أن شخصا ما عرضه عليه قبل أن يُنتخب للمنصب أو يعرضه بعد ان يبدأ العمل ألا وهو اختبار التفكيرية. إن الجيش الاسرائيلي هو جيش غير تفكيري. أُسس تراثه في البلماخ وافتخر ضباطه دائما بما يفعلون (أو بما زعموا فعله) لا بما قرأوا أو تكلموا. إن الاتهام بالتفكير الزائد أو بفصاحة الحديث والعياذ بالله ألصق فورا بالمتهم صورة من لا يُحسن الفعل. وقد كان رئيس اركان هو (رفائيل ايتان) زعم وزير الدفاع الذي عينه أن عنده قدرا كافيا من العقل من اجلهما لكنه لم يُعين قط قائد بعلّة انه يحسن التفكير والتعبير. فضباطه الكبار يُقلون من الكتابة حتى في النشرات العسكرية الداخلية، واذا كانوا يقرأون فانهم لا يفخرون بذلك على رؤوس الأشهاد. عندما يُسرحون من الخدمة ويبدأ انكشافهم يتبين أكثر من مرة انهم ذوو حُبسة في الكلام وجمود في الفكر. وهذه الظاهرة معروفة عند جميع رؤساء الاركان، وفي ولاية غابي اشكنازي خاصة. كان يجب بعد حرب لبنان الثانية وجود متهمين بأداء الجيش المُختل، وأُثير من جملة ما أُثير التفكيرية الزائدة لعهد يعلون وحلوتس: تصور الاستعمال الجديد الألاعيبي طُرح في القمامة، واتُهم معهد نظرية المعركة ولغته غير المفهومة بفساد القوات والقادة، وكان الاستنتاج الشامل انه تجب العودة الى ما كان ذات مرة وفي ضمن ذلك الهرب من كل ما ينبعث عن نقاش مجرد. حسن جدا، يقول الاسرائيلي المعقول، من المُراد ان يمتاز الضباط باستعمال القوة لا بالجدل الفلسفي. بيد أن عدم التفكير ذلك يتجلى ايضا في نقاشات لموضوعات فنية ثقيلة الوزن. أجريت في الاسابيع الأخيرة أحاديث مع عدة ضباط كبار سابقين تعلقت بالقرار على وسائل قتالية باهظة الكلفة قرر الجيش التسلح بها بأعداد كبيرة. كانت هذه الوسيلة في منتصف العقد جزءا من النقاش للتغييرات المُلحة في منظمة الجيش واستعماله نتاج تغير وجه الحرب: هل يجب أن يصبح اللواء الوحدة الأساسية في الجيش بدل الكتيبة، وهل يجب انشاء ألوية عضوية يكون فيها عناصر من سلاح المشاة والمدرعات والهندسة؟ هل يجب أن تكون جميع هذه الألوية متشابهة أم يجب اقامتها على تصور التفوق النسبي – فهذه خفيفة على نحو خاص وتلك ثقيلة على نحو خاص وهذه مخصصة لذلك السيناريو وتلك لخطة عملياتية اخرى؟. كان ذلك نقاشا آسِرا لكنه كان مقطوعا عن قرارات الجيش الحقيقية. وفي الوقت الذي أصبح فيه الضباط الذين شاركوا فيه – وكثير منهم في اللجان التي انشأها شاؤول موفاز مع توليه عمله – مرشحين ليصبحوا ألوية أو لمناصب رئيسة اخرى، طُرح النقاش كله في القمامة. وبقي منه القرارات على الشراء والتسلح وكأن السؤال كان الوسائل لا ما نفعل بها. كل من عبّر بمفاهيم لم تتصل مباشرة بالعمل الراهن وقف من الفور أو أُبعد عن قلب القرارات. إن غالنت وريث هذا الجيش مع تراثه وناسه. لا نعلم هل يثير هذا عنايته ونشك كثيرا كما قلنا آنفا أن يكون الامر قد أُثير أصلا بينه وبين وزير الدفاع باراك الذي طمح الى ثورات إذ كان رئيسا للاركان (تحولت هي ايضا الى حملات شراء في الأساس) ولم يعد يشغل نفسه بهذا الامر ألبتة إذ أصبح وزيرا للدفاع. لكن توجد لرئيس الاركان الجديد الذي نشأ في مسار خاص وليس ملتزما تصورات سابقة، فرصة نادرة لاحداث تحول فكري يحتاجه الجيش بقدر لا يقل عن وسيلة قتالية اخرى.