المفاوض الفلسطينى أشبه بمن يتعرض لصدمات كهربائية متتالية ، تجعله يدور فى حلقة غير متناهية من الدوران حول نفسه ، وتجعله مشدودا بين فكى أكثر من كماشة ، الولايات المتحده بكل أوراقها التفاوضية التى تتحكم فى خيارات المفاوض الفلسطينى ، وأسرائيل التى تحاول أن تفرغ كل الخيارات الفلسطينية من جوهرها ، وتجعله أمام اللاخيار ، أو أمام صورة واحده بإتجاه واحد ، والعرب غير قادرين على أنتشال المفاوض الفلسطينى من دائرة المفاوضات غير المعلومة بدايتها من نهايتها ، كمن تقع رجلاه فى دائرة مغناطيسية كلما حاول أن يخرج رجله من إحداها تشده دائرة أخرى ، والكماشة الفلسطينية التى تقيد المفاوض الفلسطينى وتسلبه القدرة على الحركة ، ، ومع ذلك يجاهد المفاوض الفلسطينى ، ويحاول أن يتماسك ، ويظهر كل ما لديه من قوة حتى لا يقع فى هوة سحيقة لا يجد من يخرجه منها .وهذه الضغوطات المتزايده التى تمارس على المفاوض الفلسطينى ,أقصد به السلطة والرئاسة على وجه التحديد سياسة مقصوده ومبرمجة ومخطط لها ، فتارة السلطة ضعيفة ، وتارة أخرى الرئيس عباس ليس شريكا دائما للسلام حسب أقوال عوزى أراد مستشار ألأمن القومى ألأسرائيلى ، وتاره ثالثه السلطة لا تملك حق تمثيل الشعب الفلسطينى ـ وتارة رابعة بالتلويح بورقة ألأنقسام والحوار ولو عن بعد مع حركة حماس ، وتارة خامسه بجر المفاوض الفلسطينى وحشره فى زاوية الحرب ألأقليمية التى تجعل قراره مرهونا بألأنفراج على المستوى ألأقليمى ، وتارة أخرى بإستخدام خيار الكعكة الناقصة بالتلويح بقيام الدولة الفلسطينية ، ودولة فى اليد أفضل من البحث عن كينونات سياسية غير فلسطينية . وهكذا يجد المفاوض الفلسطينى نفسه حائرا بين الأستمرار فى المفاوضات على الرغم من علمه بعدم جديتها ، أو وقف هذه المفاوضات والتعرض لضغوطات تفوق قدرته على مواجهتها ، ويعتقد من خارج السلطة فلتذهب المفاوضات الى حيث أتت. وقد يكون مبرر هذا التفكير عدم جدية أسرائيل ، وعدم مصداقية الدور ألأمريكى ، وبالتالى ألى متى سنستمر فى المفاوضات ؟ بل أكثر من ذلك أن خيار المفاوضات بات يشكل خطرا على المصالح القومية الفلسطينية ، بمعنى أن مفاوضات بدون نتائج سياسية تقرب المفاوض الفلسطينى من الدولة المستقلة ، ستكون مجرد ذريعة ومبرر لأسرائيل للأستمرار فى تهويد ألأرض ، والغاء كل القضايا التفاوضية من قدس ولاجئيين ، وكأن المفاوضات من وجهة نظر أسرائيل هى تصفية القضية ، وألغاء المفاوضات كخيار . فى هذا السياق العام لا بد للمفاوض الفلسطينى من مراجعة كافة أوراقه وخياراته وتوظيفها وترجمتها على ألأرض قبل ان تفقد بدورها فعاليتها . والقاعده العامة تنطلق من مقولة أنه حيث أننا لن نكسب من المفاوضات كما يتم التأكيد على ذلك ، إذن لن نخسر شيئا بالذهاب الى الخيارات ألأخرى أو على أقل تقدير الذهاب الى خيار واحد وممارسته على أرض الواقع حتى تدرك أسرائيل ان الخيارات الفلسطينية ليست مجرد تكتيك فارغ من أهدافه ألأستراتيجية .