خبر : هل يُصْلِح العطار ما أفسده السِّلِحْدار...؟! .. عبدالحليم أبوحجَّاج

الأربعاء 22 ديسمبر 2010 05:22 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل يُصْلِح العطار ما أفسده السِّلِحْدار...؟! .. عبدالحليم أبوحجَّاج



 طوف  وشوف ، الحكي عالمكشوف .... جنينة و طارحة جُمِّيز.... واللي ما بيعرف الجُمِّـيـز بيحسابه تين....في حواكير دولة فلسطين .      سقى الله  تلك الأيام.... أيام أن كنا لاجئين (مهاجرين) نحمل كارت التموين ونحتـفـظ بأصـالـة أهل المدن ونخوة البداوة وكرم  وزرم الفلاحين . الكل بيحب الكل , والكل بيفرح للكل والكل بيحزن لحزن البعض من كل . دار بحجرتين بينهما كـوة لسراج الكاز وحصيرة وفـرشتـيـن تنام عليها الأم وأطفالها الأربعة والأب جالس على الباب بيدخن سيجارة (الهيشي) , وفي أحد الأركان يوجد بابور كاز للطبخ و النفخ.... و صاج الخبيزعلى النار التي وقودها القش            والحطب.... و طنجرة ملآى بطبخة خبيزة أو حمصيص أو بامية  أو رجلة (بقلة) أوصينية مقلوبة أو صحن أبو عشرة لفت العدس , و زبدية فيها شوية سلطة بندورة مع شوية زيتون وبصلتين ورأسين فجل . ولا نُطعم  اللحمة إلا كل يوم جمعة حيث تكون من الطيور المستأنسة التي تربيها الأم في المـنـزل . و كل خمسة عشر يوما تحصل الأسرة على مستحقاتها من التمـوين الغذائي الذي توزعه ( الأونروا ) فتدخل البهجة على أفراخ  زغب الحواصل لا ماء ولا شجـر إلا بما تأتيهم به ( الأونروا ) التي تتكـفـل بإطعام اللاجئين (المهاجرين) وبتقديم خدمات متواضعة في مجالات الصحة والنظافة والتغـذية الإضافية للأطفال في مراكز الحليب , وخدمة جيدة في مجال التعليم الإلزامي المجاني ، وخدمة متدنية جداً في مجال مياه الشرب و الصرف الصحي حيث تـقـيم حنفيات الماء في الشوارع ، وعندما تتزاحم النساء في الطوابيرالطويلة يذهـب عدد من جرارالفخار ضحايا هـذا التزاحم . كذلك كانت تقام دورات المياه (المراحيض بلا مياه) أيضا في الشوراع , و في الصباح يقف المحتاجون لقضاء حوائجهم صفاً صفاً وهم يتعصَّرون.... وهناك العامل البائس يضرب بالطورية (الفأس) من مطلع الشمس حتى مغيبها بخمسة قروش و في آخرالمشوار : حا يا حمار وجهك زي وجه المهاجر ...يا سبحان الله !!! .      وتدور الأيام وتتوالى السنون فيصبح المهاجر خـديـوياَ ووزيراً وأرستقراطياً وثرياً وإقـطاعـياً مالكاً للأرض وعقيداً وعميدأ يحفُّ نفسه بالخدم والحشم وبطابورمن العسكر والحرامِّية . ونسي أنه كان ومازال لاجئاً شريداً طريداً مظلوماً يلازمه الذل والقهر ليل نهار , وإنه لا يفكر الآن إلا في الوسائل – مشروعة وغير مشروعة – التي تزيد رصيده فتجعل هذا المليون دولار مليونين والخمسة خمستيْن وفي أقرب وقت و بأقل جهد ممكن , و بأكثر الضحايا من البائسين المسحوقين .      وجاءونا بشعار كـذب و جاءونا بوعـد كـذب.... و جاءونا بكـذب في كـذب أن غـزة ستكـون " سنغافورة ثانية " ، و بعد خمس عشرة سنة تقريباً صارت غزة حاكورة جدباء غير صالحة للزارعة وغير قابلة للتعمير والبناء والنماء ، يكثر في ساحاتها أشجار الشوك والعوسج ، وتـنطفئ فيها قناديل لياليها ، وتنكـفئ بها شموس نهاراتها تحت خيمة سوداء ظلماء , وفي الليلة الظلماء تـُـفـتـقـد الكهرباء !.      