خبر : ماذا يعني "حل السلطة"؟ ..د. جورج جقمان

السبت 18 ديسمبر 2010 10:34 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ماذا يعني "حل السلطة"؟ ..د. جورج جقمان



بعد أن أعلن الرئيس أبو مازن، مؤخراً، أنه سيتم النظر في حل السلطة في غياب أي مسار سياسي يؤدي إلى حل الدولتين، تساءل العديدون: ما هو المقصود؟ ماذا يعني حل السلطة؟ وكيف يجري حلها؟هل المقصود أن رئيس السلطة الفلسطينية، أو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الذي هو الرئيس أبو مازن يتخذ قراراً أو يصدر مرسوماً رئاسياً بحل السلطة، بعدها يخلي كافة الموظفين في القطاع العام مكاتبهم ويتوقفون عن مزاولة أعمالهم، بمن في ذلك موظفو المستشفيات الحكومية والعيادات الخارجية، والمدرسون الموظفون في المدارس الرسمية التابعة لوزارة التربية والتعليم، والشرطة وأجهزة الأمن المختلفة؟ هل هذا هو المقصود؟ إن الرئيس أبو مازن لم يُفصح عن آليات حل السلطة الفلسطينية وهو غير ملزم الآن بالإفصاح عن ذلك. الموضوع الأهم هنا يتلخّص في أمرين: يجب عدم الحديث عن حل السلطة إلا إذا كان هذا كلاماً جدياً ومدروساً، ولنفترض أيضاً، أن من لديه استعداد للإقدام على الخطوة الأولى أيضاً مستعد للذهاب إلى نهاية الطريق إن لزم الأمر، إذ لا معنى للبدء بخطوة أو خطوتين دون الاستعداد للذهاب إلى آخر خطوة، أي حل السلطة.هل يحتمل الموضوع خطوات، وليس حل السلطة بضربة واحدة؟ نعم، ويجب عدم الإقدام على هذا الأمر إلا بخطوات. والسبب في ذلك أن ردود فعل إسرائيل على أية خطوات فلسطينية هي التي ستؤدي إلى حل السلطة.أولاً، الهدف: إن الهدف من حل السلطة هو عدم وجود مسار سياسي جدي يؤدي إلى حل الدولتين بالفهم الفلسطيني لإنشاء دولة فلسطينية، أي ليس دولة "معازل" منقطعة الأوصال وداخل الجدار ودون القدس. هذا ما قد تقبل به الحكومة الإسرائيلية الحالية في أفضل الأحوال وهذا ما تم رفضه مراراً وتكراراً من قبل القيادة الفلسطينية. والسبب هو أن الفلسطينيين لم يتصوروا أن تعمل السلطة الفلسطينية كبلدية كبرى لإدارة شؤون السكان بصورة دائمة فاقدة للسيادة، حتى لو سميت دولة.ثانياً، إن البدء بخطوات قد تؤدي إلى حل السلطة من شأنه أن يعطي الجانب الفلسطيني قوة المبادرة التي افتقدها حتى الآن، والتي بدورها ستؤدي إلى خلط الأوراق و"قلب الطاولة"، أي تغيير جداول أعمال الدول الإقليمية ودول أخرى مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ما هي الخطوة الأولى؟ هنا توجد عدة إمكانيات يجب فحصها. مثلاً، ماذا حصل في تقرير (غولدستون) الذي طلبت السلطة تأجيل البتّ فيه قبل عدة شهور؟ هل يمكن متابعته بعد دراسة أفضل للآليات؟ ماذا عن قرار محكمة العدل الدولية بخصوص الجدار الذي حسمت أنه غير قانوني وأن الضفة الغربية أرض محتلة؟ هل فات الوقت على متابعته أم أنه هناك آليات مازالت صالحة للمتابعة؟ في كلتا الحالتين من المتوقع أن الحكومة الإسرائيلية ستقدم على الردّ، مثلاً إيقاف تحويل عائدات الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، أو إعادة الحواجز ومعيقات التنقل المختلفة في الضفة الغربية التي رفعت، على قلّتها، إلى سابق عهدها، أو منع عدد من المسؤولين في السلطة من السفر للخارج، أو حتى في مرحلة ما، ربما منع أبو مازن من السفر في حال تأزّم الأمر، وقد شاهدنا هذا المسلسل سابقاً.