أسبوعان من الان يكون قد مضى سبعمائة يوم على تعيين جورج ميتشل مبعوث سلام امريكياً الى المنطقة وخلال هذه الفترة الطويلة لا يمكن الحديث عن اى انجاز بل عن فشل ذريع ومدوّ ليس فقط فى تحقيق الهدف المرجو وهو اتفاق سلام نهائى للصراع فى فلسطين وانما حتى فى جمع الطرفين وابقائهما على طاولة التفاوض .اعتقد ان السبب يكمن فى التكتيك الخاطىء الذى اتبعه ميتشل ومن خلفه ادارة اوباما ويتمثل فى التساوق مع المواقف الاسرائيلية والسعى الدائم للتاقلم معها وشق طريق تفاوضى التفافى من اجل تحاشى الصدام و عدم الضغط على حكومة نتن ياهو لتغيير مواقفها المتطرفة التى اوصلت عملية التسوية الى طريق مسدود .حدث هذا باكرا جدا وبدلا من الاصرار على مطلب التجميد التام للاستيطان الشرعى والقانونى والاخلاقى وبعد عشرة اشهر من الاخذ والرد انحنى ميتشل فى تشرين ثاني نوفمبر 2009 امام خديعة الكبح المؤقت والجزئى للاستيطان لا بل وصل الامر الى وصفها بالخطوة التاريخية وغير المسبوقة وامام موقف السلطة المحق-ولكن المتاخر-بعدم التفاوض فى ظل الاستيطان وعدم ابتلاع الخدعة الاسرائيلية ابتدع ميتشل مصطلح مفاوضات التقريب ولم يمتلك الشجاعة حتى لوصف الاشياء باسمها ووعد الفلسطينيين بان يتم تحقيق تقدم جدى فى قضيتى الامن والحدود يسمح بالانتقال الى المفاوضات المباشرة لمناقشة الملفات العالقة الاخرى وبينما قدمت السلطة رؤاها وخططها وتصوراتها الحدودية والامنية رفض نتن ياهو القيام بشىء مماثل واصر على ان القضايا الصعبة تقتضى حواراً مباشراً وجها لوجه وهنا ايضا تفهمت الادارة الامريكية ومعها ميتشل طبعا الموقف الاسرائيلى بل وتساوقت معه وضغطت على السلطة الفلسطينية للذهاب الى المفاوضات المباشرة دون مرجعيات ودون تجميد تام للاستيطان ودون سقف زمنى محدد ووفق خطاب شهير لهيلارى كلينتون ابقى الرئيس ابو مازن ساهرا وغاضبا وحتى فى تلك المفاوضات وجولاتها الثلاث فى واشنطن وشرم الشيخ والقدس المحتلة لم يطرح نتن ياهو اى موقف من القضايا الجدية والحساسة والصعبة الثلاث الحدود والقدس واللاجئين-ومتفرعاتها المياه والاستيطان والامن- بل حتى رفض مبعوثه اسحق مولخو تسلم وثيقة من صائب عريقات تتضمن الموقف الفلسطينى من تلك القضايا واكثر من ذلك فان ميتشل زعم ان ثمة تقدماً كبيراً قد تحقق وان ثمة نقاشاً جدياً جرى فى تلك الجولات الثلاث وهو الامر غير الصحيح كما اتضح لاحقا ولم يكن سوى محاولة فاشلة وبائسة لاعطاء انطباع مزيف عن حقيقة ما حصل كما عن جوهر الوساطة والمساعى الامريكية غير العادلة او الشفافة بين الطرفين الفلسطينى والاسرائيلي .انهارت المفاوضات المباشرة مع استئناف اسرائيل للاستيطان وبشكل مكثف ومهووس اواخر ايلول سبتمبر القادم اثر انتهاء الكبح المؤقت والوهمى وهنا ايضا لم يغير ميتشل نهجه وتكتيكه واستمر المنحى الدائم للتساوق مع الموقف الاسرائيلى وشق طريق التفافى اخرحتى لو كان وعرا ومسدود الافق وخرجت الادارة عن طورها لاقناع اسرائيل بكبح مؤقت ووهمى اخر مقابل سلة ضمانات امنية وسياسية ذات طابع استراتيجى وامام الصلف و العنجهية التى قابل بها نتن ياهو اغراءات الادارة اضطرت هذه مرة اخرى الى الهرب الى الامام وعدم مواجهة الحقيقة والقت هيلارى كلينتون خطاباً اخر –يمكن توقع انه ابقى ابو مازن ساهرا وغاضبا ايضا- لم يسمِّ الاشياء باسمائها ولم يحمل اسرائيل المسؤولية عن انهيار المفاوضات ووصول التسوية الى طريق مسدود وبلغت الوقاحة حد ارسال ميتشل مرة اخرى ليتحدث ليس عن مفاوضات غير مباشرة وانما عن مفاوضات موازية هذه المرة وعن اجراءات لبناء الثقة واستقبال مواقف الطرفين من القضايا النهائية تمهيدا للعودة الى المفاوضات المباشرة وكنا طبعا قد شاهدنا هذا الفيلم الامريكى الطويل والممل من قبل والذى لا يصب سوى فى مصلحة نتن ياهو وسياسة كسب الوقت التي يتبعها من اجل فرض الوقائع على الارض خاصة فى القدس لافراغ اى مفاوضات محتملة من جداوها ومحتواها .السيد حنا عميرة قال الاربعاء ان لا موقف واضحاً للامريكيين من الاستيطان ومرجعية التفاوض وذهب السيد نبيل ابو ردينة ابعد من ذلك حين قال ان جورج ميتشل لم يات بجديد والدور الذى تلعبه واشنطن هو فى الحقيقة دور العاجز .هذا يطرح طبعا علامات استفهام عن اسباب التساوق الفلسطينى والعربى مع الدور الامريكى العاجز والمفتقد للرؤية الواضحة غير انه يطرح ايضا علامات مماثلة تجاه جهود السيد جورج ميتشل الذى قال ذات مرة ان وساطته فى ايرلندا شهدت سبعمائة يوم من الفشل ويوم نجاح واحداً وهو امر مستبعد فى فلسطين اذا ما اصر السيناتور الامريكى على التمسك بتكتيكه التفاوضى وبدون التغيير الكامل و الاقتناع ان المسار التفاوضى السابق لن يؤدى الى اى نتيجة والاتجاه الى تنسيق الجهود مع الامم المتحدة والاتحاد الاوروبى والضغط الفعلى على اسرائيل للانصياع للشرعية والقوانين والمواثيق الدولية لا امل فى يوم ولا حتى ساعة نجاح واحدة وهى امور لن يستطيع ميتشل القيام بها وعليه بالتالى احترام تاريخه والاقلاع عن لعب دور ورقة التوت لتطرف نتن ياهو وعجز وجبن ادارة اوباما فى مواجهته . مدير مركز شرق المتوسط للاعلام