في اليوم الذي توقفت فيه النار بعد حملة رصاص مصبوب بدأت حماس في استخلاص الدروس. من ناحية المنظمة، فان المواجهة الاخرى هي مجرد مسألة وقت وفي لحظة الحقيقة، سيتعين على من نجا من الهجوم الاول ان يوجع اسرائيل قدر الامكان وفقا للاوامر والتدريبات التي تقررت مسبقا. في حماس يفهمون بان الجولة القادمة ستكون بالنسبة لهم اكثر صعوبة وألما. وعليه فان الضرر الذي يلحق باسرائيل – بالجبهة الاسرائيلية الداخلية، لمزيد من الدقة – يجب أن يكون كبيرا هو أيضا. "كتائب القسام توجد في حالة تأهب كاملة لصد العدوان الصهيوني، بأي حجم كان وفي أي زمن"، قال ابو عبيدة، الناطق بلسان الذراع العسكري لحماس، "التهديدات الاسرائيلية لا تخيفنا. نحن معتادون عليها ونأخذها على محمل الجد. نحن مستعدون لمواجهة اخرى، لن تكون باي حال سهلة على اسرائيل". ولكن رغم التهديدات واحساس التصعيد، التقدير هو أن حماس غير معنية في هذه اللحظة لمواجهة اخرى. ويقول ضابط فلسطيني كبير: "هم يريدون تأجيل هذه المواجهة قدر الامكان. ويفضلون ادخال المزيد من السلاح ومواصلة الاستعداد". في اسرائيل يشاركون في هذا الرأي. وهنا يتحدثون عن أن حماس تستعد للمواجهة ولكن يسرها أن يبقى الهدوء على مدى سنين. أساس هذا التقدير هو الافتراض بان حماس تفهم بانه في الجولة القادمة ستتضرر بشدة مرة اخرى وستفقد كل انجازاتها في السنتين الاخيرتين. ليس فقط حماس ومع ذلك، فان الواقع الغزي يثبت كم هو الوضع قابل للانفجار، الصاروخ الذي سقط أمس قرب روضة الاطفال كان يمكنه أن يحدث واقعا مغايرا فيجر اسرائيل الى رد فعل حاد. صاروخ الكورنيت، الذي اصاب دبابة واخترقها قبل نحو اسبوعين، كان على مسافة قصيرة فقط من الجنود الاربعة الذين باعجوبة فقط لم يصابوا بأذى. وتدعي مصادر فلسطينية بالمناسبة بان الكورنيت لم تطلقه حماس بل الجهاد الاسلامي. الجهاد تحوز اليوم على سلاح متطور، تماما مثل حماس، بما في ذلك صواريخ فجر التي تصل حتى تل أبيب. والمعنى هو أن منظمات صغيرة ايضا مع اعتبارات مختلفة عن تلك التي لحماس ومع اصبع اكثر رشاقة على الزناد، من شأنها ان تشعل الحرب التالية. وحماس أيضا، كما ينبغي القول، بعيدة عن ان تكون "الراشد المسؤول". كما يحاولون هنا احيانا في اسرائيل تصويرها. صحيح أن حماس تحافظ بهذا الشكل او ذاك على هدوء نسبي ولكن في نفس الوقت تحاول أن تنفذ سلسلة من العمليات الاستراتيجية، مثل الصواريخ على ايلات والعقبة، التي اطلقت باذن وتوجيه من المجلس العسكري الاعلى للمنظمة. اضافة الى ذلك تواصل حماس محاولاتها العنيدة لتنفيذ عمليات اختطاف عبر سيناء – او في سيناء نفسها. في حماس يعتقدون أغلب الظن بان عملية عبر سيناء لن تخرق قواعد اللعب. في نظرهم، هذه عملية لن تجر اسرائيل الى رد فعل. ولكن في اسرائيل يرون في كل عملية اختطاف، حتى لو نفذتها منظمة اخرى، خطا أحمر يدخل الجيش الاسرائيلي الى غزة. وروى هذا الاسبوع مصدر عسكري كبير فقال ان "الاختطاف ليس شيئا نحن مستعدون لان نسمح به. اذا كانت حماس تعتقد بانها اذا جاءت من سيناء فنحن سنتجلد فانها مخطئة. كما أنه لا يهم من ينفذ الاختطاف. على حماس مسؤولية كل ما يحصل في قطاع غزة. لو كنت أتحدث معهم كنت سأوصيهم الا يختطفوا جنودا او مواطنين". خلافا للتصريحات الحماسة، الموجهة اساسا الى الرأي العام الغزي في حماس يفهمون بانهم في رصاص مصبوب لم ينجحوا في تحقيق