خبر : الحل بتصعيد الأزمة .. محمد ياغي

الجمعة 17 ديسمبر 2010 04:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
الحل بتصعيد الأزمة .. محمد ياغي



أما وقد وصلت المفاوضات الى نهايتها بإعلان الولايات المتحدة عدم رغبتها بفرض وقف الاستيطان على إسرائيل، وبسلسلة الإجراءات التي تقوم بها حكومة نتنياهو في القدس تحديداً بهدف تهويدها وفرض واقع يستحيل تغييره من خلال المفاوضات، فإن الخيارات المتاحة للسلطة تتراوح ما بين قبول الأمر الواقع والاستجابة للمبادرة الأميركية الأخيرة - مفاوضات غير مباشرة، أو إعلان فشل مشروع المفاوضات من أساسه وطرح خيارات بديلة لمواجهة الصلف الإسرائيلي. الرئيس عباس أبلغ الجانب التركي عن وجود ستة خيارات سيستخدمها بالترتيب، لكنه لم يفصح عنها صراحة. من أحاديثه وأحاديث بعض المطلعين يمكن القول إن الخيارات البديلة تتراوح بين اللجوء لمجلس الأمن، إعلان مكرر للدولة على حدود ما قبل الرابع من حزيران، أو حل السلطة. من الملاحظ هنا أن اللجوء لمجلس الأمن لا يمكن أن يسمى بديلاً أو خياراً، لأنه جزء من عملية إدارة الصراع مع إسرائيل ويمكن اللجوء دائما لمجلس الأمن للحصول على "فيتو" أميركي. بالرغم من أن ذلك ضروري لتنبيه العالم بأن الشعب الفلسطيني لن يقبل باستمرار الوضع القائم، ولفضح الدول "الراعية" للموقف الإسرائيلي أيضاً، إلا أنه بالتأكيد ليس خيارا يمكن "إخافة" إسرائيل به، أو إجبارها من خلاله على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في أرضهم. لو كان ذلك خياراً حقيقياً لتحررت فلسطين منذ وقت طويل فلا توجد قضية في العالم عرضت على مجلس الأمن وصدر من أجلها قرارات- أو أجهضت القرارات بفعل الفيتو- أكثر من القضية الفلسطينية. الخيار الثاني هو إعادة إعلان الدولة وطلب اعتراف العالم بها. وهنا لا يمكن إلا أن نشير الى الدولة قد أعلنت العام 1988 من الجزائر وأكثر من مائة دولة في العالم معترفه بها، ولكن ذلك لم يعط حتى الآن رئيس الدولة إمكانية مغادرة "رام الله" دون إذن إسرائيلي. لا يوجد حقيقة ما هو جديد في هذا الطرح، وحتى لو قررت أوروبا الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد عام كما تشير بعض التقارير فإن ذلك لا يعني قيام الدولة على الأرض، ولا يعني تغيراً في معادلة الصراع، او حتى في سياسة أوروبا تجاه الصراع. لماذا؟ لأن أوروبا سياسياً مثل الولايات المتحدة ترفض وحتى قبل اعترافها "بالدولة الفلسطينية" سياسة الاستيطان وتهويد وضم القدس، وتقدم مئات الملايين للسلطة كمعونات مالية. ماذا سيضيف الاعتراف على سياسة أوروبا تجاه فلسطين؟ هل ستقوم بمعاقبة إسرائيل وفرض حصار اقتصادي عليها لأنها تحتل دولة أخرى..لأنها تتحدى قوانين الأمم المتحدة التي لا تسمح باحتلال أراضي دولة أخرى بقوة السلاح؟ لا نعتقد ذلك، لأن أوروبا لا تحتاج من أجل القيام بذلك للاعتراف بدولة فلسطينية، فالقانون الدولي واضح من مسألة احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية. خطوة أوروبا إن تمت فهي لا تعدو أكثر من مجاملة ومكافأة "لقيادة" الشعب الفلسطيني لتشجيعها على الاستمرار في احتمال التعنت الإسرائيلي دون طرح خيارات بديلة تسمح بنقل القضية الفلسطينية من هامش جدول الأعمال الدولي الى مركزه. إعلان الدولة إذا ليس بديلاً لشيء، هو حركة في ذات المكان، ومع ذلك يمكن تفعيل الإعلان القديم للحصول على