قبل عامين، وفي ذات التوقيت أواخر العام، والعالم منشغل باحتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، قامت إسرائيل بعدوانها الواسع على قطاع غزة في حرب همجية استخدمت فيها إسرائيل كافة أنواع الأسلحة الحربية، وجربت الجديد منها، وأدت إلى عشرات آلاف الضحايا والمهاجرين الجدد وعدد متزايد من العائلات التي باتت بلا مأوى، مع تشديد إضافي على الحصار.مع أواخر كل عام، تشهد الساحة الفلسطينية عدداً من المهرجانات والفعاليات، بحكم أن هذا الشهر الأخير من العام، كانون الأول، يشهد ذكرى انطلاقة عدد من الفصائل الفلسطينية، حيث تشمل هذه الفعاليات، عمليات فدائية، باتت تقتصر في الغالب على إطلاق الصواريخ محلية الصنع، والمحسنة محلياً لهذا وفي كل عام، وفي مثل هذا التوقيت تتحسب القوات الإسرائيلية المحتلة لهذه الفعاليات العسكرية، بحيث تتم عملية تسخين للمناطق الحدودية على تخوم القطاع، ويسود الحديث عن حرب إسرائيلية جديدة.هذا العام، لا يختلف عن سابقيه سوى في زيادة شحنة التسخين والحديث عن الحرب، فإسرائيل تقول إن الصواريخ التي تطلقها المقاومة من القطاع باتجاه إسرائيل باتت أكثر دقة، وهذا من الناحية العسكرية صحيح، فمع زيادة إطلاق الصواريخ، يصبح لدى مطلقيها خبرة أكبر في تحديد الأهداف، خاصة وأن سلطات الاحتلال ووسائل إعلامها، كثيراً ما تحدد موقع سقوط كل صاروخ، ما يتيح المجال أمام مطلقه لتحديد نسبة واتجاه الخطأ والصواب بالنسبة إلى الهدف، ومع مهرجانات إطلاق الصواريخ بعدد كبير من قبل عدة فصائل في توقيت متماثل تقريباً، تكون نسبة الإصابة أكثر من أن يكون العدد محدوداً، كما يحدث في الأوقات الأخرى، ومع ذلك، فإن هذه الصواريخ لم تصب أي هدف فعلي، فمعظمها سقط في أراض خالية، وبعضها لم يتمكن من الوصول إلى الأراضي المحتلة، وبالتالي فإن عملية إطلاق هذه الصواريخ، رغم ما تتحدث فيه قوات الاحتلال، لم يخل بميزان القوى أيما إخلال، وما زالت هذه العملية ذات طبيعة استعراضية احتفالية من دون أن تلحق أضراراً ملموسة على الجانب الآخر.وفي ذات التوقيت، قررت قوات الاحتلال نشر دبابات مجهزة بنظام حماية نشيط بالفولاذ المدرع "بكاسر الريح" على طول الحدود مع قطاع غزة، وسيبدأ نشر هذا النظام الشهر المقبل، وذلك بعد أن أصابت الصواريخ المضادة للدروع إحدى دبابات ميركافا، غير أن مثل هذه القرارات الميدانية، لها علاقة مباشرة بتعديل التكتيكات الميدانية وتطوير الأداء، أكثر من أن يشكل مقياساً لنوايا – غير عادية – بالحرب على قطاع غزة، إذ إن إسرائيل، ككل الدول، تلجأ إلى سد الثغرات في نظامها الأمني والعسكري من خلال التجربة الميدانية، غير أن اللافت في هذا النظام، أن هناك وحدة إسرائيلية واحدة تملك هذا النوع الجديد من الدبابات المشار إليها، وهذه الوحدة الوحيدة، ستتخذ موقعها على تخوم الحدود مع قطاع غزة!!