... وتستمر واشنطن في استعراض فشلها إزاء العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ــ الإسرائيلي، ولم تكتف بالإعلان عن عجزها عن إلزام إسرائيل بتجميد مؤقت للاستيطان على الرغم من عملية الإغواء الهائلة التي عرضتها على حكومة نتنياهو، بل استمرت في استعراض هذا الفشل من خلال ما أوضحته وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون بعد اجتماعها مع ممثلي فلسطين وإسرائيل مؤخراً، علماً أن هذا الاجتماع على "هامش" مؤتمر "منتدى سابان" الذي يجمع متخصصين في شؤون الشرق الأوسط، والذي دعي إليه في أول الأمر كل من رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك.وفي كلمة استسلام أميركي فاضح قالت كلينتون: إن الولايات المتحدة لن تكون شريكاً متفرجاً، لكنها في المقابل لن تطرح خطة تفرضها على الجانبين، لماذا، لأن المفاوضات وحدها هي التي تجعل من اتفاق ممكناً وقابلاً للتنفيذ، وهكذا تجاهلت كلينتون أن الولايات المتحدة عندما أرادت وامتلكت الإرادة والمصلحة، أقدمت على فرض خطتها، سواء في كوسوفو (يوغوسلافيا السابقة)، أو في تيمور الشرقية (الإندونيسية سابقاً) وكما فعلت في السودان وجنوبه أيضاً، لكن واشنطن استسلمت أمام إرادة نتنياهو، ولم تنجح في ما سوقته عبر قنوات عدة، من أنها ستطرح خطتها الخاصة فيما لو لم تنطلق العملية التفاوضية بشكل فاعل.واشنطن تتراجع بشكل مخزٍ، ولنتذكر حديث أوباما وفريقه باعتبار قيام دولة فلسطينية مستقلة مسألة متعلقة بالأمن القومي الأميركي، بعد عامين من هذه الأقوال، تعلن واشنطن انسحابها المخجل من هذه التعهدات، وكأنها ترهن أمنها القومي لإرادة نتنياهو، ولو كان هناك عدل حقيقي، لتم توجيه تهمة النيل من الأمن القومي الأميركي لكل من أوباما وفريقه في إدارته، كونه لم يستخدم نفوذ بلاده الهائل لتحقيق هذا الهدف، وهذا العجز عاد على الأمن القومي بسلبيات عديدة، من أهمها في هذا السياق، زيادة شعبية نتنياهو، والأحزاب اليمينية المتطرفة، ما جعل هذه الإدارة، تتراجع عن التأثير نحو انتخابات تشريعية جديدة في إسرائيل بعدما تبين أنها ضخت الدماء في هذه الحكومة لدرجة أن إجراء انتخابات تشريعية جديدة في إسرائيل، لا يعني فوزاً كاسحاً لليكود بقيادة نتنياهو فحسب، بل بنمو متزايد لحصص اليمين المتطرف بشتى أصنافه على حساب، كاديما وحزب العمل، ما يشير إلى أن التكتيكات التي اتبعتها هذه الإدارة، ستظل في إطار الزج بكاديما في هذه الحكومة، وربما لقاء كلينتون مع زعيمته ليفني في واشنطن مؤخراً، هو شكل من السعي لمثل هذا الانقلاب غير القابل للتنفيذ بحكم إحكام نتنياهو على حكومة تتزايد شعبيتها سياسياً على الرغم من الإخفاقات التي تمثلت مؤخراً بفضيحة العجز عن إخماد حرائق الجليل!!.خلال المباحثات الأميركية ــ الإسرائيلية حول الصفقة الإغوائية، رفض نتنياهو أن تنحصر مفاوضات الثلاثة أشهر حول حدود إسرائيل وحدود الدولة الفلسطينية، وأصر على أن يتم تناول كافة الملفات. في خطابها، تبنت كلينتون هذا الموقف تماماً، وأشارت إلى أنه من الضروري تناول كافة الملفات في المفاوضات غير المباشرة، وربما يتم البدء بملف القدس، وهذا يحيلنا إلى تراجع آخر، إذ ينبغي أن تكون مسألة القدس ليست بحاجة إلى مفاوضات طويلة مضنية، فالولايات المتحدة، كانت وخلال كافة الإدارات السابقة، قد أقرت أن القدس الشرقية هي جزء من الضفة الغربية المحتلة، وهذا ينسجم مع رفض تلك الإدارات نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، لكن إصرار كلينتون على فتح هذا الملف، يعني تراجعاً ضمنياً عن مواقف رسمية سابقة بخصوص مدينة القدس، خاصة أن الحديث عن "تبادل أراض" لم يشمل ولا في أية حالة، تبادل أراض في هذه المدينة.