خبر : قراءة فاحصة لتاريخ حماس في ذكرى انطلاقتها الثالثة والعشرين!!..إسماعيل إبراهيم الثوابتة

الثلاثاء 14 ديسمبر 2010 11:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT
قراءة فاحصة لتاريخ حماس في ذكرى انطلاقتها الثالثة والعشرين!!..إسماعيل إبراهيم الثوابتة



في الذكرى الثالثة والعشرين لانطلاقة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" نما إلى ذهني الكتابة عن بعض المحطات المهمة التي مرت بها الحركة منذ انطلاقتها عام 1987م، حيث شكلت تلك المحطات علامات فارقة في تاريخها حيث استطاعت أن تخترق حصون العرب والغرب وتدخل فكرتها إلى قلوب الناس والملايين من البشر.. الانتماء والمقاومة ولاشك أن الحركة منذ أن انطلقت كانت المقاومة – ولازالت - سمة بارزة لفتت لها الأنظار إليها، من خلال تبنيها لذلك النهج الذي تدفقت فيه الدماء أكثر وأكثر وبات إستراتيجية تقود بها الحركة المقاومة، حيث نجحت الحركة في تعريف العالم بالقضية الفلسطينية وبطبيعة الصراع العربي "الإسرائيلي" وأوجدت في نفوس الملايين حب المقاومة والانتماء للقضية، وبات واضحا أن الآمال معلقة بالحركة التي أخذت على عاتقها تحرير الأرض والإنسان من الاحتلال الذي نغّص على الناس حياتهم. ومع ازدياد آمال الناس بالحركة الوليدة؛ فقد ازداد الهم والتعب والحِمل على شبابها ورجالها، وهؤلاء كانوا صادقين وجادين وناجحين في ذات الوقت بنشر فكرتها العميقة التي تتجاوز القضاء على الاحتلال وتحرير فلسطين، وتذهب إلى ما هو أكبر من ذلك بكثير، فامتدت الفكرة وانتشرت أكثر وأكثر، وبينما كنا جالسين بجوار شيخي أحمد ياسين ذات يوم، وإذا به يقول لنا أن شباب من خارج فلسطين يتصلون به باستمرار يريدون الانخراط في صفوف الحركة وينضمون إلى جهادها ومقاومتها، فتوسعت الحركة وامتدت فكرتها التي أكثر ما يميزها أنها منطقية وحامية للمشروع.. الإبعاد إلى مرج الزهور وكما يقولون في المثل "الضربة التي لا تؤلم تزيدنا قوة" فإن كوادر ورجال وقادة الحركة تعرضوا إلى الإبعاد إلى مرج الزهور، في خطوة من قبل الاحتلال "الإسرائيلي" إلى كسر صمود الحركة التي باتت تشكل تهديدا فعليا لأمن الاحتلال ووجوده، فخرجت من خطوة الإبعاد وتمكن قادتها من تحويل الإبعاد إلى منفى يروِّجون خلاله للقضية الفلسطينية، فشكّلوا هناك جامعة متكاملة، وانقلب السحر على الساحر، حيث اجتمع أهل الضفة الغربية مع أهل قطاع غزة، وتلاقحت الأفكار والعقول ونمت الأفكار لتطوير الحركة أكثر، فباتت أقوى وأشد وأصلب.. وفي تلك الأوقات كان الجنود المجهولون (غير أولئك المبعدون وغير أولئك الذين في السجون) هم رأس الحربة في العمل والتواصل ورفع راية الحركة التي تتزين بـ "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وبات الإيمان أقوى والعزيمة أشد على توصيل الفكرة الرائدة، وبالفعل فقد انكسر وخسئ الاحتلال، وعاد المبعدون إلى أهلهم وأبنائهم وشعبهم منتصرين على الطغيان والظلم والجبروت.. ضربة الـ1996 ولما وصل الوقت بحماس إلى عام 1996م تلقت الحركة أيضا ضربة مؤلمة وقاسية ولكن هذه المرة ليس من قبل الاحتلال وإنما من السلطة الفلسطينية التي تقودها حركة "فتح"، وهذه الضربة تعرف لدى حركة حماس بـ "ضربة الـ96"، حيث اعتقل قادة