الغارات الإسرائيلية، بالطائرات من دون طيار، أو بالطائرات الحربية، خلال الأسبوع الماضي، أدت إلى سقوط خمسة شهداء وجريحين، وهو عدد كبير مقارنة بالظروف العادية، غير أن الجديد في هذا السياق، هو التصريح الذي حذر فيه رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال الجنرال غابي أشكنازي من أنه أصدر تعليماته بأن تستهدف الغارة الجوية ليلة الاثنين – الثلاثاء على قطاع غزة عناصر "حماس" بالتحديد، وهي المرة الأولى التي يتم فيها مثل هذا الاستهداف المعلن منذ انتهاء عملية "الرصاص المصبوب" على القطاع قبل عامين. تلك الحرب التي أدت إلى هدوء شبه تام على الحدود بين القطاع وإسرائيل، إلا أن مناسبة احتفالات بعض الفصائل بذكرى انطلاقتها، ما أدى إلى تزايد أعداد الصواريخ المنطلقة من القطاع إلى إسرائيل، خرق هذه التهدئة، التي تحمل إسرائيل، حركة حماس باعتبارها القوة المسيطرة على القطاع، مسؤولية هذا الخرق وعدم قدرتها على وضع حد للتمرد على التهدئة كما كان الأمر عليه خلال العامين الماضيين تقريباً، ورسالة أشكنازي واضحة، وهي موجهة أساساً إلى حركة حماس، بوضع حد "للتمرد على التهدئة".وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن هذا التهديد جدي، إذ إن حركة حماس، حسب هذه الوسائل، تحث الفصائل على إطلاق القذائف الصاروخية باتجاه إسرائيل لأسباب مختلفة داخلية واستراتيجية، مع ذلك تشير هذه المصادر إلى أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتقد بأن قيادة حركة حماس لا ترغب في تصعيد أمني وفقدان السيطرة وإنما تحاول اختبار الرد الإسرائيلي على أعمالها [موقع "سما" – 21/12/2010]. هذه الإشارات كانت واضحة لدى أشكنازي، وهو يستعرض الأوضاع الأمنية على الحدود مع قطاع غزة خلال الجلسة الخاصة التي عقدتها لجنة الخارجية والأمن البرلمانية في الكنيست، أمس، مشيراً إلى أنه تم تسجيل 118 عملية ضد القوات الإسرائيلية، وأنه تم "قتل" 60 فلسطينياً في المنطقة نفسها، طوال العام الماضي، ولم يشر إلى أية خسائر لدى الاحتلال، وكأنه يقول إن التهدئة غير المكتوبة أو الموقعة القائمة الآن، على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة يجب أن تستمر، ولهذا فإن إسرائيل لن تصمت على أي خرق لهذه التهدئة التي كلفت إسرائيل القيام بحرب واسعة على قطاع غزة من أجلها، والتي – بنظر إسرائيل على الأقل – هي الانتصار الحقيقي في تلك الحرب!قبل عامين، وأثناء حربها على غزة، استثمرت إسرائيل هذه الحرب لاختبار أسلحتها الجديدة، وقد كشف النقاب، الآن، بعد عامين من تلك الحرب، على أن طائرة "إيتان" الضخمة بدون طيار، تم اختبارها بنجاح في تلك الحرب، هذا الإعلان الذي تم في احتفال رسمي، جاء بعد أن وضعت هذه الطائرة في الخدمة الفعلية منذ شباط الماضي، ولا نعلم حتى الآن، إذا ما كان هناك سلاح جديد أو أكثر، لن يكون هناك مجال لاختباره سوى أثناء حرب جديدة مدمرة على قطاع غزة، وقد يكون هذا سبباً كافياً لإقدام إسرائيل على مثل هذه الحرب، في ضوء عدم وجود أسباب تضطر معها إسرائيل للإقدام على حرب كالتي حدثت قبل عامين، طالما أن التهدئة مستمرة، وأنها تستطيع توجيه الإنذارات عند كل اختراق أو تمرد على هذه التهدئة، فهي – إسرائيل – حريصة على الإبقاء على الوضع الراهن، خاصة فيما يتعلق بالانقسام الفلسطيني الذي سعت إليه بنجاح كبير.ولكن وفي كل الأحوال، فإن الحديث عن احتمالات الحرب لا يكفي وغير مجدٍ، إلا إذا وضعنا في حسابنا إمكانيات المواجهة، وهذا يتخطى حدود الاستعدادات العسكرية، إلى استعداد نفسي، وتهيئة الجبهة الداخلية لمقاومة العدوان، وهذا يبدأ من إعداد الملاجئ إلى وضع خطط لتسيير أمور نتائج الحرب اليومية على المجتمع، وهذا يعني، أننا نتحدث كثيراً عن الحرب، من دون أن نعمل إلى ما يشير إلى أننا على استعداد لها!!.www.hanihabib.net