خبر : أفضل من "ويكيليكس"/بقلم: الوف بن/هآرتس 15/12/2010

الأربعاء 15 ديسمبر 2010 11:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أفضل من "ويكيليكس"/بقلم: الوف بن/هآرتس 15/12/2010



التسجيل مشوش. يجب الاصغاء اليه بسماعتين وتحليل التخاطب من خلال الضجيج الخلفي ورنين الكؤوس والملاعق. لكن الجهد ذو مردود: فالحديث بين غولدا مئير وريتشارد نيكسون يثير القشعريرة حتى بعد عشرات السنين. غطّيت بصفتي مراسلا سياسيا الكثير من زيارات رؤساء الحكومة الاسرائيليين لواشنطن، من وراء الباب دائما. لم أسمع قط التخاطب داخل الغرفة البيضوية. وها هو ذا عندي في أذني، في تسجيل نشرته مكتبة نيكسون في نهاية الاسبوع الماضي. غولدا مع اللهجة الايديشية، وهنري كيسنجر مع اللهجة الالمانية، واسحق رابين بانجليزية أهل هذه البلاد وفوق الجميع الرئيس نيكسون، الذي قد تورط في قضية ووترغيت وما يزال يُسمع مهيمنا على الحديث، ويعطي الضيفة من اسرائيل درسا في العلاقات الدولة. هذا أكثر أسرا من وثائق "ويكيليكس" حتى مع مرور الزمن. جاءت غولدا الى البيت الابيض في 1 آذار 1973 بهدف مزدوج هو أن تضمن ألا يكلف التقارب بين الولايات المتحدة ومصر اسرائيل الانسحاب من سيناء، وأن تحصل على طائرات حربية جديدة لسلاح الجو. أراد نيكسون أن يقنعها بأن دخول تفاوض سياسي "جيد لمصالحنا ومصالحكم"، والى أن يُلمح الى أن التزويد بالسلاح متعلق بالتطورات السياسية. فالطائرات مقابل المناطق، كما في الصفقة الفاشلة التي اقترحها الرئيس براك اوباما على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. أصرت غولدا على موقفها. وكما فعل نتنياهو باوباما، أوضحت هي ايضا لنيكسون أن اسرائيل تريد السلام أكثر من كل شيء، ومستعدة للمخاطرة من اجله. واشتكت من الرئيس المصري قائلة: نقلت رسالة الى السادات عن طريق رئيس رومانيا ولم يُجبني. كان في خلفية الحديث اقتراح مصر تسوية دائمة مع اسرائيل سُلمت الى كيسنجر قبل ذلك باسبوع. ولم تتحمس غولدا. اقترحت تسوية مرحلية ضيقة، وقالت انها ستكون صعبة عليها من جهة سياسية. "يريد المصريون أن تُسلمهم امريكا اسرائيل.. أن نعود الى حدود 1967 ثم الى حدود 1947، ثم تسوية شؤوننا مع الفلسطينيين. والفلسطينيون، أي عرفات والارهابيون"، حذرت. ووعد الرئيس بتنسيق المواقف معها. كان نيكسون وكيسنجر أكثر اهتماما بتوازن القوى بين القوتين العظميين من احراز سلام في الشرق الاوسط. وبدت لهما المسيرة السياسية أداة لاضعاف التأثير السوفييتي. وقد انتقلا الى نغمات عالية في الحديث عندما طلبا الى غولدا فقط أن تكف جماح مؤيدي اسرائيل في مجلس الشيوخ، الذين طلبوا اشتراط المصالحة مع الاتحاد السوفييتي بتخفيف الضيق عن يهود روسيا ("تعديل جاكسون"). صدتهما غولدا ووصفت في حماسة معاناة اليهود وراء الستار الحديدي. عرض نيكسون نفسه عليها بصفته محاربا قديما لمعاداة السامية؛ ويبدو أنه نسي أنه سجل نفسه ولم يظن أن تُنشر هذه المدونات ذات يوم مع ملاحظاته الفظة على اليهود. في أهم مقطع في الحديث بيّنت غولدا ان اسرائيل قوية ولهذا فان الحدود المصرية هادئة. "لن نستطيع فقط حماية انفسنا اذا هوجمنا بل اننا لن نُهاجم بسبب هذا ايضا". وقد مثلت بمعلومات بلغت اسرائيل من محادثات السادات مع السوفييت (وبلغتها من عميل الموساد اشرف مروان). "نحن نحصل على مسجلات المصريين والروس"، بيّن كيسنجر للرئيس. تم استيعاب الرسالة: فمصر ضعيفة واسرائيل تستطيع جرها من أنفها. ولا شيء مُلح. عادت غولدا الى القدس، وصدت الاقتراح المصري وتمتعت اسرائيل بسبعة اشهر اخرى من الهدوء الأمني والنماء الاقتصادي والاستقرار السياسي. ثم عبر المصريون القناة، وتغير التاريخ الى غير رجعة. ثمة تشابه كبير بين غولدا ونتنياهو: في الشعبية والتجربة السياسية والانجليزية الجيدة والمواقف السياسية. كذلك أيدت هي "عدم التخلي عن أي شبر ارض" تحت غطاء "لا شريك". لكنه يوجد ايضا فرق جوهري بين رئيسي الحكومة. فغولدا لم تعرف في آذار 1973، أن الجمود السياسي سيفضي بمصر الى الحرب. وقد جرب نتنياهو على جسده حرب يوم الغفران، عندما عاد من دراسته في بوسطن وأسرع الى الجبهة. وقد رأى من قريب ثمن الركون، والايمان بالقوة والاستخفاف بالعدو. واذا كان نسي فانه يجدر به أن ينعش ذاكرته بالاصغاء الى مسجل غولدا ونيكسون، وأن يسأل نفسه "ماذا أفعل كي لا أعاود أخطاءها، ولا أجر الدولة في عمى الى كارثة يوم غفران آخر".