سيناريو آخر، هو ما ألمح إليه الرئيس أبو مازن سابقاً وهو استقالته من رئاسة السلطة الفلسطينية. وقد صرح رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض في حينه أنه أيضاً، سيستقيل في حال استقال الرئيس. لنفترض إذاً، استقالة الرئيس أبو مازن واستقالة الوزارة. هنا سينشأ فراغ سياسي وإداري. لمن ستحول أموال الدعم، من سيدفع الرواتب، من سيتخذ القرارات، من سيدير السلطة؟في كلتا الحالتين يجب أن نسأل: هل سيستمر التنسيق الأمني أم أنه سينهار ولو بعد فترة؟ هذا أحد "الأخطار" من وجهة نظر إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى عربية وأوروبية، لأنه يؤدي في نهاية الأمر إلى "عدم الاستقرار" في فلسطين وفي المنطقة أيضاً. فالفراغ السياسي يفتح المجال عاجلاً أم آجلاً للعراك الميداني في وضع الاحتلال وفي غياب أفق سياسي ملموس.كيف ستتصرف الولايات المتحدة والدول العربية وإسرائيل أيضاً، في حال تحقق أحد هذه السيناريوهات؟ هنا يجب الالتفات إلى أن حل السلطة يبدأ بخطوات وليس "بضربة واحدة" فجأة وبغتة ويجب ألا يكون هكذا، لأن الهدف مرة أخرى هو أخذ زمام المبادرة وخلط الأوراق. لكن القرار يجب أن يؤخذ مسبقاً بالذهاب إلى نهاية الطريق إن لزم الأمر.من المتوقع أنه في مرحلة ما من تأزم الوضع سيتم التدخل من قبل الولايات المتحدة والدول العربية خشية الانحلال النهائي للسلطة الفلسطينية. ولكن هنا يجب على السلطة التشبّث بالأهداف وعدم الركون إلى حلول نصفية. الهدف هو إنشاء دولة فلسطينية بالفهم الفلسطيني لها. ويجب ألا تقبل أية تسوية تهدف فقط إلى إنهاء الأزمة دون تحقيق مطالب واضحة تؤدي إلى إنشاء الدولة. عدا ذلك، لتبقَ الأزمة ولتستمر.القضية الأساسية هنا أن السلطة الفلسطينية تضع حياتها على المحكّ. الجميع يريد بقاءها: إسرائيل، لأنها لا تريد العودة إلى الاحتلال المباشر وتحمّل تبعات إدارة السكان والنفقات المالية المترتبة على ذلك، والدول العربية والولايات المتحدة والدول الأوروبية أيضاً. ولكن إسرائيل لا تريد دفع الثمن السياسي لتحوّل السلطة إلى دولة، والولايات المتحدة غير قادرة حتى الآن على إجبارها على ذلك. أما الدول العربية، فحدّث ولا حرج.فما لم تضع السلطة الفلسطينية حياتها على المحكّ، لن يحدث شيء. ولكن، مرة أخرى، من يأخذ الخطوة الأولى عليه أن يكون قد قرر الذهاب إلى خط النهاية إن لزم الأمر.دون ذلك، لا معنى للحديث عن حل السلطة ولا طائلة من ذلك. هل هذه سياسة "حافة الهاوية"؟ نعم، ولكن لا خيار للسلطة الآن وفي هذا الظرف. فبعد تسعة عشر عاماً من المفاوضات منذ نهاية العام 1991 ومؤتمر مدريد، لا يوجد للسلطة تسعة عشر عاماً أخرى من المفاوضات. لقد وصلنا إلى نهاية الطريق. هنا يجب الآن المبادرة إلى خطوات أخرى.ماذا يعني حل السلطة؟ خطوات وليس خطوة واحدة. خطوات تعيد المبادرة إلى الجانب الفلسطيني بشرط الاستعداد للذهاب إلى نهاية الطريق إن لزم الأمر. وتكون إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية قد قررت حل السلطة. * جامعة بيرزيت