أثارت التصريحات الأخيرة لعزام الأحمد القيادي في حركة فتح وعضو لجنتها المركزية، -من جديد- موجة من ردود الأفعال المنددة لهذه التصريحات والمحذرة من خطورتها، التصريحات التي توعد فيها الأحمد "حركة حماس باتخاذ خطوات إستراتيجية للتعامل معها ومع حالة الانقسام"، وما أعقبها من تأكيده "قدرة حركة فتح على استعادة قطاع غزة"، تأتي في سياق غريب ومستهجن سيما عندما تصدر عن المكلف بقيادة دفة عجلة المصالحة في فتح، وما يزيد الأمر غرابة وربما طرافة أن تخرج عنه هذه الكلمات في ذات الوقت الذي تنشر فيه وثائق ويكليكس، ما يؤكد أن حركة فتح وعبر قيادات متنفذة فيها، قد تقدمت سابقا بطلبات عديدة للاحتلال لكي يتدخل لصالحها ضد حركة حماس خلال فترة ما قبل حسم الفوضى الأمنية في عام 2007م. ولكي تفهم تصريحات الأحمد في سياقها الصحيح، وتقدر مقدارها الحقيقي، لابد أن نرسخ قاعدة أساسية عايشها الشعب الفلسطيني ليس في غزة والضفة فقط، بل وفي شتى أماكن التواجد الفلسطيني الممتد عبر قارات العالم، وهذه القاعدة تقول ببساطة أن محاولات التهديد وسياسة الاستقواء بالاحتلال، لا فائدة مرجوة منها، فهي لا تخيف من ارتضى المقاومة سبيلا ورفع التحرير شعارا، وآمن بأن الحقوق الفلسطينية الجغرافية والسياسية والمعنوية والمادية، كاملة غير منقوصة، لا نقاش فيها ولا مساومة، ودفع لأجل هذا الموقف -ولا يزال، دماء طاهرة ونفوس زكية، ليرتضيه الشعب قائدا ويقبل به ربانا لسفينته، أما من قبل بعدوه عونا على أخيه وشعبه، فله الخيبة والندم والحسرة والخذلان، ولن يجد له في سطور التاريخ متسعا إلا في هوامش من عاش مرتميا في أحضان الاحتلال مرهونا لإرادته، ومنفذا لأوامره. ولأن البعض ممن غيبتهم الفئوية عن الواقع، وأعمتهم الحزبية عن رؤية الحقيقة رغم سطوعها، ولأنهم قد يتهموننا بإلقاء التهم جزافا دونما دليل، نسألكم، ألم تحاول حركة فتح وسلطة رام الله بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة القضاء على حركة حماس وحكومتها المشكلة بعد الانتخابات؟! ويكفي هنا التذكير بما قاله القيادي في فتح وعضو مركزيتها السابق هاني الحسن حول خطة إليوت ابرامز ودور الأجهزة الأمنية فيها، ونسألكم، ألم تمارس أجهزتكم الأمنية في غزة ما تمارسه اليوم في الضفة؟!، ألم يكن حسم الفوضى الأمنية مطلبا شعبيا، بعدما حسم الشعب خياره في الانتخابات؟!، ألم يكن الانقسام خياركم؟! فمنذ اليوم الأول لإنهاء الفوضى الأمنية سارعت حماس للتأكيد على احترامها للشرعيات الفلسطينية وتقديرها لمؤسسة الرئاسة وبسطت كفيها لأبي مازن من اجل العمل لما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني، وأعلنت أن ما قامت به خطوة اضطرارية لمعالجة الوضع المعوج القائم آنذاك، نسألكم، ألستم من جربتم تأليب الشعب على حماس في غزة؟! فحاولتم القيام بالعصيان المدني وترك المؤسسات الحكومية معطلة وتغليب مصلحتكم الخاصة على مصالح عامة الناس، ألستم من حث عناصركم -بالترهيب والترغيب على محاولة إعادة الفوضى من جديد؟! فكانت التفجيرات التي استهدفت تخريب الواقع الأمني المستقر، ألستم من عاون الاحتلال في عزل قطاع غزة وحصاره؟! بدعوى محاربة حماس الخارجة عن الشرعية"، ألستم من حارب الناس في أرزاقهم ومنع رواتبهم التي يدفعها غيركم؟! ألستم من روج زورا وبهتانا أن حماس تقيم إمارة إسلامية في غزة؟! ألستم من تقاسم الدور مع الاحتلال في كيل الاتهامات بوجود تنظيم القاعدة وخبراء إيران وسوريا في غزة؟! ألستم من رفض دخول الأموال المخصصة لإعادة الاعمار بعد الحرب؟! ليبقى الناس مشردين في خيام لا تقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف، ألستم من يكره أن يرى غزة تنعم ولو بقدر بسيط من الكهرباء تضيء بها عتمتها؟! ألم تكونوا أنتم من وصف محاولات قوافل كسر الحصار عن غزة بالتافهة؟! أسئلة عديدة بتعدد الطرق التي حاولت بها فتح وسلطتها في رام الله أن تعيد الأمور إلى سابق عهدها وكما يحلو لها. وحتى لا يعودوا إلى المراهنة على الاحتلال وجبروته من جديد، ولكي لا يخسروا ما بقي لهم من ماء وجوههم ولو كان قليلا، وحتى نوفر الطريق على عزام الأحمد وغيره من قيادات حركة فتح الذين لا زالوا يعتقدون أنهم بإمكانهم التهديد والوعيد، ولكيلا يجربوا ما جربوه سابقا، فينطبق عليهم المثل "اللي يجرب المجرب عقله مخرب" ، ولأننا نحيا هذه الأيام مع الذكرى الثانية للحرب على غزة، التي أثبتت الوقائع أنها جاءت بمباركة وموافقة وربما مشاركة من قبل البعض في رام الله، نقول أنه أصبح جليا لكل صاحب عقل أن اقصر الطرق بل وأوحدها، لعودة حركة فتح إلى قطاع غزة، إنما يمر عبر حركة حماس –توافقا وتراضيا لا غصبا ورضوخا- وذلك بالمصالحة وإنهاء الانقسام، والاتفاق مع الكل الفلسطيني حول البرنامج السياسي، والاقتناع بأن الشأن الفلسطيني الداخلي أعصى من أن يُنفرد به، كما أن القضية الفلسطينية أكبر من أن يتحكم في مصيرها طرف دون آخر، وإذا كان البعض في حركة فتح يعتقد بمقولة "أن التاريخ يعيد نفسه"، فعليه الآن وقبل فوات الأوان أن يؤمن وبما لا يدع مجالا للشك أن كتاب التاريخ الفلسطيني لا تتكرر فيه صفحتان. صحفي من غزة