أهدافهم العسكرية. خطتهم الدفاعية لم تنجح في صد الجيش الاسرائيلي والصواريخ وان كانت اطلقت على مدى الحملة، الا انها لم توقع الضرر المتوقع في نظرهم. وقد بدأ استخلاص الدروس فور وقف اطلاق النار. ويقول مصدر امني فلسطيني ان "الايرانيين وقيادة حماس في دمشق هم الذين اداروا التحقيقات". محاولات استخلاص الدروس انتهت بالاعتراف بان الامكانيات لدى حماس محدودة. وفي الحرب القادمة من المتوقع لحماس أن تكرر ذات التكتيكات، ولكنها ستنفذها بشكل افضل. ويقول الضابط الكبير ان "هذا سيكون مزيدا من ذات الشيء. فحماس تفهم بانها لا يمكنها أن تغير دراماتيكيا مفهوم القتال. كما أنهم يعرفون بان لديهم اوراقا ذات مغزى: حرب عصابات، استخدام السكان، المسألة الانسانية. واذا كانوا في رصاص مصبوب اختبأوا في مبنى مدني من ثلاثة طوابق، فانهم الان يختبئون في مبان من عشرة طوابق. واذا لم يكن كافيا اطلاق النار على اسدود، فان تل أبيب ايضا ستدخل في مدى الصواريخ. وهم يفهمون بان اطلاق النار على الجبهة الداخلية هو اختراع ناجح". خطة نار مرتبة في الاشهر ما بعد رصاص مصبوب نشأ أمل هزيل في أن مصر قد تنجح في منع طوفان التهريب. المصريون، بمساعدة فرنسية وامريكية، بدأوا يبنون عائقا هندسيا تحت ارضي كان يفترض به أن يقدم جوابا لانفاق التهريب. ودخلت حماس في حالة ضغط ولكن في نهاية المطاف فهمت ان هذا العائق ايضا لن يوقف صناعة مليار شيكل في السنة. في السنتين السابقتين منذئذ يخيل أن غزة لم يسبق لها أن كانت وفيرة بالسلاح من كل نوع كان. "الامر المركزي الذي تحسن لدى حماس هو القدرة الصاروخية"، تقول مصادر في اسرائيل، "وقد جاء التحسن سواء من حيث المدى أم من حيث الشدة. وهم يفهوم بانه في المواجهة مع اسرائيل سيتعين عليهم ضرب الجبهة الداخلية. منذ رصاص مصبوب نفذت حماس عددا كبيرا من تجارب اطلاق النار داخل القطاع لتحسين مدى الصواريخ ودقتها. كما أن سوريا وايران تساعدان حماس في هذا المجال. رئيس قيادة مكافحة الارهاب، نيتسان نوريئيل كشف النقاب مؤخرا بان معهد "CERS" الصيغة السورية لرفائيل (سلطة تطوير الوسائل القتالية) يطور من أجل حماس وسائل قتالية جديدة. الى جانب التطويرات الجديدة، التقدير هو أن حماس تحوز على عشرات صواريخ فجر 5 لمدى 75كم. ويحافظ الذراع العسكري لحماس على الغموض في هذا الموضوع ولشدة المفارقة يعزى الادعاء الى وسائل الاعلام الاسرائيلية. ومع ذلك ففي حق الغموض هذا، تحدد حماس اهدافها المستقبلية. فقد ورد في موقع كتائب القسام على الانترنت "انه اذا كانت هذه التقارير صحيحة فمعنى الامر انه في الحرب القادمة ستكون حماس قادرة على ضرب تل أبيب والمفاعل في ديمونا". وتدعي مصادر فلسطينية بان حماس أعدت خطة نار مرتبة، والنار لمسافات بعيدة – بما في ذلك غوش دان – لن تنفذ في المراحل الاولى. ويقدر الفلسطينيون "انهم سيستخدمون هذا السلام حين يشعرون بان ظهرهم الى الحائط". لتحسين قدرة اطلاق النار اقامت حماس "نطاقات اطلاق الصواريخ" مسلحة، مثابة خنادق تحت أرضية وفيها صواريخ جاهزة للاطلاق مع سيطرة من بعيد. ولهذا الغرض استخدمت المنظمة الاسمنت الذي دخل القطاع، سواء عبر اسرائيل ام عبر انفاق التهريب. بل ان الذراع العسكري لحماس اقام مصانع لانتاج واعادة استخدام الاسمنت فقط كي يتأكد بان لديه ما يكفي من المواد الخام لبناء هذه الخنادق. واذا لم تكن تكفي الصواريخ بعيدة