الاعتراف من المزيد من الدول، لعل ذلك يسهل حركة الفلسطينيين لحشد التأييد لقضيتهم، أما على الأرض فهو لن يغير شيئا. حل السلطة هو خيار حقيقي، سيغير جميع المعادلات، إسرائيل لا تريده ولا تستطيع احتماله، لكنه أيضاً خيار قد يضاف الى سلسلة أخطاء قيادة منظمة التحرير التي بدأت بقبول أوسلو ثم بإعلان انتفاضة الأقصى ثم بتجريم كل من يلجأ للعنف في الصراع مع إسرائيل. الحديث عن حل السلطة يفتقد إلى المسؤولية عندما تتعلق المسألة بالخيارات، فإن السؤال المهم هو كيف وصل الفلسطينيون الى هذا المرحلة البائسة سياسياً بعد عشرات السنين من النضال والتضحيات؟ الإجابة على هذا السؤال فقط تسمح بتقديم البدائل الحقيقية للمفاوضات. لا يتسع هذا المقال لإجابة مستفيضة لكن يمكن تقديم خطوط للإحابة يمكن البناء عليها لتقديم البديل. أولاً، كان من الخطأ العودة للمفاوضات بعد انتفاضة الأقصى دون اعتراف صريح من إسرائيل باستعدادها للانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها منذ العام 1967. ثانياً، ما كان يجب إسقاط خيار المقاومة بجميع أشكالها بأي حال لأن المقاومة حق للفلسطينيين الى ان ينتهي الاحتلال. ثالثاً، ما كان يجب التنسيق مع إسرائيل وهي تقوم بعملية انسحاب أحادي من غزة والقبول بترتيباتها على معبر رفح لسبب بسيط لأنها انسحبت أحادياً. رابعاً، ما كان ينبغي السماح بتفجير الأوضاع في غزة وتحت أي ظرف لأن وحدة الفلسطينيين هي طريقهم الوحيد للخلاص من الاحتلال. خامساً، كان من الضروري فصل السلطة عن المنظمة وإبقاء مهام السلطة خدماتية دون أن يكون لها أي علاقة بالشأن السياسي. سادساً، كان يجب تجديد منظمة التحرير وإصلاحها تنظيمياً وسياسياً حتى تكون العنوان الحقيقي لجميع الفلسطينيين. هذه مجرد خطوط عامة للأسباب التي أوصلت الفلسطينيين الى ما هم اليوم فيه. البديل إذاً لفشل المفاوضات يكمن بتصحيح المسار، بتقديم حلول لجميع هذه الأخطاء وهي مسألة ليست شائكة، تحتاج فقط الى قيادة شجاعة تقر بهذه الأخطاء وتصححها. يمكن البدء بثلاث خطوات تصعيدية ستكون مؤلمة لإسرائيل وستضع الولايات المتحدة وأوروبا أمام خيارات حقيقية للتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. أولاً، فصل السلطة عن المنظمة من خلال حل جميع الاجهزة الامنية والإبقاء على جهاز الشرطة فقط - عندما يكون للفلسطينيين دولة تكون لهم أجهزة أمنية لكن ليس قبل ذلك. حل وزارة الخارجية وإحياء الدائرة السياسية في المنظمة. حل وزارة الداخلية وتحويلها الى دائرة للاحوال المدنية. بشكل مختصر إعادة كل ما هو سياسي لمنظمة التحرير وإعطاء السلطة طابعاً خدماتياً يهتم بالتعليم والصحة والطرق وغيرها مما يحتاجه الناس. ثانياً، الاتفاق مع "حماس" على توحيد الجسم السياسي للشعب الفلسطيني، بمعنى إصلاح منظمة التحرير وإحياء نشاطها في الشتات الفلسطيني، وإعادة الاعتبار للخارج. ثالثاً، اشتراط العودة للمفاوضات ليس بوقف الاستيطان فقط، بل بقبول إسرائيل مبدأ الانسحاب من جميع الأراضي الفلسطينية التي تحتلها منذ حرب حزيران، فالمفاوضات يجب أن تكون على الخطوات الإجرائية لتنفيذ الانسحاب وليس على مبدأ الانسحاب. إذا كانت سلطة منظمة التحرير تبحث عن خيارات فهي بلا شك موجودة، والحل مع إسرائيل يكون بتصعيد الأزمة حتى تحتل جدول أعمال الدول المعنية بهذا الصراع، لا بمساعدتهم على إبقاء القضية الفلسطينية خارج اهتماماتهم