غزة ترنو إلى القدس.... فتصاب عيونها بالرمد و يصاب قلبها بالكمد حسرة على ما فرطنا في حقها . غزة تتضاحك هزءاً من أهلها الذين نسوا اسم فلسطين وغاب عنهم اللحن الجميل.... بلادنا فلسطين .... لن ننساكِ يا فلسطين.... عاشت فلسطين عربية . و استبدلنا بها اسم غزة.... حكومة غزة.... شعب غزة.... صنع في غزة .... الشعب الغزي.... البرلمان الغزي.... رئيس غزة .... والنائب الغزاوي.... و الوزير الغزاوي.... و إمارة غزة .... ودولة غزة الحمساوية الإسلامية الديكتاتورية العظمى وعاصمتها ( السَّـمُّـوع ) , و دولة  رام الله  الفتحاوية العربية الديمقراطية الكبرى وعاصمتها ( ديرالبلح ) شاء من شاء و أبى من أبى .... واللي مش عاجبه  البلح ، يـأكـل الصَّبـِر والـدُّوم ، ويشرب من ماء وادي السلقا حتى يرضى .  وقد رشَّح مجلس الانقلابات الأعلى ( طلوزة ) الغـنيَّة باللوز؛ عاصمة للدولة الثالثة التي ستقام قريباً لتعزيز الجامعة العنكبوتية العربية . فهـل تـدوم هــذه الحــال ؟... كلا ! لأن دوام الحال من المحال , والمنطق التاريخي يقول لا بد من التغيير , ولكن هل هذا التغيير بإصلاح أم بغير إصلاح ؟ هذا هو السؤال الشبيه بالسؤال الشكسبيري : أن نكـون أو لا نكون , ويبدو أن الخيار الثاني هو الملائم لتوصيف حياتنا الحالية .      وهل يأتي يوم نفـيق فيه على حاكم – استغفر الله – على خادم عادل يسأل أصحاب الكروش   والعروش : من أين لك هذا الكرش ؟ ومن أين لك هذا العرش ؟ و ما مصادر هذا الثراء الفاحش يا من جئتَ إلى أرض الوطن بعد (أوسلو) وأنت لا تملك بيتا أرضيا مسقـوفا بالقـرميـد أو الأسبست فأصبحت تسكن القصور وتملك الدونمات والبيارات والعمارات والاستراحات والأبراج الشاهقات والشركات والمؤسسات التجارية ذات الأرباح الخيالية , وأمسيت محتكراً تجارة الإسمنت والحصمى والحديد ومحتكراً استيراد وبيع البترول والغاز ومهرباً للماء والهواء وللجوالات والحـوالات المالية ، وجـابياً للضرائب والغرامات بالعصا الغليظة خـاوياً على الـنـاس ، متسلطاً عليهم باسم الله الأعظم ، لاتأخذك بهم رحمة ولا تجدي لديك شفاعة ، فتغير لون الدم في عـروقـك ، فبدا رمادياً بعد أن اختلط الأبيض بالأسود ، واستحكم الغِيلان وتوالد الحيتان وتكاثـرعـدد القطط السمان . فـهل نصحو يوما على إقامة محكمة ثورية شعبية لمحاكمة الطغاة الظالمين الذين أزهـقـوا الأرواح ونشروا الأتراح وأقاموا لياليهم الملاح فرحين بحصـادهـم الذي يزعمون أنه نصر مبين ؟. وهل نستيقظ صباحاً على تشكيل محكمة أخرى عسكرية لمحاكمة أصحاب المراتب والمناصب وأصحاب النياشين العسكرية والرتب الشرطية الذين لا يعرفون شيئا من أبجديات العلوم العسكرية وهجائيات القوانين الشرطية ، هؤلاء الذين استوطنوا في غزة وأحكموا قبضتهم عليها فتحوَّلت بهم إلى باستيل كبير، وأولئك الذين تركوا قطاع غزة وأهل غزة على جمر يتـقـد تحت الرماد ، وولوا الأدبارهاربين لاجئين إلى رام الله ، فاحتوتهم حاوياتها وتحوَّل القطاع إلى باستيل كبير تستعر فيه الأحقاد التي اكتوت بلظاها القلوب والأكباد . وبدأت الهجرة المضادة للعسكر من غزة إلى خارج حدود فلسطين ... إلى دول عربية وأخرى أجنبية ، تأتيهم رواتبهم الشهرية حيث يتواجدون فيتـقارعـون الكؤوس ويشربون الأنخاب في صحة الدولار و( وطُز) في القضية ! . ونتيجة طبيعية للحياة البئيسة في القطاع ، انتعشت فكرة الهجرة إلى أوروبا بين شبابنا وشاباتنا وشيوخنا وعجائزنا تدفعهم الرغـبة في السفر هروبا من القرف  وجرعات النكد اليومي ، لعلهم  يجدون لهم ملاذاً أفضل ووطناً أرحم يعطف عليهم ، ويكون أجمل من بلاد العُرب ( أوطاني !) .                فهل يلتفت أولو الأمر في جناحي الوطن المشروخ إلى وحدة البلاد واتحاد العباد ويؤثِرون المصلحة العامة على المنفعة الذاتية ، فنغلق كل الأبواق الشامتة التي تكيل لنا الاتهامات وتنال من الشخصية الفلسطينية التي كانت المثل الأعلى في الصبرعلى الشدائد والثبات في ساحات  الحرب والانتصارات في المعارك العسكرية والدبلوماسية .      هل تشرق شمسنا الوضيئة وتغيب شموسهم الوضيعة , ويتلألأ في دورنا أمل بزوال الكهنة  والرهـابـنة والدراويش والمهلليـن والمتسوليـن والمتسلليـن والمستوطنيـن والمتسلطيـن والمتسلطنيـن ؟ ولايبقى إلا الفلسطينيون الوطنيون ذوو الانتماء الحقيقي لفلسطين ولمنظمة التحرير الفلسطينية بعد نكتها ونفضها وتجديد خلاياها بإزالة الكهنوت الذين انتهت مدة صلاحيتهم منذ زمن بعيد ، وتغذيتها بالدماء الوطنية الفاعـلة ورفد لجنتها التنفيذية بالشباب الفتحاوي والجبهاوي و( المُستقلاوي ) وبكل يد فلسطينية نظيفة ومعطاءة ، تبني وتعلي البنيان ، وتضع دائما في الحسبان أننا أصحاب حق وأصحاب قضية ، وأننا ما زلنا لاجئين مشردين هـدفـنا تحرير فلسطين والعودة إليها ، زاهـدين في المناصب والمراتب والمكاسب التي لا تُغـني عـن الإذن الإسرائيلي بالسماح للسيد الرئيس في الدخول والخروج من مدينة إلى مدينة    .      هل يصدر مرسوم سلطاني بإعـادة الهاربين من غـزة إلى غـزة التي دمرتها الحرب الأهلية قـبل أن يدمرها الرصاص المصبوب ؟ . هل يُبنى ما تهدَّم من ديار ويتفتح في دارنا النوّار        وتغرد الأطيّار ويسكت نعـيـق الغربان ونهيق الحمران ؟ . هل يتصالح المتخاصمون ويتسامح المتقاتلون ويعاد تصويب البندقية إلى صدور الأعداء بدلاً من صدورالأشقاء ؟ . هل يفـلح العـطار في إصلاح الـنـفـوس التي أفسـدتها الأطماع الفـئوية والحـزبية بالاستيلاء على الحـاكـمـية ؟ . هل ينجح العطار في ترمـيـم  ما صدَّعته البندقية ؟ . هل يُقلِع المـفسـدون عن فسادهم  ويتراجع الانقلابيون عن انقلابهم ؟ . هل يرحمنا جميع أعضاء الفريقين فيغادرون الملعب السياسي لآخرين لايـكـونون أمثالهم ؟ . هـل تُسمـع كـلماتي مَن به صـمم ؟ يا ريت !... يا ريت !... و كلمة يا ريت عــمـرها  ما عمَّـرت بيت ولا عمَّرت  خيمة ولا عمّـَرت إمـارة      أو سلطنة ! ولمـين تشكي يا اللي أبوك الحاكم  والقاضي  والجلاد  . *