المدى، ففي الاشهر الاخيرة بدأت ظاهرة أكثر اقلاقا. سيناء، التي استخدمت ذات مرة فقط لتهريب الوسائل القتالية، اصبحت ساحة نشاط – مثابة جبهة داخلية تنفيذية – لوجستية لحماس. وتقول مصادر أمنية في اسرائيل ان "سيناء أصبحت الساحة الخلفية لقطاع غزة. واذا كانت سيناء ذات مرة محطة انتقالية فانه يمكن اليوم الحصول هناك على كل الوسائل القتالية. انها مخزن هائل للوسائل القتالية". وحسب مصادر أمنية فلسطينية فان الواقع في سيناء اشكالي جدا. قسم كبير من مخارط الصواريخ ومصانع انتاج الوسائل القتالية نقلت من قطاع غزة الى سيناء نفسها. واذا كانت حماس ذات مرة تهرب كل المواد الخام الى القطاع، فانها اليوم تبقيها في سيناء، تنتج صواريخ وتدخل فقط المنتج الجاهز. لهذه الخطوة يوجد اعتباران. الاعتبار الاقتصادي: الانفاق هي عنق الزجاجة وعليه، فبدلا من ادخال اطنان من المواد الخام، يوفرون في النقل، ينتجون في سيناء ويدخلون فقط ما يحتاجونه – أي، السلاح. الاعتبار الثاني امني: حماس تفهم جيدا بان اسرائيل غير قادرة على مهاجمة هذه المصانع، عندما تعمل هذه في الاراضي المصرية. أما المخاطرة في الانكشاف من جانب اجهزة أمن مبارك، كما يبدو، فتخيف حماس أقل مما يخيفها سلاح الجو. معنى الامر هو أنه في اثناء حملة يمكن لحماس أن تستخدم سيناء ايضا كموقع لاطلاق صواريخ نحو اسرائيل. فعندما يدور الحديث عن صواريخ بمدى 70كم فأكثر، فان حماس يمكنها أن تضرب تل أبيب حتى من سيناء. مثل هذه الخطوة وان كانت كفيلة بان تورط حماس مع مصر، ولكن النار على ايلات اثبتت بان هذا الاعتبار لا يردع اصحاب القرار في المنظمة. ومن الجهة الاخرى، في حماس يفهمون بان اسرائيل ستجد صعوبة في العمل ضدهم عسكريا، عندما يعملون من سيناء. قتال في منطقة مبنية لمواصلة اطلاق الصواريخ لفترة طويلة قدر الامكان، واضح لحماس أنه سيتعين عليها ضرب قدرة المناورة لدى الجيش الاسرائيلي في القطاع. هنا تدخل الى الصورة خطة المنظمة الدفاعية. فحماس تعتزم ادارة حرب غير متماثلة مع الجيش الاسرائيلي ولهذا الغرق فانها ستحاول جر قوات للقتال في منطقة مبنية، كثيفة السكان المدنيين. وفي السنتين الاخيرتين اعدت حماس بنى تحتية عسكرية داخل المدن ودربت الاشخاص على اقامة استحكامات معدة على عجل في الانفاق، بعد أن تنهار الاستحكامات الثابتة. غرف عمليات في المستشفيات كجزء من استخلاص الدروس من رصاص مصبوب أعدت حماس سيارات مدنية، مثل سيارات الاسعاف وسيارات الصحافة لاستخدام عملياتي. فقد أقام مقرات لنشطاء وقيادات في مبان عامة، في مؤسسات طبية وفي شقق مدنية. كل موقع كفيل بان يحظى بـ "حصانة" اصبح هدفا مفضلا. وبالتوازي، عملت حماس في الجامعات على منظومتها التحت أرضية – منظومة الانفاق كما تسمى في اسرائيل. وتشكل هذه المنظومة مدماكا مركزيا في بناء القوة لدى حماس، والتي يفترض أن تزيد طول نفسها في اثناء قتال مستمر. وفضلا عن الاستخدام الهجومي، كانفاق اختطاف او تفجير، تأتي المنظومة للمساعدة في الحركة الامنة للمقاتلين والمسؤولين بعيدا عن ناظر سلاح الجو. ويقول مصدر امني فلسطيني "لديهم خطة لكيفية محاولة انقاذ قيادتهم. في الحرب السابقة اختبأوا جميعهم في مستشفى الشفاء. هذه المرة ايضا سيذهبون الى هناك. ولن يبقوا لزمن طويل في الانفاق، تحت الارض. وهم يعرفون بانهم اذا لم يصلوا بسرعة الى مكان آمن فسيبقون تحت الارض الى الابد".