ولعل.الركيزة الرئيسة التى ينبغى أن ينطلق منها السلوك التفاوضى الفلسطينى أن خيار سئ أفضل من اللاخيار . هذا السلوك التفاوضى تحكمه عددا من الأعتبارات : اهمها أولا عدم القدرة على الرفض ألأمريكى او على أقل تقدير الحاجة للموقف ألأمريكى فى مجلس ألأمن لدعم فكرة قيام الدولة الفلسطينية ، وثانيا :عدم الرغبة فى تحمل فشل المفاوضات المسؤولة عنه أسرائيل ، فأسرائيل تدفع فى أتجاه الرفض الفلسطينى حتى تتحلل من فشل مسؤولية المفاوضات ، ومن ثم تلقى بالمسؤولية على الجانب الفلسطينى ، وبالتالى تسلبه القدرة على توظيف الخيارات ألأخرى . وثالثا :عدم القدرة على الذهاب الى الخيارات ألأخرى كلذهاب الى مجلس ألأمن ، وتفعيل قرارات الشرعية الدولية ، وتحميل المجتمع الدولى المسؤولية الكاملة عن نشؤ القضية الفلسطينية ، لربط هذه الخيارات بخيار المفاوضات أولا ، ورابعا : التمسك بما تم تحقيقه من أنجازات تحتية لبناء الدولة ، ومن ثم الحاجة الى الدعم المالى والأقتصادى ألأمريكى وألأوربى . وخامسا : الخوف من تداعيات الخيارات ألأخرى ، وفشلها قبل اعطاء الفرصة لللمفاوضات ، وسلب كل الذرائع من يد أسرائيل . وفى ضوء ذلك ما هو الخيار البديل أمام المفاوض الفلسطينى ؟ أعتقد وعلى الرغم من المعرفة المسبقة بعدم جدية الحكومة الأسرائيلية للمفاوضات والوصول الى تسوية سياسية بقيام الدولة الفلسطينية ، يبقى خيار المفاوضات هو الخيار ألأقل سوءا ، والمطلوب هنا العمل على تحسين الموقف التفاوضى الفلسطينى ، وتقليل الضغوط الممارس عليه ، والعمل من خلال مساندة الدول العربية على الحصول على ضمانات أمريكية فيما يتعلق بتأييد الموقف الفلسطينى إذا فشلت المفاوضات خلال ثلاة أشهر ، بعبارة أخرى أن يضع الفلسطينيون شرطا أو طرحا بالتعهد بالمفاوضات لمدة ثلاثة أشهر فقط فى حال موافقة أسرائيل على تجميد المفاوضات لمدة ثلاثة أشهر فقط ،وبعدها إذا لم يتم ألأتفاق على مفهوم الحدود فسيعلن الفلسطينيون أنسحابهم من المفاوضات ، وألأعلان عن فشل خيار المفاوضات وعدم جدواه ، والذهاب لحظتها الى الخيارات الدولية ، ووضع الولايات المتحده أمام مسؤولياتها السياسية فى المنطقة ، وليتحمل الجميع بما فيهم أسرائيل تداعيات هذه الفشل . وفى هذا السياق يمكن ان يبدى المفاوض الفلسطينى قدرا من المرونة فى موقفه السياسى ، والتأكيد على موقفه الثابت من القدس ، وبعدم القبول بأى مستوطنات بداخلها ، وان أى بناء أستيطانى سيتم التخلى عنه فى سياق ألأتفاق على الحدود الذى يضمن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية . هذا هو الخيار البديل البناء فى هذه المرحلة الدقيقة والحرجة ، وبعدها فليتحرر الفلسطينيون من عبئ المفاوضات السلبية العبثية. أكاديمى وكاتب عربى drnagish@gmail.com