ولتأكيد هذا التراجع الأميركي، وحسب وسائل الإعلام الأميركية، فإن كلينتون عندما التقت الجانب الإسرائيلي، حرصت على أن تنال رضاه من خلال الحديث الموسع عن الملف النووي الإيراني، وعندما التقت الجانب الفلسطيني، حرصت على أن تنال رضاه من خلال الحديث عن الحرص الأميركي على الاستمرار في الجهد لتحريك العملية التفاوضية وأن واشنطن لا تزال عند مواقفها إزاء ضرورة قيام دولة فلسطينية، أي أن وزيرة الخارجية الأميركية، لم تأت بجديد، وحاولت استرضاء الطرفين كلامياً من دون أن تقدم أي حل، أو حتى نوايا، إلا من خلال تكرارها مواقف سابقة، ما يعني أنه لم يعد في جعبتها من جديد تقدمه، سوى استعراض فشلها وخيبتها ونكوصها عن مواقفها التي بشرت بها العرب والمسلمين، خاصة الفلسطينيين قبل عامين لدى تسلم أوباما مفاتيح البيت الأبيض.بقي لأوباما عامان، لخوض معركة انتخابات الرئاسة، وبقي لنتنياهو عامان للانتخابات التشريعية للكنيست الإسرائيلية، الأول يعيش مرحلة شلت قدرته على إحراز ولاية جديدة، أما الثاني فقد بات من المؤكد أنه لن يفوز فقط، بل سيكتسح كافة الأحزاب الأخرى، وحتى في حال فوز أوباما بولاية ثانية جديدة، فإنه في هذه الحال، سيواجه حكومة إسرائيلية بقيادة نتنياهو، أكثر قوة، وتمتلك إرادة أشد في التصدي لأية محاولة أميركية للضغط عليها أكثر من أي وقت مضى.وأميركا لا تتراجع وحدها، فالقمة العربية في سرت (ليبيا)، كانت قررت أن تقوم لجنة متابعة مبادرة السلام العربية بدراسة وطرح "الآلية المناسبة لمطالبة الإدارة الأميركية بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية على أن تكون باسم جميع الدول العربية"، غير أن هذا لم يحدث، لا على صعيد الدراسة، ولا على صعيد الطرح بطبيعة الحال، وتاهت لجنة متابعة المبادرة العربية في خضم الانتقال من المفاوضات المباشرة، وبالعكس، ولم تصدر سوى تصريحات باهتة حول التراجع الأميركي، والإعلان عن اجتماعات مرتقبة قريباً، لدراسة الأوضاع، من دون أن تكون هناك أية خطوة عملية جادة، على الرغم من أن الجانب الفلسطيني أعلن عن سلسلة وخرائط من البدائل، فإن ذلك لم يلق أي حماس من قبل المنظومة العربية التي تم إشغالها بالوضع في كل من لبنان والسودان!.وتحذير أميركي لإسرائيل، الفلسطينيون "سيصبحون أغلبية في المستقبل في الدولة العبرية" وبالتالي لا بد من حل، لكن هذا الحل ليس بالضرورة، بالنسبة لإسرائيل، الجنوح نحو إنضاج المفاوضات، بل باتخاذ إجراءات إضافية لتهجير الفلسطينيين من الجليل والنقب، وقد اتخذت حكومة نتنياهو خلال عامين أكثر من أية حكومة إسرائيلية خطوات على هذا الطريق، وهي مرشحة في المستقبل للاستمرار في هذه الإجراءات كي تحول دون أن يشكل العامل الديمغرافي خطراً وجودياً على دولة الاحتلال، تنبيه ذكي من كلينتون، جاء ليدعم خطوات أكثر ذكاء من قبل اليمين المتطرف الذي يقود إسرائيل!!.www.hanihabib.net هاني حبيب