الحركة وأنصارها وعلقوا في السجون وشُبحوا في مسالخ التعذيب، وتعرضوا للضرب المبرح، حتى ضاق الحال بالحركة وكان قادتها يستشهدون داخل السجون (الفلسطينية)، كما حدث من الدكتور الشهيد إبراهيم المقادمة الذي كاد أن يستشهد من كثرة التعذيب الشديد وفقدانه العديد من وحدات الدم بعد النزيف الحاد الذي تعرض له أكثر من مرة في تلك السجون، وعام بعد عام والحركة تلملم جراحاتها، وترفض المواجهة الداخلية، ولكن الأمر يأخذ منحى أكثر سوءا واستهدافا، فشرع رجالها – وقبل ذلك – بتنفيذ عشرات العمليات الاستشهادية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، حيث قلبت بذلك الموازين وغيرت وجه الصراع وباتت حماس الورقة القوية التي يراهن الجميع على سقوطها، فتكاتف الجميع من أجل إسقاطها وتفتيتها، ولكن قوة الانتماء والإرادة لدى رجالها كان هو الأقوى في مواجهة هذه الصعاب، وبقيت الحركة تلملم جراحاتها وتصبّر أبنائها المكلومين، حتى وصل الحال إلى اندلاع الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) ليكون بعدها ما يكون، فقد كانت الفرصة التاريخية سانحة تماما لتنمية الحركة التي استغلت هي الأخرى الانتفاضة استغلالا أمثل، فبدأت الحركة في تشكيل الخلايا العسكرية الصغيرة في بداية الأمر، مع الانتباه إلى صلابة المنتمين إلى هذه الخلايا، فتشكلت الوحدة القسامية 103 وبدأت في ضرب العدو "الإسرائيلي" حتى تمكنت من تصوير عملية تفجير الدبابة، فشكلت هذه العملية التوجه الأقوى لتفعيل العمل العسكري، وكسب التعاطف العالمي غير الرسمي إلى جانب الحركة فكبرت وكبرت.. اغتيال قادة الحركة .. ولكن! وفي ذات الوقت فقد وصلت درجة الانزعاج لدى قادة الاحتلال "الإسرائيلي" إلى درجة مقلقة بالنسبة له، وشرع في الخروج عن عقله وفقدان تفكيره، فبدأ في اغتيال قادة الحركة من الصف الأول وبالفعل تمكن من اغتيال كل من القادة جمال منصور وجمال سليم وصلاح دروزة ويوسف السركجي وصلاح شحادة وإسماعيل أبو شنب وإبراهيم المقاومة وعبد العزيز الرنتيسي حتى وصلت به درجة الإفلاس إلى اغتيال الشيخ المقعد المؤسس أحمد ياسين في خطوة اعتبرها المتابعون أنها من خطوة غبية تنم عن عقلية همجية فقدت صوابها ولم تستطع أن تمسك زمام الأمور.. وقد ظن الاحتلال من وراء ذلك أنه سيقضي على الحركة وجذورها، ولكن تلك الجذور كانت قوية، فخرّجت العشرات من القادة، وتقدمت الحركة أكثر وأكثر، فصار أشبال الأمس قادة اليوم، واستلموا قيادة السفينة التي تواجهها رياح عاتية، ومع كل منارة ومحطة وعلامة فارقة كانت شعبية حركة حماس تزداد وتكبر، وفكرتها تنتشر دون هوادة، فكبرت القاعدة الجماهيرية الفلسطينية ومن ثم العربية، حتى أصبح بعض المتابعين يسميها بحركة إقليمية وليس فلسطينية من شدة الإقبال على فكرتها والتمني بانتهاج فركتها والانخراط في صفوفها!. الفوز بالانتخابات التشريعية ومع تلك التطورات يستمر مؤشر قلق الاحتلال "الإسرائيلي" في الصعود هو الآخر، وباتت قوة المنطق لحركة حماس تغلب منطق القوة لدى الاحتلال "الإسرائيلي"، وباتت الجماهير تطلب حركة حماس لقيادتها نظرا لخدماتها الواسعة ويدها النظيفة، وخاصة بعد الترهل الذي وصلت له منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، فقررت حركة حماس - في خطوة جريئة تمثل لها محطة مهمة في العمل السياسي - الاستجابة لمطالب الجماهير ودخلت الانتخابات التشريعية، وفازت في أغلبية الأصوات في المجلس التشريعي الفلسطيني، حيث شكلت تلك النتائج صدمة كبيرة للعدو "الإسرائيلي" ولكافة المتابعين الذين قالوا أنها ستحصل على نتائج باهتة في هذه الانتخابات على اعتبار أنها تدخل لأول مرة في مثل هذا المعترك، ولكنها حصلت على نسبة فاقت 62% مما شكل ضربة قاسمة للديمقراطية الغربية والأمريكية، فكشفت ديمقراطيتهم الكاذبة، وعلى الرغم من هذا الفوز إلا أن الحركة لم تنل الاعتراف من دول أوروبا وأمريكا، وبات الضغط يزداد على الحركة بضرورة الاعتراف بـ "إسرائيل" وهو ما رفضته الحركة حملة وتفصيلا، حتى وصل الحال بها إلى تخلي الجميع عنها ودعوتها لتشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة – على اعتبار أن ذلك خطوة تعجيزية لها – وإذا بالحركة تتمكن من ذلك بسرعة البرق، فشكلت الحكومة من وزراء الضفة الغربية وقطاع غزة، وبدأت مع ذلك مرحلة جديدة من مراحل العرقلة والصلف والتعنت ومحاولات الإسقاط، إلا أنها كانت المنتصرة في كل محطة من تلك المحطات الفارقة، وفي تلك الظروف بدأت عمليات المناكفات السياسية في كل صغيرة وكبيرة، كما بدأت الإضرابات المسيسة في الصحة والتعليم وكافة الوزارات من أجل شلّ الحكومة العاشرة، ولكن الحكومة نجحت في تحقيق العديد من الانجازات في ظل حالة الترهل الكبيرة التي كانت تسود الحكومات السابقة، وتمكن نسبة ضئيلة من الموظفين من حمل هم الحكومة والعمل - لأجل الشعب الفلسطيني - ليل نهار، حتى أقنعت العالم بعظيم خطأه، وتجاوزت ذلك حتى بدأت الأطراف تقر بفشلها وعادوا وطلبوا حكومة جديدة (حكومة الوحدة الوطنية)، ولكن مع ذلك لم يرق للكثيرين هذا الحال، كيف تحكم حركة حماس السلطة الفلسطينية؟!!، فعادت الإضرابات والمناكفات وما هو على هذه الشاكلة من معيقات فعلية فشلت في إسقاط الحكومة التي تقودها حماس. المعالجة الأمنية لتصويب الوضع الأمني وقد بلغ السيل الزُّبَى؛ حينما انفلت الوضع الأمني في قطاع غزة، وبات الناس خائفون على أرواحهم وممتلكاتهم، وبدأت الأوضاع في التدحرج والتدهور، حتى دخلت مرحلة الإعدامات على اللحية وعلى مجرد الانتماء لحركة حماس، وصاحَب ذلك هدم البيوت وإطلاق النار على قادة وعناصر الحركة، فباتت الحالة ملحّة إلى تنفيذ المعالجة الأمنية لتصويب الوضع الأمني في قطاع غزة أو ما يعرف بـ "الحسم العسكري"، وهدأت الأوضاع الأمنية بعدها، وبات الأمن يسود المكان، وباتت رسالة حركة حماس هي الأقوى، وأنها لن تسمح بتمرير أي خطوة لا ترضى عنها.. المزاوجة بين المقاومة والحكم (اختطاف شاليط) وعلى الرغم من كل هذا الضغط الرهيب على حركة حماس؛ إلا أنها لم تنسَ أبدا ومطلقا التي انطلقت من أجله وهو تحرير الأرض والإنسان، فتبنت المقاومة حتى وهي في سدة الحكم، وقلعت بل وفقعت عيون المزاودين باختطاف الجندي "الإسرائيلي" في قطاع غزة (جلعاد شاليط) – مع فصيلين آخرين - لتكون بذلك هي سيدة المقاومة في فترة زمنية لا تحسد عليها سياسيا ودوليا، فتمكنت من المزاوجة بين المقاومة والحكم في خطوة تكاد لا تكون قد نُفّذت في دول عظمى تفهم ما معنى المناورات السياسية والعسكرية، إنها مناورة مواقف من النوع الثقيل. ولم يُخفِ المئات من المتابعين والساسة امتعاضهم الشديد من تلك المعاملة التي عوملت بها حركة حماس التي فازت بانتخابات شهد العالم بنزاهتها وشفافيتها ومصداقيتها، وامتعض هؤلاء من مرحلة التهميش العميق للحركة.. حصار سياسي ودبلوماسي واقتصادي ومع هذه المعاملة السيئة من قبل العالم الذي يدعي الديمقراطية والحيادية، فقد دخلت الحركة منعطفا جديدا من المعاناة من أجل الشعب الفلسطيني، وهو معاناة الحصار السياسي والدبلوماسي الذي لم يشهد العالم مثله أبدا، ودخل بعد ذلك مرحلة الحصار الاقتصادي، وأغلقت المعابر والحدود ومنعت السلع والدواء من الدخول، وحرم المرضى من السفر للعلاج والطلبة من السفر للتعليم، وذلك من أجل تأليب الناس على الحركة، وبالتالي دعوتها للتخلي عن الحكم والاستسلام لأمر الواقع، إلا أن الواقع أظهر غير ذلك، فازدادت الناس التفافا حول حركة حماس، إيمانا منهم بصدق رسالتها وصفاء سريرتها.. حرب عدوانية شرسة ولمّا شوهدت الحركة تخرج من كل منعطف بقوة والتفاف جماهيري كبير، كانت "إسرائيل" تعد العدّة - بالتوافق والتنسيق المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية – إلى شن حرب شرسة ضد حركة حماس واغتيال قيادتها كلهم وتفتيت حكومتها، فكانت الحرب العدوانية على قطاع غزة والتي بدأت بضربة راح ضحيتها مئات الشهداء في مجزرة رهيبة لم يشهد مثلها التاريخ المعاصر؟!!، واشتدت الحرب وحاول الاحتلال أن يكون الأقوى، إلا أن وسائل الإعلام الفلسطينية المسئولة ساعدت بقوة في فضح الاحتلال وجرائمه البشعة والخارجة عن إطار القانون الدولي الإنساني، حيث انتهت الحرب العدوانية وقد راح ضحيتها قرابة 7000 شهيد وجريح الغالبية الساحقة منهم من الأطفال والنساء وكبار السن، حيث عكف الاحتلال "الإسرائيلي" في الحرب على قصف البيوت والمنازل الآمنة، وتمكن من تنفيذ إعدامات لأسرى تم اعتقالهم على مسافات قريبة، كما اعترف بذلك جنود "إسرائيليون".. ولكن تلك الحرب انتهت بفضيحة مجلجلة للكيان "الإسرائيلي"، بينما حافظت الحركة على قوتها ورتبت صفوفها، وخرجت من بين الأنقاض أقوى عزيمة وأصلب عودا، واتسعت أكثر بعد ذلك شعبية الحركة لتمتد إلى أوروبا، التي جيّش الأحرار منها – بالتعاون مع فلسطينيين حملوا هم شعبهم - سفنا وقوافل أجنبية لكسر الحصار عن قطاع غزة، وبات الاحتلال "الإسرائيلي" مفضوحا أينما حل، وبات قادته مطاردون ومهددون بالمحاكمة.. حماس تزداد قوة! ومع مرور الذكرى الثالثة والعشرين (الـ23) لانطلاقة حركة حماس، فإن التوقعات تشير إلى أن الحركة ستنجح وستكبر أكثر وستتمدد أكثر، خاصة مع خروجها من كل المحطات الفارقة سابقة الذكر بعزيمة قوية، وسيكون للحركة خلال الأعوام القادمة موقعا متميزا بين حركات التحرر الوطني، وستحقق الحركة أهدافا كبيرة خلال المرحلة القادمة، لاسيما على صعيد الأسرى والمعتقلين، وسينحسر التأييد الدولي الداعي إلى حصار حركة حماس وشعبها الفلسطيني الأعزل، وسيدرك هؤلاء خطأهم العظيم الذي ارتكبوه بحق أنفسهم قبل أن يكون بحق ديمقراطيتهم، ولكن التاريخ لن ينساه أبدا، وسيكتبه بمداد من دم، وستكون الغلبة في النهاية لكلمة الحق، وسيرتفع صوت الحرية لشعب مشرد عاش سنوات طويلة من الويلات والمعاناة والاحتلال.